المقاله تحت باب في السياسة في
21/03/2010 06:00 AM GMT
ابتداءً لا بد من تحديد الإجابة عن سؤال لماذا نعتت أو وصفت الأحزاب الإسلامية بالإسلامية. انطلقت الأحزاب الإسلامية من فكرة أسلمة المجتمعات المسلمة، كون هذه المجتمعات مسلمة بالهوية، لكنها ليست إسلامية، بمعنى اعتماد الإسلام برنامجا شاملا لكل مناحي الحياة، عقيدة، وتفكيرا، والتزاما، وعلاقات، وتربية وتعليما، وثقافة، واقتصادا، وسياسة، وأحكاما، وقضاءً، وتشريعا، و... وأسلمة المجتمع هذه تجري عبر آليات الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعملية التغيير التي تمر عبر التدرج والمرحلية، عبر مراحل التغيير الفكري، ثم الصراع السياسي، فالمواجهة الجهادية ضد النظم غير الإسلامية، ثم استلام الحكم وإقامة الدولة الإسلامية، مع اختلاف تصورات الأحزاب الإسلامية في التفاصيل عن هذه الدولة الإسلامية، وحتى عن اسمها، ما إذا تسمى بالجمهورية الإسلامية (وعلى رأسها الولي الفقيه أو المرشد الأعلى)، أم الإمارة الإسلامية (وعلى رأسها أمير المؤمنين)، أم الدولة الإسلامية، أم الخلافة الإسلامية (وعلى رأسها خليفة رسول الله). مع الوقت أعادت بعض الأحزاب الإسلامية النظر في هدف إقامة الدولة الإسلامية، وتحولت إلى القبول بالدولة الدستورية البرلمانية المدنية التعددية، أو بتعبير آخر بالدولة الديمقراطية العصرية. البعض من الإسلاميين اعتمد هذه الرؤية الجديدة عبر دراسة شرعية، فعاش منسجما مع الممارسة السياسية، من حيث إيمانه بشرعية الخيار السياسي دينيا. لكن الإيمان بالشرعية الدينية للديمقراطية عند الإسلاميين متفاوت، وأغلبهم آمن بشرعيتها بالعنوان الثانوي. والمقصود بالعنوان الثانوي، هو طروء طارئ يسمح بالتحول من القاعدة إلى الاستثناء، أي الحكم الأولي بالحرمة مثلا إلى الإباحة أو لعله الندب أو الوجوب، أو من وجوب الإتيان بجواز الترك، وهكذا. دعونا نتعرف على الحكم الأولي، أي الذي يمثل القاعدة والأصل، للديمقراطية في الشريعة الإسلامية للإسلاميين. الأصل في حكمها هو الحرمة. والسبب هو إن الديمقراطية تسمح بالأحزاب غير الإسلامية بالمشاركة في العملية السياسية، أي في السلطات الثلاث؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية، مما يؤدي إلى تشريع قوانين غير إسلامية، وترك الحكم بما أنزل الله إلى الحكم بما يقره الناس، أو ما يسمى اعتماد حاكمية الشعب (معنى الديمقراطية) بدلا من حاكمية الله. واستند أصحاب الرؤية التي تحرم الحكم (بـ[غير]ـما أنزل الله) بمجموعة من النصوص القرآنية، من قبيل (ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الكافرون)، و(ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)، و(ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ...). أما الذين أقروا الديمقراطية، ولو غالبا بعنوان ثانوي، فقد استندوا في شرعية متبناهم على نصوص قرآنية أخرى من قبيل (لا إكراه في الدين)، (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، و(وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، و(إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر)، و(من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). هناك طبعا على كل استشهاد بنص أو بآخر على هذا أو ذاك المبنى الفقهي السياسي