قمرية انتخابية

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
16/03/2010 06:00 AM
GMT



بعد يوم واحد فقط من الانتخابات اختفت الدعايات الانتخابية من شوارع وجدران واعمدة الكهرباء في منطقتنا السكنية. اختفت بشكل حاسم ونهائي، وشعرت بالفخر لدقة وسرعة عمل كوادر امانة بغداد، هذا الاحساس رافقني حتى اخبرني احد الجيران بأنه نقل، بعد انتهاء الانتخابات وفي الليل، مع اثنين من اولاده البوسترات الدعائية الكبيرة لأحد المرشحين والمصنوعة من الفلكس، نقلها هذا الجار الى بيته لتعزيز (القمرية) التي تهرأت ولم تعد تحجب اشعة الشمس الحامية عن مداخل الغرف في البيت.
كان الجار سعيداً، فهذا الفلكس مصنوع من مادة قوية تقاوم الظروف المناخية، وهو مناسب تماماً للقمرية. وبعد وضعها ظل وجه المرشح المتحمس يطل عليه من بين ثقوب القمرية القديمة. جزء من ابتسامة المرشح الكبيرة وعين جاحظة تبرز من الثقوب كلما نظر الجار الى الاعلى للتأكد من جودة عمل القمرية.
وحين سألته عن انواع المرشحين الذين حملهم الى بيته، أكد لي بأن كل البوسترات التي “ حوسمها “هي لمرشح واحد، وهو الآن حاضر في بيته أينما توجه. على الرغم من انه، في يوم الاقتراع العام، اعطى صوته لمرشح آخر، وكان بوده لو احتفظ كتذكار بصورة او بوستر لمرشحه الاثير، ولكن على ما يبدو، هناك معجبون آخرون سبقوا جاري العزيز الى بوسترات هذا المرشح ونزعوها قبل ان يصبح عليها الصبح.
لم يخف جاري، وهو يتفيأ بظل القمرية “ الانتخابية” مشاعر الألم التي تعتصر قلبه على هذه الاموال التي أهدرت من اجل “ عرس” يوم واحد. ملايين الدولارات من اجل يوم واحد.
ـ هذه الملايين ساعدت في تحفيزك على الانتخاب ودلتك على المرشح المناسب لك.
قلت لجاري موضحاً قيمة الدعايات الانتخابية، ولكنه رد عليَّ سريعاً، بانه (قافل) على مرشحه منذ سنوات، حتى لو لم يعمل دعايات انتخابية فهو سيذهب اليه ويصوت له.
ـ حرامات هاي الملايين... لو موزعيها على المواطنين مو احسن؟
تساءل جاري العزيز متحسراً، وشعرت بأن حوارنا يفتقر للغة مشتركة، فاردت مشاكسته قائلاً:
ـ ربما لو وزعوا هذه النقود على المواطنين، لن تحظى حينها بهذه القمرية الممتازة؟
نظر إليّ الجار باستخفاف وقال واثقاً:
ـ لو وزعوا فلوس على المواطنين وما سووا دعاية.. اشتري جادر واسوي قمرية... هي هاي الصعبة عندك؟
في النهاية خامرني احساس، وانا ألقي نظرة اخيرة على ملامح المرشح (القمري) بأنه محظوظ ايضاً، حتى لو لم يفز بمقعد في البرلمان القادم. لقد حظي، رغم كل شيء، بشكر وامتنان غير متوقع، لخدمة غير متوقعة. وهذا مصير لم يحالف الكثير من الدعايات الانتخابية التي مازالت موزعة على شوارع بغداد، ومازال المواطن غير متحمس لـ “حوسمتها” واعادة استخدامها، ومازالت الأمانة وكوادرها تتكاسل في رفعها.