المقاله تحت باب في السياسة في
14/04/2010 06:00 AM GMT
سبق وكتبت قبل فترة وجيزة، وعلى وجه التحديد في 15/03/2010 موضوعا مهما بعنوان «حقيقة موقف الإسلاميين من الديمقراطية»، تمنيت لو قرأه كل مؤمن بالديمقراطية، لاسيما أصدقاؤنا العلمانيون الذين لا يعرفون حقيقة طريقة تفكير الإسلاميين فيما يتعلق بالديمقراطية معرفة دقيقة وتفصيلية، وبالأخص أولئك الذين أحسنوا الظن ببعض الإسلاميين فانضووا في قوائمهم الانتخابية، ومنهم من بقي يعتبر نفسه جزءً من هذه أو تلك القائمة ويدافع عنها وعن مواقفها ورؤاها، كما تمنيت لو يقرأها الإسلاميون أيضا، ليرد أصحاب الأقلام وأصحاب الفكر والثقافة الشرعية منهم. ولكني متأكد أني لم أعرض إلا حقيقة ما يؤمنون به ويتبنونه، وذلك من خلال معرفة ومعايشة مباشرتين دامت ربع قرن، وبحكم كوني من أبرز من ناقش موضوعة الديمقراطية، ونظّر لها وأثبت شرعيتها من وجهة نظره الإسلامية آنذاك، وللثقافة التي أتمتع منها، الشرعية الحوزوية منها والثقافة السياسية الإسلامية الحركية، وفي مجال الفكر الإسلامي العام، مما يجعلني أعرف معرفة دقيقة بأنهم لا يملكون ردا على ما كتبته، بل ليس لديهم أصلا من اعتراض على ما كتبته، لأني إنما عرضت فهمهم هم للديمقراطية، فعلام إذن يردون ويعترضون؟ وعندما شاهدت حلقة الثلاثاء المنصرم أي يوم أمس الواقع في 6/4، تحدث أحد قياديي حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون بكل وضوح، وبما لا لبس فيه، عن عدم إيمانهم، أي الإسلاميين، بالديمقراطية، بل بآلياتها فقط. ومن أجل أن أكون دقيقا بالنقل، فقد قال بالحرف الواحد: «نحن كإسلاميين لا نؤمن بالديمقراطية كمبدأ للحياة، بل كآلية» ثم قال في رد على استغراب المشاركة العلمانية أزهار الشيخلي من (العراقية): «أنا إسلامي، فكيف تريدين أن أقول عن نفسي أنا إسلامي وفي نفس الوقت ديمقراطي، كما أنتِ لا يمكن أن تكوني علمانية وإسلامية في آن واحد». ونشكره على إقراره بأن الديمقراطية والعلمانية متلازمتان، بينما الإسلامية والديمقراطية ضدان لا يجتمعان ولكن يرتفعان، كما يعبر المناطقة. فالديمقراطية كمبدأ وكنظام دولة هي علمانية إذن بالضرورة والتلازم، دون أن يعني أن كل علمانية ديمقراطية، فالعلمانية إذا كانت تعني النهج السياسي غير المؤسس على أساس ديني ليست دائما ديمقراطية، ولكن بعكسها الديمقراطية فهي بالضرورة علمانية، ولا يمكن أن تكون إسلامية، كما إن (الإسلامية) لا يمكن أن تكون ديمقراطية. ونحن نتكلم عن (الإسلامية) أو (الإسلاموية) أي (الإسلام السياسي)، وليس عن الإسلام كدين، لأن هناك من يفهم الإسلام دينا مدنيا، وليس سياسيا أو مسيسا أو متسيسا، يفهمه دعوة، وليس دولة. ولكن دعونا نرجع إلى المادتين الأولى والثانية من دستور 2005، لنرى ما هو موقع كل من الديمقراطية والإسلام فيه. فالمادة الأولى تنص على أن «جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي». والذي يهمنا هنا من هذه المادة أن «جمهورية العراق دولة ... نظام الحكم فيها ... ديمقراطي». إذن نظام الحكم في العراق ديمقراطي حسب المادة الأولى للدستور، ولم تقل المادة إن «نظام الحكم في العراق يستخدم الآليات الديمقراطية»، بل قالت «نظام الحكم فيها (جمهورية العراق) ديمقراطي». لكننا إذا ما انتقلنا إلى المادة الثانية من الدستور، وهي مادة حاولت أن تقدم حلا توفيقيا بين الديمقراطية والإسلام حيث تنص في (أولا) منها بأن «الإسلام دين الدولة الرسمي، وهـو مصدر أساس للتشريع». وهذا يعطي ربما المبرر للإسلاميين ليعتبروا تصريحهم بعدم الإيمان بالديمقراطية كمبدأ، بل كآلية. ولكن دعونا نسأل في حال التعارض بين المادة الأولى و(أولا) من المادة الثانية، فأيهما حاكم على الآخر. هل تكون المادة الأولى مشروطة بالثانية (أولا) بمعنى إن «جمهورية العراق دولة نظام الحكم فيها ديمقراطي، بما لا يتعارض مع كون الإسلام هو دين الدولة الرسمي، ومصدر أساس للتشريع». أم تكون الأولى، لكونها تمثل تعريفا للدولة العراقية، هي الحاكمة على الثانية، أي إن «الإسلام دين الدولة الرسمي، وهـو مصدر أساس للتشريع، بما لا يتعارض مع نظام الحكم الديمقراطي». ولعل النص في (ثانيا) من المادة الثانية جاء ليحاول رفع اللبس، أي يحاول التوفيق، ففي الوقت التي تنص القفرة (أ) على أنه «لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام»، تنص (ب) على أنه «لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية». وفي (ج) «لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور». إذن نفهم من هذا ما يأتي: 1. التشريعات المستوحاة من مبادئ الديمقراطية وكذلك تلك المستوحاة من الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور لا يجوز أن يسن منها إلا ما لا يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام. 2. التشريعات المستوحاة من الإسلام كمصدر أساس للتشريع لا يجوز أن يسن منها إلا ما لا يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. 