مارس -آذار- 2010: هل هو هزيمة انتخابية أخرى للشعب العراقي؟ |
المقاله تحت باب قضايا نقاش :
وصف المعلقون والمراقبون الانتخابات المقرر إجراؤها في 7 اذار/ مارس 2010 باللحظة التاريخية الحاسمة. فمن المفترض أن تكون اهذه الانتخابات هي الأولى من نوعها التي تنظم على المستوى الوطني والتي تشهد منافسة حقيقية بين الكتل والاحزاب السياسية، ومن المتوقع ان تمثّل لحظة طلاق مع الفترة السابقة التي هيمنت فيها الاحزاب الدينية على الحياة السياسية في ظل الرعاية الاميركية للعملية السياسية.
وأيّا كانت الأسس الموضوعية لهذا التحليل، يبقى سؤال هام جدا لا بد من الاجابة عليه: هل ستتمكن الانتخابات المقبلة من تحقيق أي تغيير حقيقي في حياة الشعب العراقي؟ بالنظر الى الطريقة التي تدار فيها الحملة الانتخابية للأحزاب المتنافسة، والنحو الذي تناقش فيه القضايا ذات الاهمية القصوى بالنسبة للشعب العراقي، ونوعية المرشحين أنفسهم للانتخابات، يبدو ان الجواب على التساؤل المطروح سيؤكد ان العراق سيهزم هزيمة نكراء في جهودة الرامية إلى أحداث تغيير حقيقي. انتخابات في غياب حوار حقيقي على الرغم من أن العراق أصبح يعج بالعشرات من قنوات البث، والتي ظهرت بمعظمها بعد وقت قصير من سقوط النظام القديم في عام 2003، إلا أن شيئا واحدا لم يتغير في العراق، الا وهو أن التلفزيون العراقي بقي خاليا من أي مضمون كما كان كان عليه الحال في عهد صدام حسين. وعلى الرغم من أن كثرة اعداد القنوات قد يكون له اثر كبير على حياة العراقيين، الا ان معظم هذه القنوات ما زالت مملوكة من قبل الأحزاب السياسية والتي لا تعمل الا على اسماع صوتها ورأيها ولا تتوجه بخطابها الا الى المتعاطفين معها ومع نظرتها للقضايا المطروحة. وما زال الحوار بين المرشحين الذين ينتمون الى تيارات مختلفة غائب تماما وما زالت الافكارغير التقليدية لا تجد طريقها الى صناع القرار ولا تجد منافذ للتعبير عنها. وقد اظهرت جميع النقاشات التي جرت حتى الآن حقيقة اخرى غير سارة، وهي ان الاحزاب السياسية الرئيسية، قد اختارت، وللمرة الثانية، مرشحين غير معروفين من حيث إسهاماتهم من جهة ومن حيث قدراتهم على إيصال آرائهم للجمهور العراقي من جهة اخرى. فقناة الفرات، وهي قناة مملوكة للمجلس الاسلامي الاعلى في العراق، المكون الاساسي من مكونات الائتلاف الوطني العراقي، كانت احدى القنوات التي قامت ببث مقابلات مع المرشحين المتعاطفين مع الائتلاف بشكل دوري خلال الاسابيع القليلة الماضية. وفي مقابلة جرت مؤخرا مع عبد الستار البياتي، مرشح عن الائتلاف الوطني العراقي، وصف البياتي أهداف حزبه قائلا: "أولا، سنصون الدستور، وثانيا سنسعى لجعل الحكومة والبرلمان اكثر فاعلية مما هما عليه الآن، وثالثا، سنركز على علاقاتنا مع الدول المجاورة والدول الاسلامية". وعندما سئل عما يميز برنامجه السياسي عن برامج المرشحين الآخرين أجاب: "كل التفاصيل موجودة على موقعنا". بمعنى آخر، ان ليس لديه اي فكرة وهو لا يمتلك الاجابة على هذا السؤال. في اليوم ذاته، ظهر على قناة الشرقية، وهي قناة متعاطفة مع الاحزاب العلمانية، مرشح عن قائمة وحدة العراق (بزعامة جواد البولاني). وفي وصفه