باعة الخمور في البصرة: الإسلاميون والتراخيص والحكومة، كلها ضدنا! |
المقاله تحت باب قضايا في مستهل آذار/ مارس أدت قنبلة يدوية رمى بها مجهولون داخل صالة للعب البليارد تقدم مشروبات كحولية في ساحة أم البروم في منطقة العشار إلى جرح 8 اشخاص بينهم بعض الطلبة وتدمير المكان والمحال القريبة منه. وقال أحد مالكي الصالة لمراسل لـ "نقاش" أن "هناك من يرى في ألعاب البليارد والقمار وبيع الخمور مخالفة للتشريعات الإسلامية". قبلها، وفي شباط الماضي، نسف مجهولون حانوتاً لبيع الخمور في الشارع الوطني، وقال صاحب الحانوت وهو من الطائفة المسيحية، ويتمتع بعلاقات طيبة مع جواره من الشيعة: "ماذا يريدون منا؟ لقد أغلقنا محالنا احتراماً لقدسية عاشوراء .. لماذا لاتحمينا الدولة؟" وأوضح صاحب المحل الذي طلب عدم ذكر اسمه أن " الدولة لن تلتزم بتقديم اي تعويض لنا عن الخسائر الحاصلة، لأن رخصة الحانوت كانت قد انتهت مدتها، ورفض مجلس المحافظة تمديد الرخصة". وكان مجلس محافظة البصرة الذي يسيطر عليه حزب الدعوة الإسلامية اتخذ قرارا في الثاني من آب/ أغسطس الماضي فارضا غرامة قدرها خمسة ملايين دولار (4720 دولار أمريكي) على كل شخص يصنع او يبيع او يشرب الكحول في مكان عام او يستورده الى المحافظة، وقد غضت النظر عن بائعي الخمور من المسيحيين، لكن دون أن تجدد لهم التراخيص. ولم تكن البصرة الاولى في اتخاذ قرار حظر بيع الخمور، فقد سبقتها اليه كل من النجف وواسط، وحتى العاصمة بغداد، التي منعت هيئة السياحة فيها، تقديم المشروبات الكحولية في الفنادق والمطاعم تحت طائلة الغرامة والإغلاق، فضلا عن منع بيع المشروبات الكحولية في المتاجر والحوانيت. ونعمت البصرة طيلة العقود الماضية بشيء من الانفتاح الاجتماعي، مقارنة مع بقية محافظات الجنوب واوسط، وحظيت بعض الأماكن فيها كشارع الوطني بشهرة لاحتوائها على الحانات والملاهي ـ الكباريهات ـ والنوادي الاجتماعي وحوانيت بيع الخمور، حتى مستهل التسعينيات من القرن الماضي عندما قرر صدام أغلاق النوادي والملاهي واقتصار بيع الخمورعلى الحوانيت فقط. وعرف عن "التلكيف" وهم طائفة من المسيحيين مزاولة بيع الخمور منذ عهود سابقة في البصرة، وهم الشريحة الأكثر فقراً بين أقلية من المسيحيين تشير المصادر إلى إن عدد افرادها لايتعدى ألفاً في البصرة بعد هجرة الكثير منهم جراء الظروف الأمنية. وفاقم تدهور الوضع الأمني بعد 2003 وظهور المليشيات الاسلامية المتشددة المدعومة من إيران من تحول الخمور إلى سلعة محرّمة وإغلاق معظم الأماكن الترفيهية. ويقول أحد الباعة في الحي الوطني طلب عدم ذكر اسمه أن "بيع الخمور كان يجري بصورة سرية، ولأشخاص موثوقين فقط، إذ أن الكثير من الباعة تعرضوا للتصفية ". وأوضح لموقع "نقاش" كيفية بيعها قائلا "أن الخمور كانت تعبئ في علب بلاستيكية داكنة اللون وتنقل بحذر شديد". وكانت بضعة حوانيت لبيع الخمور، قد اعادت فتح أبوابها بصورة علنية بعد عملية "صولة الفرسان" الأمنية التي قادها رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي في آذار/ مارس 2008. لكن قرارا أصدره مجلس محافظة البصرة في 2 آب/ أغسطس الماضي يحظر بيع الخمور، أعاد غلق معظم الحوانيت، حيث رفعت لافتات المنع على واجهاتها، واضعة حداً للشائعات التي تحدثت عن إصدار تراخيص لفتح نوادي وملاهي في المحافظة. وقال د. سعد بطرس ممثل الأقليات في مجلس محافظة البصرة أن "مهنة بيع الخمور ارتبطت بصورة من الصور بالطائفة المسيحية قبل سقوط النظام السابق وبعده فكما هو معروف أن من يتعاملون ببيع الخمور هم من المسيحيين وغيرهم". مشيراً إلى أنه استقبل بعض ممثلي هذه الشريحة واستمع لمشاكلهم. وأشار بطرس لمراسل "نقاش" أنه اتصل بالمسؤولين في ديوان محافظة