انتفاضة حب في الموصل.. هابّي فالانتاين! |
المقاله تحت باب منتخبات نقاش :
لا أحد توقع ابداً، أن يحمل أحمد، لافتة بطول مترين ونصف مكتوب عليها وبخط عريض "أنا مجنون فيك" (الصورة)، ثم يتسلق ثلاثين متراً هو برج الماء الرئيسي داخل كلية التربية حيث تدرس حبيبته، ويضع اللافتة في أعلى نقطة منه، معلناً عن قصة حبه للعالم بأسره.
واحدة من أندر مواقف التعبير عن الحب في مدينة الموصل، تعامل معها أحمد الطالب في المرحلة الرابعة من كلية الادارة والاقتصاد، على انها ليس رسالة للحبيبة فقط، بل "انتفاضة حب ضد تحفظ المدينة إلى درجة التشدد"، مؤكداً أنه يتحمل عواقب ما أقدم عليه "سواءً من الجامعة التي كانت مسرحاً للقصة أو المجتمع الذي أنا جزء منه". ظلّت لافته أحمد معلقة في البرج داخل الحرم الجامعي، وراح ينتظر طيلة أيام امتحانات نصف السنة، نتائج مغامرته، وسط تعاطف كبير من قبل الطلاب في مختلف الكليات، ومخاوف من إقبال رئاسة الجامعة على فصله. أستاذ في كلية الآداب، قسم اللغة الانكليزية، طلب عدم ذكر اسمه، لم يستبعد ان تقدم رئاسة الجامعة على فصل أحمد بعد انتهاء إجازة منتصف العام "خصوصاً اذا فسر الأمر على انه تجاوز على حرم الجامعة، او إساءة الى سمعة الفتاة". وأضاف الأستاذ قائلا "التشدد الديني والأعراف الاجتماعية في مدينة الموصل، أصابت الكثير من الشباب بالكبت والغضب، فالإعلان عن علاقة حب في هذه المدينة بات يشبه الاعتراف بارتكاب جريمة قتل". ولا يسع كلا الجنسين في الموصل، ومحافظات عراقية أخرى، التعامل بحرية مع عواطفهم، فهناك رقابة اسرية واجتماعية ومؤسساتية، ومجرد ظهور الفتاة مع شاب في مكان عام، قد يتسبب بتلويث سيرتها. ويوضح الأستاذ الجامعي أن تصرف أحمد قد يبدو طبيعيا جداً في اي بلد أخر، او حتى مدينة أخرى في العراق، لكن في الموصل قد تكون نتائجه "كارثيه على الطرفين". فبمجرد أن يعرف اسم الفتاة -يقول الأستاذ- تتحول الى مادة قصصية تتداولها المجالس، وإذا وصل الأمر الى أهلها، ربما يجبرونها على ترك دراستها، وقد يتطور الأمر إلى أسوء من ذلك، بامتناع تقدم اي شخص لخطبتها مستقبلاً، وفي حالات قليلة قد تقتل الفتاة بدافع ما يسمى "غسل العار". "أحمد أراد من ثورته تلك ان يوصل رسالة الى مجتمع لايتسامح مع اختيارات ابنائه العاطفية". هكذا وصف عاصم حسن زميل أحمد ما حدث، وقال بحماس كبير "التفاصيل ليست مهمة جدا، المهم ان هناك جرأة في طرح القضية، لقد فعل شيئاً لم يسبقه اليه احد هنا". عمر حماد هلال وهو شاعر عراقي معروف، وجد بان أحمد "أعاد الاذهان الى كلاسيكيات الحب في قصص وروايات وافلام منتصف القرن الماضي" وذكر بأنه "أمر انساني جميل، للخروج بالموصل مما عاشته خارج التمدن خلال الاعوام الماضية". الباحث حميد عبد الوهاب، من مركز البحوث الاسلامية في نينوى، تحدث الى نقاش بالقول ان "الانفتاح الذي شهده العراق بعد احتلاله عام 2003، وارتباطه بالمنظومة العالمية للاتصال، ودخول الستلايت الى كل بيت، وانتشار