المقاله تحت باب في السياسة في
15/02/2010 06:00 AM GMT
القضية نفسها تتجد في كل بقعة يعلو فيها صوت الاسلاميين المتشددين ، حينما يتعرضون الى خلخلة او هزة عنيفة تضرب مرتكزاتهم الثابتة ، وخطابهم المنغلق الاحادي ، الذي لا يعير مكانة للعقل بل يفسح الطريق امام التلقين والعاطفة لكي تفهم الدين وتتمثله . ما حدث مثلا قبل فترة ليست بالطويلة في الكويت من منع للمفكر نصر حامد ابو زيد من زيارة رتب لها الليبراليون في ذلك البلد يدخل ضمن خطوات تدفع بنا كمسلمين وعرب الى الكهوف ، هذا اذا كنا خارج الكهوف فعلا . انها سياسة الشطب والالغاء التي تعين المنغلق والجاهل لكي لا يجادل ، ولا يدعم اراءه ووجهات نظره بصوت العقل ومنطقه في التعامل مع الحياة التي نعيشها وتعقيداتها المستمرة التي دفعت بنا كمسلمين الى الابتعاد عن العالم وتطوره ، وباتت الهوة كبيرة بين تفكيرين متضادين . الاول يمجد الانسان وطاقاته ، والاخر يعتبر الدنيا زائلة والانسان ضيف فيها ، اضافة الى جعل المقدس بعيدا عن الشبهات والبحث ، ورجالاته هم الانموذج الذي فكر واستخلص لنا الدين بصورته الحالية . ما اسهل ان يطلق المتشدد تهمته بوجه اي عقل حاول زحزحة الثوابت بما يمتلكه من ادوات البحث الحديثة ، لانه قد تعود على الاسترخاء الذهني واطمأن بعاطفته الى ما جمعه من سطور وحكايات وتفاسير واقوال . هذا المتشدد هو السيد الان في الساحة ، وتتحالف معه الانظمة السياسية وفق قاعدة تبادل الفائدة والمنفعة . كل يبقى في مكانه ويحمي مناطق نفوذه ، بينما الزمن يمر ، والعالم ينطلق بسرعة الصاروخ الى الامام ، والامة الاسلامية تتباطأ بسيرها فوق جمال التاريخ . لقد انطلق نصر حامد ابو زيد في مشغله الفكري النقدي من حرصه على الاسلام ومكانته عبر تشخيصه لابرز المعطلات التي تقيدنا كمسلمين في الالتحاق بركب الحضارة ، عبر دراسة التراث الاسلامي ، وتفكيكه ، ومن ثم اعادة تدوينه من جديد وفق صوت العقل ومنطق العلوم الانسانية . فلا مكان للاساطير والتفاسير والاحاديث التي كتبت سواء بمنطقها الاني او بجهل من كاتبها القديم او بضغط من سلطة سياسية في ذلك الزمان ارادت احتكار الحقيقة لنفسها . الحياة تتطلب التجديد ، والعقل لا يتوقف في عصر دون اخر . ان نصر حامد ابو زيد هو صوت من الاصوات القليلة في عصرنا الاسلامي الراهن ، وهو ضمن قافلة امثال محمد اركون وسيد القمني وغيرهما الذين يسعون الى القاء حجر في الماء الراكد ، ولكنهم واجهوا الجدار نفسه المشيد منذ قرون ، وبقيت افكارهم تناقش في جلسات الطبقات المثقفة والليبرالية دون ان تنزل الى الشارع ، وتصافح اذهان الناس البسطاء المحكومين بعاطفة رجال الدين وسطوتهم المتمثلة بالتذكير دائما بعذاب الله وجحيمه لكل من يعارض الاسلام ، والحقيقة انهم يخشون من تلك الافكار لانها تعارضهم فقط ، والاسلام هو الصورة التي يسعى المتنورون الى اظهارها للناس وللعالم الغربي بتنظيفها من الادران التي علقت بها ، وحقا انها مفارقة ان يعارض من يريد ان يبقى البناء الذي شاهده منذ ان ولد على حاله ، واخر يريد اعادة ترميمه لان الزمن قد فعل فعلته بذلك البناء . هذه المفارقة لا نريد ان يستغلها البعض ويلصقها بالاسلام النقي الحقيقي الذي ولد قبل الف واربعمائة سنة وسيبقى كما هو في اذهان من يعرفه بصورته الجلية . اسلام قائم على الاخلاق والتعددية وسماع وجهة نظر الاخر واحترام الانسان كقيمة عليا وتمجيد العقل وطاقاته في سبيل الوصول الى حياة كريمة تليق بالمسلم . رجع نصر حامد ابو زيد بالطائرة نفسها التي اقلته ، لان وجوده بالكويت سيكون بلا حماية وعلى مسؤوليته الشخصية بعدما تواطأ السياسي مع الاسلامي المتشد ، وانتج انغلاقا هو سبب بلائنا وتاخرنا ، ولكننا نجد ان ثورة نقدية ستنطلق حتما ، لان الزمن لا يفضل الجمود ، وان الخطاب الديني برمته سيتعرض الى انارة كاشفة ، ساطعة ، تتوارى عندها كل ذهنية ببغائية ، كسولة ، الى متاحف التاريخ !