البصرة و"كان الحل برأيهم أن يتم تجديد تراخيص عمل محال باعة الخمور من قبل الجهات المعنية في بغداد وهيئة السياحة لكي يزاولوا عملهم بصورة قانونية دون أن يتعرض لهم أحد". لكن بطرس يرى أن على "باعة الخمور حماية أنفسهم أمنيا حتى في حال حصولهم على تراخيص عمل أو أن يتحولوا لمزاولة أعمال أخرى". وفي حين يمنع قرار مجلس محافظة البصرة مزاولة بيع الخمور وهو قرار "يجب تطبيقه" على حد رأي بطرس، فهو يقول أن "البت في المسألة يبقى رهين هيئة السياحة في بغداد". وتعليقا على كلام بطرس، أتهم بائعوا خمور التقتهم "نقاش" هيئة السياحة بالخضوع لإرادة المتشددين في مجلس المحافظة وقال أحد الباعة حبذ عدم ذكر أسمه لمراسل نقاش "نحن نحوز على تراخيص عمل تعود إلى عام 2002 ولايتطلب الأمر سوى تجديدها لكننا بدلا من ذلك نتعرض للعبوات الناسفة والتهديدات وإطلاق النار". وينأى الساسة وممثلو الأحزاب الليبرالية والعلمانية في البصرة بأنفسهم عن الخوض في قرار مجلس محافظة البصرة بمنع مزاولة بيع الخمور. ويرى عضو في اللجنة المحلية للحزب الشيوعي العراقي بالبصرة حبذ عدم ذكر اسمه أن المسألة "ليست شعبية كثيراً، ولا تمس شريحة واسعة كما انه حسّاس كونه يتعارض مع تقاليد المجتمع البصري". وأردف قائلا أن "المشكلة تنحصر في جانب منها بعدم صياغة قانون واضح يضمن لكل حق حقه، ففي كل محافظة هناك قانون خاص، وفي اعتقادي، وحتى لو تم اصدار قانون مركزي يضمن مزاولة بيع الخمور، فسيتم الالتفاف عليه من قبل الأحزاب الدينية المسيطرة على الساحة". وفي الآونة الأخيرة راجت شائعات عن توقع "انفتاح" في البصرة، وذلك مع توقيع عقود استثمارات نفطية وأخرى سياحية من شانها انعاش اقتصاد المدينة، لكن القرار الأخير حمل رسالة صريحة من قبل الأطراف المتشددة. وقال سالم الخزاعي أحد المستثمرين لمراسل نقاش" أنه "وبرغم الوضع الأمني القلق فقد كنا نأمل أن تتحرك الحكومة المحلية لاجتذاب رأس المال المحلي والعالمي للاستثمار في البصرة، وهو ما سييزيح الحركات الأصولية المتزمتة عن الواجهة". الخزاعي يرى أن تجربة بعض دول الخليج مع الانفتاح الاستثماري أتت بمردودات إيجابية، وهو يشير إلى أن أغلب أعضاء مجلس المحافظة السابقين قد تذوقوا "حلاوة" الانفتاح خلال زياراتهم المتكررة لدولة الأمارات "فلماذا لا يكررون التجربة ويوفرون على انفسهم نفقات السفر؟". لكن سامي تومان مسؤول منظمة حقوق الإنسان في البصرة يرى أن "الوقت غير مناسب" لطرح مبادرات تخص افتتاح ملاهي فضلا عن افتتاح محلات لبيع الخمور. ويضيف لمراسل نقاش" أن منظمته ترى "أن تأتي العملية بصورة تدريجية دون إيقاع أضرار بالمجتمع، فهناك أطراف متزمتة في الحكومة بالوقت الحاضر". ويشير تومان إلى أن "موضوع الحريات لا تحدده الأوضاع الأمنية بل البيئة السياسية والاجتماعية، فبالرغم الاستتباب النسبي للأمن فإن أقسى ما تواجهه الحريات العامة في البصرة يحدث اليوم". الحكومة المحلية في البصرة لم تر في قرارها منع بيع الخمور مخالفة لبنود الدستور العراقي بالرغم من أن الدستور نص على حماية الحريات العامة. وقال نائب رئيس مجلس المحافظة أحمد السليطي ـ عن المجلس الأعلى ـ الذي يتزعم حملة منع بيع الخمور في تصريح سابق أن قرار غلق محال بيع الخمور يعتبر "دستوري" و"نهائي". مستندا في ذلك إلى المادة الدتسورية التي تقول أن الإسلام هو دين الدولة والمصدر الأساسي للتشريع. بينما يرى متابعون أن قضايا بيع الخمور ومنح تراخيص فتح النوادي تستغل ضمن صراعات سياسية ومزاودات بين الأحزاب الدينية، ولاسيما حزبي الدعوة الإسلامية بزعامة المالكي والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، حيث يهدف الحزبين إلى اجتذاب الأنصار من خلال ابراز مظاهر "الورع والتقوى". |