لبرنامجه السياسي، قال المرشح "اننا نعمل من اجل ضمان سيادة بلدنا. نعمل من اجل سيادة الحكومة العراقية ومن اجل بقاء الكرامة العراقية عراقية عراقية عراقية". استمرت المقابلة على مدى ساعة كاملة لم يطرح خلالها المرشح اية افكار ذات جدوى. اما حيدر العبادي، وهو قيادي في ائتلاف دولة القانون الذي يرأسه رئيس الوزراء الحالي، نوري المالكي، فقد قدم ما هو اكثر بقليل خلال حوار انتخابي اجري معه مؤخرا، حين اعلم ان همه الاساسي هو اعادة التيار الكهربائي للعراق وتحسين الخدمات الاخرى. المناقشات التي استمرت على مدى ساعة لم تعط اية تفاصيل حول كيفية تأمين إمدادات الكهرباء بالرغم من الفشل سابقا في ذلك وبالرغم من العجز في الميزانية التي يعاني منه العراق حالية. خلال زيارتي الاخيرة الى بغداد في شهر يناير/ كانون ثاني الماضي، اجتمعت مع السيد جواد البولاني وهو وزير الداخلية الحالي ومرشح للانتخابات المقبلة. قال لي البولاني: "اننا نخطط لاعادة الامن وتقديم الخدمات الاساسية للشعب وحماية حقوقه الأساسية". أجبته، أن جميع الأطراف المشاركة في الانتخابات تنادي بمثل هذه الامور وأن الامر لا يعود له في قضية الحقوق الأساسية لانها حقوق قد نص عليها الدستور العراقي. وسألته عم يميز حزبه عن بقية الأحزاب الأخرى المتنافسة، تلك التي تتبنى نفس المثل العليا فقال: "ما يميزنا اننا نعني ما نقوله، اما الآخرين فهم يكذبون". هناك القليل جداً من الفروق بين برامج جميع الاحزاب السياسية الرئيسية. فجميعهم يدعي بأنه يعمل من أجل إعادة الخدمات العامة، وتحسين أداء القطاع النفطي والزراعي والصحي، الخ.. فعلى الرغم من وجود فروقات ضئيلة في التركيز على بعض العنواين دون الاخرى، الا أن معظم القوى ليس لديها اي خيار سوى التركيز على هذه الامور لا لسبب سوى الاجماع الذي تشكل لدى معظم العراقيين حول الادوار المتوقعة من الدولة ووظائفها وأين اخطأت الحكومات السابقة خلال السنوات القليلة الماضية. وبغض النظر عن النفوذ الإسلامي القوي في البلاد، أو ربما الحكم الاشتراكي الذي استمر لمدة عقود طويلة من الزمن، فلدى العراقيين توجهات اشتراكية. فبالنسبة لهم فإن التعليم الجامعي، والرعاية الصحية، وجميع الخدمات العامة الاخرى يجب أن تقدم من قبل الدولة بدون مقابل. وبالنسبة لهم ايضا فان الاطباء والمعلمين يجب ان يكونوا موطفين لدى الدولة كما يتوقعون من الدولة أيضا تكون اكبر موظف للقوى العاملة. ومع أن الاسلام هو دين الدولة، الا ان العراقيين لا يرون في ذلك سببا للتمييز بين المواطنين على اساس العرق او العقيدة او الدين. لذا فان اي سياسي عراقي لا يوافق ولا يتبنى هذه التوجهات سيجد ان هناك صعوبة كبير في الحصول على اصوات في الانتخابات التي ستجري في العراق قريبا. التنافس بين الافراد، لا السياسات هذه المبادئ هي في الحقيقة مبادئ مغروسة في الوعي الجماعي للعراقيين. فأي حزب سياسي يريد ان يخالف هذه المبادئ سيواجه تراجعا كبيرا في شعبيته في الانتخابات القادمة (انظر مثلا التراجع الذي مني به المجلس الاسلامي الاعلى بعدما طالب بتشكيل اقليم شيعي في جنوب البلاد). فالحوارات التي جرت حتى الآن كانت محصورة ليس بما