الهواتف النقالة التي تعرض الصور واليفديو، كل هذه الامور لم تخترق العرف السائد في الموصل منذ قرون، ومازالت الكثير من حالات الزواج تتم، دون أن يلتقي طرفاه من قبل". وتجري العادة في الموصل، أن يجري أهل الخاطب، تحريات دقيقة حول الفتاة، من مدرستها او الجامعة او مكان عملها، فيسألون اقاربها وجيرانها، للتأكد من عدم وجود "موانع اخلاقية". ويمتد السؤال للتقصي عن سير ابويها واعمامها واخوالها. وكثيرا ما تعطلت مشاريع زواج، بسبب وشاية من احدهم تشير الى علاقة قديمة للفتاة بشاب يعرفه، او انه راها ذات يوم مع احدهم ولم يكن من اقربائها وهكذا، والشهادة يمكن ان تكون عينية، كما يمكن ان تكون سماعية، أن يكون قد سمع من احدهم شيئاً من ذلك القبيل. لذا فان الفتيات يتعاملن بحذر كبير مع قلوبهن، والأمهات يقمن بدور الموجه في العادة وتبدأ "ورش العمل الأخلاقية" منذ الصغر على حد تعبير الشاعر عمر حمّاد هلال. المحامي محمد يونس، أكد لنقاش بان العام 2009، سجل توثيق 14000 ألف حالة زواج في محكمة الاحوال الشخصية التابعة لمحكمة استئناف منطقة نينوى، وبالمقابل تم تسجيل 3500 حالة طلاق تقريباً، وهي نسبة مرتفعة جداً، وعدد كبير من تلك الحالات تقع بعد وقت قصير جدا من إبرام عقد الزواج، قد لايتجاوز العام الواحد. ويعتقد المحامي محمد أن السبب في ذلك "عدم وجود معرفة شخصية قبل عقد الزواج". ففترة الخطوبة عادة لا تظهر سوى مساحات صغيرة من الشخصية، فيكون الاختبار الحقيقي في الحياة الزوجية نفسها، ويحدث ان يجد الزوج أو الزوجة انها اصبحت في ورطة كبيرة، فيتم اللجوء الى القضاء بدعاوى تفريق، او يوقع الزوج الطلاق مباشرةً. الكاتب والصحفي عبد الناصر العبيدي، يعتبر الموصل "مدينةُ خاليةً من البنى التحتية للحب"، حيث لايجد المحبون اي مساحة للقاء، سواء مطاعم او متنزهات او مقاهي او مكتبات، ويحتاجون في الغالب الى جرأة كبيرة اذا ما أرادوا الخروج في موعد. "فحتى الاجهزة الامنية يمكن ان تنظر بعين الريبة الى اي اثنين يتهامسان وعلى وجهيهما نظرة خجل، بالرغم ان لا قانون يمنع ذلك، لكنه عرف درج عليه المجتمع جيلاً بعد آخر"، يضيف العبيدي. تشدد المجتمع إزاء حرية التعبير عن مشاعر الحب بين الشباب، يعد سبباً رئيسياً وراء أبشع الجرائم التي ارتكبت في نينوى خلال الأعوام الماضية. ويروى الكاتب بهزاد حسن كيف اقدم مجموع من الشباب على قتل قريبة لهم في بلدة بحزاني شمالي الموصل، بعد أن اكتشفوا علاقتها بشاب من نفس البلدة: "انهالوا عليها ضربا في الشارع، وهشموا رأسها بالحجارة على مراى من الناس". تلك الواقعة التي صورت وبثت عبر الانترنيت ووضعها الشباب في هواتفهم النقالة، أثارت الرعب والفزع بين العشاق، خصوصاً في المناطق التي تسود فيها السلطة القبلية محل القانون. لكن أحمد، لم يبدو مباليا أو خائفا من ضغوطات مماثلة قد يمارسها المجتمع عليه، وقد قال معلّقا: "لم أقم بشيء يثير العجب، كل ما هنالك أنني قلت لحبيبتي: مجنون فيك.. على طريقتي الخاصة. |