3. التشريعات المستوحاة من الإسلام كمصدر أساس للتشريع لا يجوز أن يسن منها إلا ما لا يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور. وهذا يعني أن بعض ما يوجب أو يجيز الإسلام تشريعه متعارض إما مع مبادئ الديمقراطية، وإما مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور، كما وإن بعض ما توجب أو تجيز مبادئ الديمقراطية أو الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الدستور تشريعه متعارض مع ثوابت أحكام الإسلام. من هنا وضع الدستور كابحا أمام الإسلاميين، يحول دون تمريرهم قوانين تتعارض مع مبادئ الديمقراطية أو مع الحقوق والحريات الدستور الأساسية. وفي نفس الوقت وضع نفس الدستور كابحا أمام الديمقراطيين يحول دون تمريرهم قوانين تتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام. طبعا هناك رؤية فقهية ترى عدم ثبات معظم الأحكام الشرعية ذات البعد الاجتماعي أو لنقل المعاملاتي، لا العباداتي. لكن الإسلاميين في لجنة كتابة الدستور حالوا دون الاستفادة من مرونة هذه الرؤية الشرعية، فعمدوا إلى ثم حذف وثمة إضافة؛ الحذف أدى إلى رفع مرونة وفرها نص المادة في قانون إدارة الدولة، والإضافة أدى إلى وضع تقييد إضافي. فأضافوا كلمة (الأحكام)، بحظر تشريع ما يتعارض مع (ثوابت أحكام الإسلام)، بدلا من القول (مع ثوابت الإسلام)، وحذفوا عبارة (المجمع عليها)، من أجل الحؤول دون الرجوع إلى رأي فقهي ذي مرونة وديناميكية ومواكبة لروح ومتطلبات العصر. لا نقول إن الإسلام متعارض مع الديمقراطية، أو إن الديمقراطية متعارضة مع الإسلام، فللإسلام قراءات واجتهادات واستباطات وتأويلات عديدة جدا، ومن غير شك إن الكثير من قراءات وطرق فهم الإسلاميين للإسلام ما هو متعارض مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ومع الحريات العامة والحقوق الأساسية المثبتة في الدستور. ولكن بإيجاز، الإسلاميون ليسوا سواء، فمنهم من يؤمن بالديمقراطية، ومنهم من لا يؤمن بها. ومن الذين لا يؤمنون بها، منهم من هو مستعد للقبول بها، إذا اضطر لذلك، ولم يكن له خيار آخر، ومنهم من يبقى يحاربها ويعتبرها محرما لا يجوز اقتحامه مهما كلف الأمر، بل لا بد من مواصلة الجهاد من أجل إقامة الدولة الإسلامية الشرعية. بالنسبة لإسلاميينا في العراق، فهناك ما لا يزيد في أحسن التقديرات على الـ10% ممن يؤمن بشرعية الديمقراطية. إذن 90% لا يؤمنون بشرعيتها. ولكن من هؤلاء الـ90% ربما ولحسن الحظ 99% ممن يقبل بالديمقراطية كخيار اضطراري. إذن 1% يرى الجهاد ضد الديمقراطية، و89% لا يؤمن بشرعية الديمقراطية ولكن يقبل بها مضطرا، و10% يؤمنون بشرعية الديمقراطية، 9% يؤمنون بشرعيتها مع عدم إمكان إقامة الدولة الإسلامية، و1% يؤمنون بوجوب اعتماد الديمقراطية سواء اضطرارا أو اختيارا، أي حتى مع توفر فرصة إقامة الدولة الإسلامية، لتقديمهم رسالة الدعوة على رسالة الدولة، ولكون الدعوة للإسلام ستخسر المعركة حسب تقديرهم، إذا جرى الإصرار على مشروع الدولة الإسلامية. لكن يبقى غير المؤمن في العمق بالديمقراطية غير قادر على التفاعل مع المشروع الديمقراطي، كمن يؤمن بها في العمق. لكن حتى من غير الإسلاميين ليس لدينا قدر كاف من الديمقراطيين حقا في مجلس النواب الجديد. نقول لا بد من القبول بالأمر الواقع، فحتى في أورپا تعلم القوى الديمقراطية أن الأحزاب اليمينية على سبيل المثال لا تؤمن حقا بالديمقراطية، ولكنها من أجل المشاركة في العملية السياسية لا بد لها من إعلانها الإيمان ظاهرا بالديمقراطية وبلوازم الدستور. لكن الفرق إن الأحزاب اليمينية الأورپية لا تملك من الفرص والشعبية ما يسمح لها الوصول إلى السلطة. ثم دخول هذه الدول في الاتحاد الأورپي يمنعها من المساس بضوابط الديمقراطية. أخيرا أقول: في العراق هناك تدشين لديمقراطية بلا ديمقراطيين، أو مع حضور هامشي لهم، لكن المستقبل للديمقراطية والديمقراطيين، ولعل حتى من غير الديمقراطيين سيألفها بالتدريج ويقترب من روحها وجوهرها بالتدريج، ثم ستأتي أجيال لا تحمل أمراض وازدواجية جيلنا السياسي الحالي، ستكون مؤهلة أكثر لاحتضان المشروع الديمقراطي.
|