ثمة رد ينفي صحة الاستشهاد والاستدلال بالنص، عبر تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة، وعبر الناسخ والمنسوخ، وأسباب التنزيل، والقواعد الفقهية والأصولية فيما هو العام والخاص، وما هو المطلق والمقيد، وإلى غير ذلك من الرؤى والاجتهادات والتفسيرات والتأويلات، وما يتبنى من مقاصد الشريعة، وزمانية ومكانية الحكم الشرعي، أو عدم تقيده بالزمان والمكان، وما هي التقية الدينية السياسية (إلا أن تتقوا منهم تقاة). ولذا من الصعوبة بمكان تحديد من يؤمن حقا من الإسلاميين بشرعية الديمقراطية، ومن لا يؤمن بها، لكن يرى جواز التعاطي معها من موقع الاضطرار، أي بالعنوان الثانوي، وربما عبر النظرة الواقعية التي تعترف بعدم إمكان تحقيق هدف إقامة الدولة الإسلامية، مما يجعل مثل هؤلاء يؤجلون مشروع الدولة الإسلامية ولا يلغونه كهدف بعيد المدى، يعمل مجددا على تحقيقيه عندما تتوفر الظروف الموضوعية لذلك. وبالنسبة للشيعة بالذات هناك رؤى متفاوتة عدد منها الكاتب الإيراني الشيخ محسن كديور (كديڤر) تسعة في كتابه (نظريات الحكم في الفقه الشيعي)، فهناك نظرية ولاية الفقيه، وهي تتوزع إلى أقصى التشدد فيما هو أكثر تشددا من نظرية الخميني، إلى النظرية الأكثر مرونة لمحمد باقر الصدر، حتى بلوغها نظرية محمد مهدي شمس الدين في الدولة المدنية التي تكون فيها ولاية الأمة على نفسها، وهناك النظرية التي بلورها كاتب هذه السطور من 1993 حتى 2004 عندما كان إسلاميا ديمقراطيا، والتي كان مفادها وجوب الدعوة إلى الديمقراطية غير المشروطة، من خلال خمسة خيارات عرضها عام 2002 في محاضرة له في لندن، هي الديكتاتورية العلمانية، والديكتاتورية الإسلامية، والديمقراطية المشروطة بشرط العلمانية، والديمقراطية المشروطة بشرط الإسلام، وأخير الديمقراطية غير المشروطة. لكني حسمت خياري عام 2006 عبر القناعة التي تكونت عندي أن الديمقراطية العلمانية هي نفسها الديمقراطية غير المشروطة. ثم هناك من الشيعة من يحرم العمل السياسي في عصر الغيبة، لأن إقامة الدولة الإسلامية هي حصرا من مهامّ المعصوم، وبالتالي من مهامّ المهدي المنتظر. بسبب هذا العدد الهائل وغير المحدود من المباني الفقهية في الحكم، ولكون بعض هذه المباني تلتقي مع الرؤى والنظريات البشرية الأرضية التي تعتمد مرجعية العقل ببعديه الفلسفي (الحكمة، أو العقلانية) والأخلاقي (الضمير والإنسانية)، وكذلك مرجعية التجربة الإنسانية المتنامية، كان من الضروري اعتماد هذه الرؤية ابتداءً، ودون اللجوء إلى استنباط الرؤية الشرعية من النصوص، المتعددة بل المتناقضة الفهم والتفسير والتأويل. نرجع إلى موقف الإسلاميين من الديمقراطية. مرارا وتكرارا ذكرت حقيقة أن مفردة (الديمقراطية)، ولغاية 9 نيسان 2993، لم ترد مرة واحدة في أي من أدبيات أي من الأحزاب الإسلامية العراقية، سواء حزب الدعوة، أو حزب الدعوة تنظيم العراق، أو المجلس الأعلى، أو حزب الفضيلة، أو التيار الصدري، أو الحزب الإسلامي العراقي. ثم الرؤية الشرعية المعتمدة من أقل الأحزاب الإسلامية تشددا كانت جواز قبول الإسلاميين بالديمقراطية، مع عدم رجاحة مبادرتهم الدعوة إليها. ثم هناك قاعدة شرعية مهمة وأساسية اعتمدوها للتخلص من الإشكال الشرعي في القبول بالديمقراطية، وهذه هي من القواعد الفقهية المهمة، والتي مفادها جواز، أو رجحان، أو لعله وجوب القبول بالديمقراطية على أساس قاعدة درء أكبر المفسدتين، أو أكبر الضررين، بأصغرهما. ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن الديمقراطية بالعنوان الأولي تمثل مفسدة شرعية أو ضررا شرعيا، أو بتعبير آخر إثما ومحرما شرعيا. ولكن المتشرعة عندما يواجهون هذه المفسدة، وإلى جانبها مفسدة أكبر منها، لا يملكون درأها عن أنفسهم وعن المجتمع الإسلامي وعن الإسلام والمسلمين، إلا بالمفسدة الأصغر، والتي هي الديمقراطية، يجوزم لهم، بل يجب عليهم درء تلك بهذه. المفسدة التي أكبر مفسدة الديمقراطية هي الديكتاتورية (العلمانية)، أو الديمقراطية (العلمانية)، أي تلك التي تستثني من التعددية الأحزاب الإسلامية، لكونها غير ديمقراطية في العمق، وذلك بقرار استبعاد ديمقراطي، عبر الدستور أو القانون. أما بالنسبة للديكتاتورية (الإسلامية) فيختلف فيها الإسلاميون، فالمتطرفون لا يرون غيرها جائزة شرعا، ويجاهدون من أجل تحقيقها ولو بوسائل العنف والإرهاب، وليس لدينا مصداق لمثل هؤلاء بين الإسلاميين العراقيين المشاركين في العملية السياسية. أما المتشددون فيتحينون الفرص الموضوعية المواتية لفرض الديكتاتورية الشرعية، أي ديكتاتورية حكم الله، حسب رؤيتهم واجتهادهم هم. ولكن هناك من الإسلاميين المعتدلين أو الأقل تشددا، فيرون في الديكتاتورية الإسلامية الحكم الشرعي بالعنوان الأولي، لكنهم يرون بالعنوان الثانوي حرمته، لما يمثله من ضرر على الإسلام بالعوان الثانوي، عبر استعداء شرائح واسعة من الشعب، وحتى من الأكثرية المسلمة ضد النظرية الإسلامية للحكم، وضد مشروع الدولة الإسلامية، ومن هنا فهم يرون وفق نفس قاعدة درء أكبر المفسدتين بأصغرهما وجوب درء الضرر الأكبر الواقع على مشروع الدعوة الإسلامية عبر تحقيق الفائدة الأصغر عبر نجاح مشروع الدولة الإسلامية، هذا طبعا إذا اتفقوا على أن مشروع (الدعوة) أهم وأكبر من مشروع (الدولة). ويأتي الرد حتى من أوساط بعض المعتدلين ليقولوا أن (الدولة) إنما تمثل أهم آليات (الدعوة)، لذا يجب العمل من أجلها، وضررها وقتي وزائل، بينما يرى الطرف الآخر العكس من ذلك، هو أن الضرر الواقع على مشروع (الدعوة) عبر استعجال تحقيق مشروع (الدولة) أشد وأكبر وأدوم على الإسلام. من هنا يجد البعض منا، نحن الديمقراطيين العلمانيين، بما فينا أولئك العلمانيون المتدينون، أو الدينيون غير المتدينين، أو المؤمنون اللادينيون، أو غيرهم، وجوب الفصل بين الدين والسياسة، أي استبعاد الدين عن السياسة، إلا إذا قصد من الدين جوهر الدين ومقاصد الشريعة، وليس شكل الدين وأحكام الشريعة. وهذا التمييز في فهم الدين في علاقته بالسياسة هو الذي جعل الإسلاميين في لجنة كتابة الدستور يصرون على إضافة ثلاث تقييدات على المادة الثانية من الدستور، بالنسبة للنص الذي كان معتمدا في قانون إدارة الدولة. التقييد الأول هو استبدال عبارة (الإسلام مصدر للتشريع) بعبارة (مصدر أساس للتشريع) بعدما أخفقوا في فرض عبارة (المصدر الأساس) بلام التعريف مقاربة لمضمون (المصدر الوحيد). والتقييد الثاني كان استبدال عدم جواز تشريع قانون يتعارض (مع ثوابت الإسلام)، بعبارة (ثوابت أحكامه)، كي تكون الأحكام الشرعية وشكل التشريع هما الحاكمين، وليس جوهر الدين ومقاصد الشريعة. والتقييد