التاريخ مرة اخرى
يشكل التاريخ والماضي مرجلا مهما لبعض الجماعات والكتل سواء كانت دينية او سياسية لتحقيق ما تطمح اليه في حاضر يستند بالاساس الى كل ماهو عقلاني وحداثي ، فالتماس هنا او العلاقة قائمة على الانتفاع والانتهازية للوصول الى مكاسب دنيوية ، كأن تبقى تلك الجماعات هي القيمة على الرموز التاريخية والمتحدثة بلسانها في عالم اليوم ، وبالتالي ستنسكب قداسة تلك الرموز الى شخصيات الالفية الثالثة وتصبح بمخيلة الانسان البسيط ذات هيبة وسطوة ، وما تقوله في اي شأن هو الحق ومن يستعدي هذه الشخصيات التي تعيش بيننا هو الكافر وعدو الاسلام او الطائفة . يعني اننا امام وجهين كلاهما يسحبانا الى الوراء ، وجه يحمل عقلا مقفلا " غير مستعمل " وبعاطفة شديدة الفعالية لجذب اي حدث او مقولة في التاريخ ما دامت تنفع الطائفة في بناء حقيقتها المطلقة " المقدسة " والاشتغال عليها ضمن خطاب يستهدف كل المخالفين . لان تاريخنا الاسلامي قد تحدد ومنذ الدولة الاموية الى منطقتين لا ثالث لهما ، واحدة للسلطة وكتابها ، والثانية للمعارضة وكتابها ، وما بين المنطقتين تكمن الانفعالات والاحقاد والهوامش الاخرى التي لا يمكن الاستناد اليها في سنوات الالفية الثالثة حتما . اما الوجه الاخر فذلك غير معني بالدين قدر تعلقه بما سيكسب عبره من نفوذ وسلطة سياسية ، تعينه على تحقيق كل ما خطط له ، ومصائب الناس هي السلعة التي يتاجر بها ، فيكون الاسلام هو الكفيل بحل هذه المعضلات حسب منطق المنتفع ، عبر وصوله الى قمة الهرم ، وبالتالي يضع صورة الدين المتمثلة بالعمامة في موقف حرج ... ان اعادة كتابة تاريخنا يحتاج الى بنية متكاملة من الجهود تبدأ من السياسي حيث يوفر الغطاء او الجدار العازل لصد انفعالات المتشددين والانغلاقيين ، مرورا بالاقتصادي الذي يزود الناس بما يحتاجونه من حياة كريمة وبناء حالة الاسترخاء الكامل لديهم، وصولا الى الفكري عبر مراكز دراسات تضع التراث كمادة للنقد والبحث ، اضافة الى وجود رجال دين يؤمنون بغاية تخليص الحاضر والمستقبل من قيود الماضي ودوافعه التي شكلت لبناته ، فعندها يمكننا الاقتراب ، والشروع بامكانية اظهار صورة الاسلام النقي ، دين محمد الذي لا يستعدي الاخر ، وهاجسه الاول هو الانسان وليس النصوص ، وتكون الاخلاق هي القيمة العليا التي يجب اتباعها لانها تزود البشر بقيمة تجعل الحياة ممكنة ، ومستمرة ، وهي المعيار الاساس لارساء الاخوة بين البشر . اما الاعتقاد ودرجة الايمان فهي مسائل تخص علاقة الانسان مع ربه ، والنصيحة يجب ان تكون ذاتية خالصة وليس بازاحة معتقد اخر وتشويه صورته ، فالتاريخ يجمع فاكهة الجميع في سلة واحدة ، والبحث والنقد هما اللذان سيزيلا المدونات التي لا يقبلها العقل ، وتلك حركة فكرية ننتظرها ان تثور في العالم الاسلامي ، لنصل بالتالي الى انسان لا يعاني التمزقات النفسية ، والازمات اليومية الخدمية ، وتخرج بلادنا من عصر الديكتاتوريات الكبيرة المتمثلة بشخص واحد ، او دكتاتوريات صغيرة موزعة على اشخاص في بلدان تسعى ان تكون ديمقراطية ، الى عصر يحكمه العقل والقانون وحب الاخر !
|