يجب ان يتم عمله بعد الانتخابات، ولكن حول من سيمسك بزمام المبادرة وتلبية طلبات الشعب العراقي. هذه الحقيقة الاحادية، هي قوة الدفع وراء جميع التطورات التي جرت اثناء التنافس في هذه الانتخابات البرلمانية. وكمثال على ذلك، فإن الانشقاق الذي حدث مؤخرا داخل الإئتلاف العراقي الموحد، وهو التحالف العملاق سابقا والذي ادعى بأنه يمثل الطائفة الشيعية بأكملها في العراق لم يكن ناتج عن خلاف حول السياسات بل حدث نتيجة عداوات شخصية بحتة. اما المكونين اللذين خرجا من رماد التحالف – ائتلاف دولة القانون والائتلاف الوطني العراقي (يضم الأخير المجلس الاعلى والحركة الصدرية وبعض المكونات الأخرى ذات الوزن الأقلّ) فقد حاولا ان يقدما نفسيهما على أنهما قد تجاوزا الطائفية، بالرغم من استمرا سيطرة الأحزاب الدينية عليهما. الخلاف الحقيقي الوحيد بينهما كان يتعلق بمن سيكون رئيسا للوزراء إذا ما جاءت النتائج لصالح واحد منهما. فمن الطبيعي ان يقف ائتلاف "دولة القانون" الى جانب نوري المالكي، رئيس الوزراء الحالي، كما يدل على ذلك الاهتمام المبالغ به الذي حظي به من قبل قناة "آفاق" الفضائية التي يمتلكها حزبه، حزب الدعوة، بما في ذلك الحملة الإعلانية التي تظهره وهو يخرج من بحر من الدمار والبؤس في حركة بطيئة، وخلفه العلم العراقي وصوت الموسيقى ولحن الكمان. أما عملية اجتثثاث البعث فقد انطلقت بدوافع شخصية ايضا وأدت الى حرمان مئات المرشحين من المشاركة بالمسار الانتخابي على الرغم من عدم وجود ما يكفي من الادلة التي تدين من استبعد من المشاركة. في مقابلة متلفزة مع تلفزيون "فرات" التابعة للمجلس الأعلى، قال أحمد الجلبي، والذي كان القوة المحركة وراء مبادرة اجتثاث البعث أن "الدول العربية وغيرها من الدول قد سعت إلى إعادة تأسيس حزب البعث مما يقوض الدستور، مستفيدين من فشل الحكومة في مكافحة الفساد، وفي الحد من البطالة، وفشلها في حل أزمة الإسكان، وتوزيع الحصص الغذائية على الشعب العراقي". وكان دافع الجلبي وزملائه من وراء هذه الخطوة زيادة فرصه الانتخابية من خلال اشعال فتيل التوتر الاجتماعي، ومنع الناخبين من معاقبة النخبة الحاكمة الحالية من خلال القضاء على أي بدائل محتملة قد تسفر عنها العملية السياسية. وقد أدى التركيز على الاشخاص الى نتيجة حتمية تمثلت بسلسلة من الهجمات المليئة بالمغالطات. وعلى الرغم من ذلك، ولأن جميع المرشحين الرئيسيين هم في الواقع جزء من النخبة الحاكمة الحالية، تعرض معظمهم لهجمات مضادة قوية، مما يفسر سعى العديد منهم الى إلى تصوير أنفسهم وكأنهم أعضاء في "المعارضة"، بغض النظر عن كونهم او عدم كونهم جزء من الحكومة الحالية. وفي قناة "فرات" اقدم مؤخرا مقدم برامج، بشكل مونولوجي، على الهجوم على إياد جمال الدين، العضو في البرلمان العراقي والذي يرأس حزب الأحرار. وكان جمال الذين قد قاد حملات ضد الفساد في اجهزة الدولة العراقية. وفي تساؤل اثاره مقدم البرامج قال: "كيف يمكن لشخص مثل اياد جمال الدين ان يحصل على النقود الكافية كي يضع اعلانا على شاشة تلفزيون عربي كل خمسة دقائق؟". وأضاف: "سوف يفهم العراقيون انه قد حصل على تمويل من دول غربية وانه سيرد الجميل