الثالث برفع عبارة (المجمع عليها) نسبة إلى الثوابت الواردة في قانون إدارة الدولة، لفسح المجال للإفتاء بالتعارض من قبل أي مرجع أو مفت، أو عدد من المراجع والمفتين، حتى لو لم يكن هناك إجماع على التعارض. ثم إننا نعلم بإيمان الكثيرين من الإسلاميين الشيعة بمبدأ ولاية الفقيه، ولو المطبقة في ظل الدولة الديمقراطية، وليس بالضرورة في ظل دولة ولاية الفقيه، أي تطبيق مبدأ ولاية الفقيه بالقدر الممكن تطبيقه في إطار الدولة الديمقراطية الدستورية البرلمانية. وهذا ما مورس خلال السنوات السبع الماضية عبر الالتزام الشرعي بتعليمات المرجعية، أي ولاية المرجع، وبالتالي ولاية الفقيه بمضمونها دون مسماها. ونعلم إن لبعض الأحزاب الإسلامية مرجعيات دينية خاصة، وبعضها يلتزم بالمرجعية العامة الملزمة. نعم نقر بأن الأحزاب الإسلامية قد كيفت نفسها بالتدريج لمفاهيم وضوابط الديمقراطية، وإلم يؤمن أكثرها بالعنوان الأولي بشرعية الديمقراطية التي ما هي إلا حاكمية الشعب في مقابل حاكمية الله، ولكن مع هذا التكيف، فقد اختزل أكثرها الديمقراطية بنتائج الانتخابات، مع إن الديمقراطية منظمة متكاملة غير قابلة لتفكيك عناصرها عن بعضها البعض، ثم اختزالها في بعض عناصرها دون الأخرى. كما حولوا مفهوم الأكثرية من الأكثرية السياسية إلى الأكثرية الطائفية، أي الدينية والمذهبية، مضافا إليها الأكثرية القومية، أي إن الديمقراطية تحتم حاكمية المسلمين الشيعة العرب من العراقيين. بينما الديمقراطية تعنى بالأكثرية السياسية وليس بالأكثرية المكوناتية. بصراحة لم أجد أن الإسلاميين العراقيين قد طوروا نظريتهم الشرعية السياسية. ولعلنا نستطيع أن نتعرف من خلال أسماء بعض الأحزاب الإسلامية على خلفيتها الإيديولوجية، مما له علاقة بموضوعة الديمقراطية. فاسم (الدعوة الإسلامية) الذي تتسمى به حاليا أربعة أحزاب إسلامية في العراق، أبرزها (حزب الدعوة الإسلامية) و(حزب الدعوة الإسلامية تنظيم العراق). (الدعوة) مصطلح ديني إسلامي، يشبه مصطلح (التبشير) عند المسيحيين، والبعض من دعاة الإسلام سواء المسيسين أي من يصطلح عليهم بالإسلاميين أو غير المسيسين يستخدم أيضا مصطلح (التبليغ). ولو إن هذا المصطلح شاع خطأ من خلال استخدام الإيرانيين له، وأيضا جاء استخدامه في الوسط الشيعي تجنبا لاستخدام مصطلحات (الدعوة) و(الداعية) و(الدعاة) التي غدت من المصطلحات الحزبية لحزب الدعوة الإسلامية والأحزاب التي انشقت أو تفرعت عنه، بينما يستخدمها دعاة الإسلام السنة كمصطلح عام. عدم دقة مصطلح (التبليغ) يكم في كون (التبليغ) حسب الاستعمال الإسلامي متوجه إلى غير المسلمين، بينما يستخدم لما يمارس في الوسط الداخلي بين صفوف المسلمين مصطلح (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). أما مصطلح (الدعوة) فهو وإن كان في الأصل مستخدم للخطاب الموجه لغير المسلمين في دعوتهم إلى الإسلام، إلا أن بالإمكان أن يستخدم بما يشمل غير المسلمين والمسلمين على حد سواء. فمصطلح (الدعوة) الذي اتخذه حزب الدعوة باختيار من أحد أبرز مؤسسيه المفكر محمد باقر الصدر، يعني توجيه مهمة (الدعوة) ضمن عملية التغيير الإسلامية التي اعتمدها الحزب كهدف أساس، إلى عدة شرائح. فهو يعني دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، ودعوة المسلمين غير