تجاوز |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات لم أجد ما يمكنني أن أبرره لفعلتي عندما استللت الكتاب، وسط كل ما يتكرر على الشاشات وعلى مسمع من الواقع. ربما احتجت لأن أرى أين نقف جميعا الان! وأتخيل وجه امرأة عابرة لكن لطالما شاغلتني اللغة عن باقي ما يهدف إليه الكتاب؛ هل أعاند نفسي؟ مستعارٌ مهملٌ منذ سنين، يمدّ عنوانه، مثل طفل يرفع يديه إليّ متوسلا. أتخيل أخرى من النسويات تترصد إشاراتي الكتاب الذي بين يدي يصير جلدَ دجاجةٍ منزوع لم يدر بخلدي الشك للحظة وأنا أتأمل جانب وجهه عن قرب بأنه هو الذي عمل في مصلحة الآثار وعشق ويعشق رامة، يكسّر ضلوعَها- لا يتذكر الشيخ العجوز الان بأن سيدة ما كانت تجلس إلى جانبه، بإمكانها ان تقسم أنها لم تكن معنية بالرجال ذاك المساء لأسباب تغيب الآن عن ذاكرتها، قطعا ليس لأنها كانت منصرفة بكليتها إليه، منشغلة به، بتفرس وجهه، تلف خطوط موضته، ذقنه، أذنه عروق رقبته وإلى تشعبات عروق يده؛ الكتاب أقوى حضورا ألف مرة تنهض وتتركه ميتا على كرسيه محتقنة متشفية لن يتذكر بأنه بالتفاتة مال برأسه جهتها واستفرغ تبرمه وملله من برنامج السهرة. ينظر إلى ساعته التي رفع حافة كمّ قميصه قليلا عنها كسرَ عندي باب اللياقة والأدب – شأنه ربما، في كتابه على الأقل- ما شجعني على أن أنهض لأغادر الجمع الذي تجمعه الكلمة. شاركته رأيه. فلتت ضحكتي حينها عاليا وتملكني الحرج وسطهم فأصلحت من هيأتي. للحق، كان عدا عن ذلك ضجراً لان الكلام والتدخين ممنوعان في أمسية أقيمت للإحتفاء به بأجواء شبه رسمية! أحاول أن أتعقبها، رامة، الجدة ذات الصدر الكاعب، بخصر الزنبور والبطن الضامر ولعبة من فرو تتدلى من إحدى قوائم سرير نومها العريض! ويحك أيها الشيخ الفتي ملك المخيلة، باذرها، زارعها في أراض قاحلة ناشفة لزمن لا ينفك يعود عصورا إلى الوراء وما زال يفرز كلسه، ولا يتطهر من لوثه. فجاً متصدعاً لن تلينه ينابيع العالم أو ترطبه الشلالات. يا إلهي- لا شيء غير مدان على وجه هذه البقعة من الأرض، لا شيء! يا رامة، مجّدي هذا الذي يحتفي بشبابك الأزلي ومازال- أظن- حضورك في مخيلته قادر على أن يشعل الحرائق فيه فيزيِّن لنا الأشياء وإن كان تمجيدا للكلام. لم يضللني الكتاب يوما عن كذب ما ندعي ورياء ما ندمن عليه. زيف ولا شيء غير الصمت الرضي مع كل شيء وليس ضده - هنا ليس الفعل وحده الذي يغيب بل حتى الكلمة التي قد نتفق على إنها مجرد كلمة. واقفة في محطة مظلمة صغيرة وقطار يمر سريعا تسبقه العبارة " قطار عابر". لماذا أظل أعود إلى الوراء رغما عني، إلى كتاب، إلى خاطرة، إلى رجل، إلى وطن! - "" لا حباً، بل لأني سأعود إليه يوما أصلح هيأته، وحينما أتجاوز أفق الحاضر أكون قد حنّطت سلالة من الأخطاء التي سأعود لها يوما، أصلح هيأتها…."" خلفي الجمع تركسه أطنان من الزهو بفصاحة فيجلس مفتوح الساقين. أذكر اني همست في أذنه، لست على يقين، ولكنهم جميعا قد فقدوا حاسة السمع. كوبنهاجن
[1] من نص خاتمة في مجموعة الكاتب العراقي حميد العقابي القصصية تحمل عنوان " أصغي إلى رمادي"
دار الينابيع 2002 |