ايران راعية الديمقراطية العراقية |
المقاله تحت باب في السياسة عفوا .. أعتذر .. تبين لي كم أنا لا أفهم في السياسة، وأني حشرت نفسي لسنوات طويلة فيما لا معرفة لي به. منذ 2003 وأنا أكتب عن الخطر الإيراني على مشروع التحول الديمقراطي في العراق، وتكثفت كتاباتي حول الدور السلبي لإيران أكثر منذ 2006، إذ أخذت كما يقال (راحتي) تماما بعد إعلان خروجي من حزب الدعوة، ثم حسم خياري العلماني. وفي هذه الأيام هناك إجماع (وطني) على أن جمهورية إيران الإسلامية هي وحدها القادرة على مساعدة القوى السياسية العراقية في تشكيل الحكومة المقبلة، وبالتالي هي الراعية الأولى للديمقراطية في العراق. ألاّ يكون هناك لدى الائتلافين (الإسلاميين الشيعيين) مانع في أن ترعى إيران (الإسلامية الشيعية) العملية السياسية العراقية، فهذا أمر مفهوم ومتوقع، ربما وحتى قبول الحزبين الكرديين بهذا الدور الإيراني نفهمه إلى حد كبير، للعلاقة (الاستراتيجية)، بينهما كحزبين علمانيين كرديين سنيين، وبين إيران الإسلامية الشيعية الرافضة للحقوق القومية الكردية وغير الكردية والمعادية على ضوء الإيديولوجية الخمينية لمبدأ الفيدرالية لإيران؛ نعم العلاقة (الاستراتيجية) بين الطرفين مفهومة جدا، وفي كلا الحالتين. ففي الحالة الأولى أي بين القوى الإسلامية الشيعية العراقية وجمهورية إيران الإسلامية الشيعية بسبب الانسجام إسلاميا وشيعيا، وفي الحالة الثانية أي فيما يتعلق بالتحالف الكردستاني، فبسبب التضادّ بين ذا وذاك في أكثر من نقطة تضادّ، تماما كاللوحة الفنية التي أتقن الفنان الذي رسمها الجمع بين أكثر من تضادّ لوني، كتضادّ الحار والبارد، وتضادّ الداكن والفاتح، والتضادّ النوعي، والتضادّ الكمي، وتضادّ اللون كلون، وهنا أيضا نجد تضادّات متعددة.
لكن حتى (العراقية) ترى هذا الدور لإيران طبيعيا جدا، كل ما في الموضوع، كان لعلاوي عتاب، إذ لم تشمل إيران (العراقية) منذ البداية بدعوتها، بل بعد توجيه العتاب من (العراقية) لإيران تداركت الأخيرة، وبناءً على ذلك ستدعو (العراقية) و(دولة القانون) و(الوطني) و(التحالف)، حيث عبر المسؤولون الإيرانيون عن استعداد إيران استضافة القوى السياسية العراقية، أو بالذات تلك الفائزة في الانتخابات، لمساعدة العراقيين في تشكيل الحكومة، في الوقت الذي أكد المسؤولون الإيرانيون أنفسهم على كون تشكيل الحكومة العراقية شأنا عراقيا داخليا. إنهم إذن (يساعدون) فقط، ولا يتدخلون، حاشا لهم، وللساسة العراقيين أن يقبلوا بالتدخل.