المتدينين إلى التدين والالتزام الديني، ودعوة المتدينين غير المتسيسين (أي غير الإسلاميين) إلى الإسلام السياسي، ودعوة المؤمنين بالإسلام السياسي إلى الانضمام إلى حزب الدعوة الإسلامية، ولعله أيضا دعوة غير الشيعة إلى التشيع، مع إن الإسلاميين العراقيين لا يمارسون هذه الممارسة حاليا، تجنبا لإثارة النعرات الطائفية. وأترك التطرق إلى أسماء بقية الأحزاب الإسلامية. لكن لا بد من ذكر حقيقة أخرى تبين مدى إيمان والتزام الإسلاميين بالديمقراطية ومبادئها وضوابطها وجميع لوازمها. وأعني أن لمعظم الأحزاب الإسلامية ثمة مرجعية دينسياسية، او لبعضها ثمة رمز من علماء الإسلام لاسيما المتسيسين منهم. فهناك مرجعية السيستاني ومرجعية الحائري ومرجعية اليعقوبي، كمرجعيات سياسية ملزمة لعدد من الأحزاب الإسلامية العراقية، كما هناك رمزية الصدر الأول والصدر الثاني. وبعض هذه المرجعيات والرموز من يؤمن نظريا أي فقهيا بولاية الفقيه، الخاصة منها (أي ولايته على الحزب)، أو العامة، الموحدة (على كل العالم الإسلامي أو لا أقل الشيعي)، أو المتعددة (بتعدد البلدان الإسلامية)، الموسعة منها أو المضيقة، ومنهم من لم يعرف عنه قوله بولاية الفقيه، لكنه عمليا يمارس ولايته السياسية بشكل أو بآخر. وهذا كله يتعارض كما هو معلوم مع لوازم النظام الديمقراطي ومستلزمات الدولة المدنية الدستورية البرلمانية. نعم أقول إن من الإسلاميين العراقيين أو معظمهم من أسلم عمليا للديمقراطية، وفرق بين من آمن بها، وبين من أسلم لها ولمّا تؤمن بها قلوبهم وتقتنع بها عقولهم. وهنا أحب استعارة نص قرآني يحدثنا عن مدى إيمان من نعتهم بـ(الأعراب) بدعوة الإسلام، إذ جاء في سورة الحجرات، الآية 14 (قالت الأعرابُ آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولمّا يدخل الإيمانُ في قلوبكم، وإن تطيعوا اللهَ ورسوله، لا يلِتكم من أعمالكم شيئا؛ إنَّ اللهَ غفورٌ رحيم). على هذا الغرار يمكن القول (قال الإسلاميون آمنا بالديمقراطية، قولوا لم تؤمنوا بها، ولكن قولوا أسلمنا لها، ولما يدخل الإيمان بها في قلوبكم، وإن تلتزموا عمليا وبصدق بكل لوازمها، فهو المطلوب، ولا أحد يتدخل في مبانيكم الفكرية التي لا يكون لها أثر عملي يؤثر على مسار العملية الديمقراطية). كتبت هذه المقالة بعد الفراغ من العملية الانتخابية، وأنا لا أعلم لحد الآن ما إذا سأكون من الفائزين في الانتخابات أو لا، كما إني لم أطرحها قبل إجراء الانتخابات، كي لا يفهم منها أنها كتبت على سبيل التسقيط السياسي، الذي أرأب بنفسي عن مزاولته، بل هي مقالة تتحرك في إطار التوعية السياسية، وإطلاع المواطن العراقي على حقيقة المباني الفكرية (الفقهية) لأطراف سياسية يمثل المبنى الفقهي أحد أهم ركائز فكرها السياسي، والتي ستبقى تلعب دورا أساسيا في الحياة السياسية، لا أقل للسنوات الأربع القادمة، أي لغاية انتخابات 2014، مع وجود مبنى فقهي يقر الديمقراطية بكل لوازمها العلمانية، لكن لا يتبناه إلا 1% من الإسلاميين، كما ولأعرّف القراء عبر هذه المقالة لماذا يرى مثلي مشكلة في التحالف انتخابيا أو برلمانيا أو حكوميا مع القوى الإسلامية، مع احترامنا لمن يعتمد منهم حقا الأسس الوطنية والعقلانية والإنسانية وينبذ الطائفية، ويلتزم بالحد الأدنى المطلوب بلوازم الديمقراطية والدولة المدنية.
|