لهذه الدول في حال انتخابه عضوا في البرلمان." يبدو أن مقدم البرامج لم يكن على علم بأن الكثير من الناس قد تساءلت، من أين اتى المجلس الاعلى، الذي وظف هذا المقدم، بالاموال اللازمة لتشغيل قناة تلفزيونية كاملة ولتمويل اعلاناته على شاشات الاقنية الاخرى؟! الأغلبية الصامتة ليست ممثلة والحقيقة تشير إلى أن من الممكن للعديد من السياسيين العراقيين أن يصبحوا أهدافا سهلة. فائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي، قد سعى إلى الاستفادة من التحسن الحاصل في الوضع الامني، لكن العراقييون يتذكرون جيدا ان الصراع الداخلي قد خرج عن السيطرة بشكل تام خلال فترة حكم المالكي، وبأن حكومته هي التي حمت كبار المسؤولين المتهمين بالفساد. لقد حاول جواد البولاني، وزير الداخلية الحالي ايضا الاستفادة من المكاسب الأمنية التي تحققت، ولكن الوثائق الرسمية تشير بوضوح إلى أن وزارته هي من بين أكثر الوزارات فساداً في الحكومة الحالية. سيبقى الائتلاف الوطني العراقي الذي يقوده المجلس الاعلى الى الابد ملطخ السمعة، كونه قد تأسس في طهران في عام 1982 باشراف العين الساهرة للحرس الثوري الإيراني، وأنه، ومنذ عام 2003 كان الحزب الوحيد الذي دعى علنا الى تأسيس بنية حكم طائفي في العراق. ويهاجم الائتلاف الوطني المالكي لسماحه بالفساد الذي ادى الى تدمير العراق، وكأن الائتلاف نفسه لم يكن قد هيمن على وزارة المالية وغيرها من الوزارات السيادية. في هذا الصدد، شنت قناة "الشرقية" هجوما عنيفا على حكم رجال الدين محذرة العراقيين من مغبة التصويت "لاصحاب العمامات والجهل" وذكرت مشاهديها بكذبهم وسرقاتهم مع بث صور لرجال الدين كخلفية لما يقال. ويبدو ان قناة "الشرقية" قد نسيت كيف هرب العديد من الوزراء بعد أن حصلوا على المليارات من الدولارات من اموال الحكومة عندما كان العلماني اياد علاوي، في السلطة. من جهتها قالت قناة "آفاق" ان حكومة نوري المالكي غير قادرة على استئصال الفساد بسبب التنافس مع الآخرين متناسية ان المالكي قد قطع شوطا في محاولة حماية صديقه وعضو حزبه فلاح السوداني ، وهو وزير التجار السابق والذي اتهم بكم هائل من تهم الفساد وسوء الإدارة. لكن الشعب العراقي يتعلم دروسه بسرعة وخداعه ليس بالامر السهل. بكلمات قليلة يلخّص شاب اجرت معه قناة "السومرية" مقابلة الوضع قائلا: "رأيت اعلانا لمرشح في احد الايام وكان شعاره: العمل الجدي سيبدأ منذ اليوم، منذ عام 2003 وحتى الآن تقلد هذا الوزير مناصب حكومية عدة. ماذا كان يفعل طيلة هذه السنين؟"، تساءل الشاب. سيواجه العراقيون خيارات صعبة في 7 آذار/ مارس المقبل. وفيما هم يبحثون عن الديمقراطية والمرشح النزيه والقادر والذي يشاركهم قيم العدالة الاجتماعية، فانهم قد يدركون ان الهزيمة هي حليفهم. ولكن من المحتمل أيضا ان تحدث المعجزة. ومن الممكن ان تؤدي مفاوضات ما بعد الانتخابات الى تشكيل حكومة قد ينبثق عنها عن غير قصد رجل ديموقراطي حقيقي وقادر على الولوج الى مكتب رئيس الوزراء الحالي. لكن المعجزات، بتعريف الكلمة، امور غير محسوبة، وقد لا يكون الحظ حليفا للعديد من العراقيون الذين حلموا بالتغيير طوال السنوات السابقة. |