لم أعد أفهم؛ لماذا يعجز العراقيون عن حل مشكلة تخصهم، وتكون إيران هي القادرة على حلها لهم؟ ما معنى أن الحل لا يكون إلا بحضانة ورعاية إيرانية؟ وما معنى أن حتى علاوي يرى الأمر طبيعيا ومقبولا ولعله مطلوبا ومحبذا؟ هل أصبحت إيران مهتمة بنجاح التجربة الديمقراطية في العراق، وقلقة على مسارها، حتى تدخل على الخط لحل المعضل الذي عجز العراقيون عن حله؟ وهل قدرة الإيرانيين على حل ما يعجز عنه العراقيون جاء بسبب التجربة الديمقراطية الرائدة للإيرانيين؟ أم هل أصبحت إيران حريصة على الحيلولة دون العودة لتكريس التخندق الطائفي من جديد، لتنصح الائتلافين القريبين منها (الإسلاميين الشيعيين)، كي يعرضا عن فكرة العودة للاصطفاف الطائفي؟ هل ستكون إيران حريصة على أن تتولى (العراقية) مهمة تشكيل الحكومة، كونها القائمة الفائزة، وذلك بالائتلاف مع أحد الائتلافين الشيعيين، وذلك باختيار الائتلاف المرشح للائتلاف مع العراقية إما بالقرعة أو بالاستخارة، أو بتوجيه من ولي أمر المسلمين ومرشد الثورة الإسلامية، أو من رئيس جمهوريته المحنك والخبير بحل الأزمات؟ لعل الذي جعل السياسيين العراقيين يضعون ثقتهم في إيران لمهارتها في حل أزمتها الداخلية، عندما حصل ما حصل بعد انتخاباتها الرئاسية، فقُمِعت التظاهرات السلمية قمعا وحشيا، واعتقل المشاركون فيها أفواجا متفاوجة، وأعدم منهم من أعدم مما تجاوز المئة معدوم، بتهمة محاربة الله ورسوله، وكأنما خامنئي هو الله، وأحمدي نژاد هو رسوله. وربما الذي منح إيران هذه المكانة وهذه الموثوقية عند الساسة العراقيين هي ديمقراطيتها النموذجية، أو كونها عرفت برعايتها لقضايا العراقيين سياسيا وإنسانيا، منذ كانوا ضيوفا عندها، ممن هجرهم صدام ورماهم على حدودها، أو ممن هربوا إليها مهاجرين لاجئين هربا من نار صدام، فاحتضنتهم إيران الإسلامية جدا إما بالإهمال أو بالتضييق سياسيا واجتماعيا وإنسانيا. هل نسي المالكي ورفاقه - عفوا - إخوانه (الدعاة)، كم كانت معاناتهم في إيران، التي خيرت قوى المعارضة العراقية الإسلامية بين الإيمان والتسليم لمبدأ ولاية الفقيه التي تعني ولاية الإيرانيين على العراقيين وغيرهم من المسلمين وبالأخص الشيعة من غير الإيرانيين، وبالتالي ما سمَّوه بالاندكاك الكلي في المشروع الإسلامي الإيراني، أو أن يُشهَر على من يرفض منهم الاندكاك في الجمهورية الإسلامية، أو يبدو منه التردد في ذلك، أن يُشهَر عليه سيف تهمة معارضة أو مضادّة ولاية الفقيه (زدَّ ڤِلايتَ فقيه)، مما يعني التكفير السياسي، والتكفير المذهبي، بسبب الإخلال بضرورة من ضرورات المذهب حسب المبنى الفقهي لخامنئي، والتكفير الديني بسبب الكفر بمشروع الدولة الإسلامية ومبدأ (عبادتنا سياسة وسياستنا عبادة) الذي أطلقه قائد الثورة الإسلامية الإيرانية، كشعار أساسي من شعارات ما أسماه بالإسلام (المحمدي) أي الإسلام السياسي، لأنه كان يعتبر الإسلام غير السياسي هو الإسلام (الأمريكي) في مقابل الإسلام (المحمدي)، أي الخميني. وأرجع لأبدي استغرابي من حماس علاوي للذهاب إلى إيران، لتحلّ للعراقيين معضلتهم السياسية. حقيقة لم أعد أفهم. صحيح إن السياسة عالم الممكنات وعالم المرونة، ولكن ألاّ يبقى لدى السياسي أي ثابت من الثوابت إلى هذه الدرجة، فعدم فهمي لهذه الظاهرة تدل كما يبدو أني حقا لا أفهم شيئا من السياسة، ولطالما قيل لي أنت لست بسياسي، لأنك لا تفهم الألاعيب السياسية، وغير مستعد لمزاولتها، ولا تمارس الكثير من ممارسات السياسة، متوهما أن النزعة الإنسانية هي الدافع الأساسي لتحريك الإنسان نحو أن يزاول السياسة، ومتوهما أن الصدق هو رأس مال العمل السياسي، والرصيد الحقيقي للساسة، وأن السياسة رسالة إنسانية ووطنية وليست مشروع سلطة. أكتفي وأقول إيه يا عراق، إلامَ يتقاذفك السياسيون كتقاذف الصبيان للكرة في ملعب فوضوي غير نظامي، من غير قواعد للعب، ولا حَكَم، ولا مراقبي خطوط، ولا تخطيط للساحة؟ أم عفوا، هل أقول إلامَ أبقى وأمثالي الحالمون أميين في السياسة؟ |