المقاله تحت باب منتخبات في
17/11/2009 06:00 AM GMT
عن مجموعة من المؤلفين (كما جاء على الغلاف) كتاب: «بكاء الطاهرة» رسائل قرّة العين، التقديم ليوسف أفنان ثابت، وصادر عن «دار المدى». قرّة العين من الأركان الاساسية في حركة الباب الشيرازي، والسبب المباشر والاساس لقضية حرية المرأة في الشرق الإسلامي. فمنذ تعرفها على فكر الشيخ أحمد الإحسائي مصادفة في قزوين في بيت أقربائها، اتضح أمامها الطريق الذي ستسلكه لخوض حياة قدّر لها ان تكون الاعقد، والأكثر جرأة وخطورة بالنسبة لامرأة عاشت حياة اجتماعية ودينية صارمة في القرن التاسع عشر. امرأة خرجت من الحاضنة الشيعية الإيرانية للخلاص المهدوي. قرة العين موضوع «بكاء الطاهرة» شخصية دينية ملتبسة بحق على ما جاء في توطئة الطبعة، حكم عليها بالموت في طهران عام 1852 بعد سلسلة من المحن والمحاججات والمواجهات الدينية، والسبب الذي خلفته المصادر المؤيدة والمناوئة، سبب لا يمكن تجاوزه، تركز في فكرة الخروج عن الشريعة، عبر تأويل مقولة خروج صاحب الزمان في الوقت الذي بقيت فيه قرّة العين بالنسبة لأتباع الباب وبهاء الله، بطلة معاصرة، وداعية من دعاة التحرر والتمرد على التقاليد، والحض على تحرير المرأة. وهي لا تزال ماثلة في أذهان بعض الفرق الدينية الهامشية رمزاً من رموز الحداثة الدينية حيناً، ومثالاً رائعا للمهووسين بفكرة الخلاص الدنيوي حينا آخر، وفي ظروف اخرى كمتحللة ملأت خيال رجالات الشرق من الذين لم يألفوا أن يرتفع صوت الأنثى، بخاصة في المحافل الدينية. كتاب إشكالي عن قرّة العين التي سماها بهاء الله بالطاهرة وفيه ثبت لأخبار رحلاتها ومراحل دعوتها لحركة الباب في كربلاء والكاظمية وكرمنشاه وطهران، ما خلّف صورة واضحة لنموذج المرأة المبشرة، تلك الشاعرة الداعية الى الخلاص من إرث الديانات السابقة، التي ناوأت المؤمنين بدعوتها الى أزمة روحية، فهي التي صرخت بأعلى صوتها في مؤتمر «بدشت» وقد كشفت عن وجهها وتزيّنت: إني أنا الكلمة التي ينطق بها القائم والتي يفر منها نقباء الأرض ونجباؤها. ما دفع مجموعة مؤلفي «قرّة العين» لعرض حياتها في كتاب، هو تمكنهم من جمع بعض نصوصها التي جاءت على شكل رسائل لها مناسبات مباشرة من جهة، كما تقدم من جهة اخرى، صورة عن طروحاتها التي وفرت جانبا فكريا وتاريخيا معا. نصوص مرّت من تحت يد المستشرق ادوارد جي براون، وكليمانت، وعلي الوردي، وعبد الرزاق الحسيني، ونقبائي، وسواهم. ونصوص صادرة من امرأة نشأت وتربت تربية دينية تقليدية في قزوين، أي تربية ذات طابع ذكوري بحكم بيئتها، كشفت فيها قرّة العين عن روح مشتاقة للمعرفة، ووفاء نادر في البحث عن الحقيقة والحرث في المناطق البكر في التفكير الديني، وهوس كبير بكل ما هو جديد ومستحدث، كرّست له امرأة عقلها وقلبها وضميرها في توقها الى الخلاص الالهي، قاطعة على نفسها عهداً بإنقاذ المرأة الشرقية. نزع الحجاب مجرد التفكير بنزع الحجاب في القرن التاسع عشر في إيران، ضرب من ضروب الخيال، وهو ما فعلته قرّة العين بهدوء وقصدية، متبنية موقفا عبّر عن طموحاتها بدور المبشر. جرأة وذكاء مفرطان، وجمال ولغة وأسلوب تفكير، صفات تضعنا أمام أنثى حالمة بتغيير وجه الشرق. ظروف تعليمها المبكر في قزوين واطلاعها المفرط على الأدبيات الشيعية، وميلها الى فكر الشيخ الإحسائي، أدت الى اندماجها في ظلال تفاصيل الظهور المهدوي (كما جاء في الكتاب) لها عيش تلك التجربة، وإعادة إنتاجها، متحدية السلطة الدينية في مدينة مثل كربلاء، متمردة على الشعائر، محاججة لدرجة تكفيرها بالخروج عن الدين، التهمة التي بقيت تلاحقها حتى آخر لحظات حياتها، فضلاً عن تعرضها لأزمات نفسية شديدة العنف للعبور الى عالم معاصر، حتى لو كانت التضحية أكثر من الفكرة ذاتها. في رسالتها التي وجهتها الى الشيعة بعد خروجها من كربلاء نقتطف الآتي تحت عنوان: «خطاب التبليغ والتفهيم». «اللهم أنت الشاهد على أني توجهت الى جنابك، وأقبلت بكلي إليك لا حاجة لي في غيرك، وأنت تعلم حالي، وتسمع مقالي لا خوفي إلا فيك، ولا رجائي إلا بك، وقد كنت بعزتك عمن سوى قدرتك معرضاً وغنياً. اسمعوا ندائي يا معشر الشيعة، واعرفوا أني ما خرجت من الأرض المقدسة إلا لأجل الدعاء في أمر دينكم، وتوضيح أمر الله الواضح المشرق في وسط السماء، وهذا من نعم الله عليكم لو كنتم تشكرون، واعلموا أن الذين أنكروا الحق وتشبثوا بالباطل، واتبعوا أهواءكم أهون عندي من جناح بعوضة ميتة، وخيالاتهم المنسوجة أوهن من نسيج العنكبوت...». الكتاب دراسة حياة ومواقف وتكشفات عقل «قرّة العين» وعواطفها وذوبانها في فكرة النهاية، بمعزل عن رؤية ما فوق شخصية، لان ذكرى «قرّة العين» لم تنته بإعدامها في طهران، وحتى لا نتوهم خلوداً من أي نوع، سوى ذلك النوع الذي تقدرّه ذوات إنسانية في مواجهة الاندثار الذي يتركه التاريخ على العقل البشري، فيجعله في ملامسة حقيقة العجز عن فهم غيابنا عن الحياة إزاء الافكار المخلصة بغض النظر عن طبيعتها دينية كانت أم دنيوية.
|