الشاعر غريب اسكندر: الشعر هو قضيتي الشخصية الأولى |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات مابين الغربة والوطن مسافات تنأى وتتباعد، ومابين الشعر واللغة الاخرى مفردات تفكك بعضها بعضا، لتستوي لغة الشعر على جميع اللغات، حين يكون الشاعر منتميا الى الشعر فقط، اذن اللغة هي سلــّم الشعر الذي يحلق بها الى عوالم وامكنة، لاتشبه الامكنة الاولى، ولكنها تضمهُ الى صدرها اعترافا بقيمة الشاعرالقادم من بيادر اللوعة المزمنة، الشاعر يتجذر في امكنة اخرى، ولكن بشكل اخر . *كيف تتمكن من ارتباطات المكان في حياتك، وهل يمكن ان تتجذر في الامكنة الغريبة عنك..؟
= الحقيقة تغير المكان بالنسبة للشاعر، هو ليس فقط تغيرا جغرافيا وانما المكان هو حامل لثقافة الشاعر بل ابعد من هذا هو الوجدان وحتى آليات الكتابة اعتقد المكان يتدخل بها، ومن اكبر مشكلاتي في اوربا هي خلق –ميكانزمات – حتى استطيع ان اكتب، لانه انا ابن بغداد وكانت هناك اجواء معينة تحفزني على الكتابة حتى آفاق الشعر نفسه هي الحقيقة مرتبطة بافاق مكانية وزمانية طبعا، لكن بمرور الزمن وباصراري، وخلق آليات هذا المكان الجديد الذي هو الان على سبيل المثال –لندن – استطعت ان اكتب وان اخلق اليات جديدة التي تتواءم مع هذا المكان الجديد، من حيث الاحساس بهذا المكان وكيف يستفزك هذا المكان..؟، المكان هو خالق ثقافة وخاصة مكان مثل لندن، لان لندن بما تتمتع به من متاحف كثيرة ومسارح وامكنة ثقافية اخرى شعرية وادبية عامة، والحقيقة تخلق هذا الجو الشعري بوصفك شاعرا، وتبحث عن جوك الشعري حتى تستطيع ان تكتب . كانت البداية صعبة لان لندن مدينة كبيرة وليس من السهل ان تعطيك نفسها بسهولة، فعليك ان تبحث بوصفك كاتبا او مبدعا، تبحث عن امكنتك، تبحث عن هذه الاليات التي تستفزك في المكان، ومن خلالها ان تكتب اشياء جديدة او تتواصل مع كتاباتك القديمة، ومن هذا اقدر ان اطمئن له ومن زمن اقول اتواصل مع لندن، ان اكتب في لندن واشعر فيها اجواء شعرية عظيمة . * ايهما اقرب الى نفسك بالكتابة العربية ام بالانكليزية..؟ = طبعا بالعربية، اولاً لاني شاعر عربي واللغة الانكليزية لغة ثقافة بالنسبة لي، لغة من خلالها اطل على الثقافة العالمية التي هي لغة الكون، ولندن من مراكز العالم الكبرى الثقافية المهمة، وانا كاتب عربي اقرأ بالانكليزية وقد يسر لي هذا الامر الاطلاع على آداب العالم، ومع الاسف كانت تصل لنا في ما مضى نصوص مبتورة او مقطوعة او ربما حتى مشوهة ومن خلال وجودي في لندن سنحت لي فرصة الوصول الى النصوص الاصلية فوجدت الكثير من التباين بين النصوص التي وصلتنا مترجمة والنصوص الاصلية باللغةالام . * هل صدرت لكم مؤلفات باللغة الانكليزية من خلال وجودكم الدائم هناك، وفتح ابواب اللغة والاطلاع على شفراتها السرية ..؟ = لقد صدرت لي مجموعة شعرية مترجمة قامت بترجمتها مترجمتان وشاعرتان احداهما عربية والاخرى مواطنة انكليزية، وكان ذلك قبل اربعة اشهر، ووجه لي مقهى الشعر دعوة لاقامة امسية شعرية، وللتو انهيت رسالة ماجستير في الترجمة كتبتها باللغة الانكليزية عن جامعة –ويست منستر wastmenster- وقد بدأتُ انشط في الترجمة من اللغة الانكليزية الى العربية،وفي العدد الاخير لمجلة الثقافة الاجنبية، لي مقالتان مترجمتان من العربية الى الانكليزية، وانا اطمح في المستقبل الى ان اكتب باللغة الانكليزية واتواصل معها بشكل اكبر . * هل هناك حضور دائم للبيئة العراقية في قصائدكم، وللمكان الذي يطارد المبدع اينما كان ..؟ = نعم ...حتى الذين قرأوا مجموعتي الاخيرة "محفة الوهم" التي صدرت عن دار الفارابي، تجد فيها اجواء عراقية بحتة، وطبعا تلمس من خلال القراءة ان هناك تأثيرا للبيئة الاوربية او عربية لانني حينما هاجرت من البلاد بدأت اطوف في بلدان العالم، ولكن المكان العراقي حيث مكان تجذري ونشأتي يكون له مركز ثقل حقيقي ووجداني وبالتالي يظهر في النصوص التـي اكتبها. * ايمكن للرواية ان تحتل مكانة الشعر باعتبارها تعطي القارىء انزياحات كبيرة في الفن الروائي وتشكلا اكثر من الشعر في حيثيات الحياة التي اصبحت مشتبكة وقلقة ومرتبكة، ولاتمنحك فرصة اخرى لهاجس الشعر ..؟ = الحقيقة ان هذا الموضوع يدخل في صلب الدراسات الثقافية، التي يسمونها –كلجر اسيتدنيجcultural studying – وايضا علم الاجتماع الادبي وعلاقة منتوج ادبي معين بالقراءة وبالناس وهذا الموضوع كثر الحديث عنه، هل هو عصر شعر ام عصر رواية ..؟ واكثر الاراء تقول هو عصر الرواية، ولكن بالنسبة لي ان الشعر هو قضيتي الشخصية بالدرجة الاولى، وهذه القضية الشخصية ليست بمعزل عن العالم وهي تاخذ وتعطي مع العالم وتتواصل مع العالم، واني اشعر ان الشعر موجود مع صلب الحياة، ان من الناس التي تربطني بالشعرعلاقة ميتافيزيقية حسب تعبير "هودلرن "وتفسير –هايدغر –الى هودلرن وشرحه- ان الشعر قضية وجودية –وان ما يمكث في الارض يؤسسه الشعراء –وهي عبارة هودلرن-ان ايماني الشعري قريب من الميتافيزقية الالمانية في هذا المجال . * من خلال وجودكم في المجتمع الانكليزي هل تجد ان هناك ثباتا لقضية الشعر في الوجدان الانكليزي..؟ = نعم ان هناك وهما كبيرا يوجد لدينا، على اساس نحن العرب امة شعر وحينما تذهب هناك ترى العكس، ترى العالم في علاقات مختلفة، اشعر ان العلاقة هناك اكثر نظافة واكثر طبيعية واكثر انسجاما، وقبل قليل كنت اتكلم مع احدالاصدقاء مع موضوعة الانسجام بين مكونات الحياة كلها، فالشعر هناك له رواده وكتبه التي تطبع بالمئات او بالاف، فتطور الشعر بالعالم الغربي او الاوربي الذي اعيش به تحديدا، بوصف اوربا والعالم الغربي الان منتجا لحضارة، هو تطور طبيعي تطور لكل الحياة المتطورة، ابتداء من اصغر الاشياء الى اكبر الاشياء ومرورا بالجماليات الذي هو الشعر يقف على قمة الهرم، الشعر دائما في صلب الجماليات اذا لم يكن هوالمؤسس الحقيقي للجمالية، الشعر بمعناه العام، الشعرية "البويتكس poetics"عكس ما نرى في عالمنا الاشياء تراها وتجدها منفصلة ومفككة واحيانا مشوهة، تجد تطوراً معينا في الشعر او في حقل اخر، وتختلف في كل المجالات الاخرى، وهذا هو الفرق لذلك تجد هناك الناس تتعاطى الشعر تكتب الشعر تسمع الشعر تقرأ الشعر تشتري كتب الشعر ولكن بشكل جميل ومنسجم وطبيعي ضمن حياتهم الجميلة المنسجمة الطبيعية. * ايوجد للشعر العربي لمسة روحانية في المجتمعات الاوربية ..؟ = ابدا لايوجد شيىء من هذا القبيل وانا ادخل اكبر المكتبات هناك مثل مكتبة "بوردرز "والثانية "ووتر ستون"وكل واحدة من هذه المكتبات لها فروع في لندن او المدن الاخرى ولم اجد اي كتاب عربي سوى لنجيب محفوظ ترجمت بعض رواياته لفوزه بجائزة نوبل، بينما تجد الكتب الاخرى من اللغات الاسبانية واليابانية والصينية وهذا شيىء مؤلم ويعكس حالة الانحطاط الذي نعيشه في الثقافة العربية او وضع عربي والحقيقة هي حالة استهلاك على كل الصعد، نحن نستهلك ماينتجه العالم الغربي. * ما هي قيمة علاقة الشعر بالثقافة بشكل عام بما فيها الفلسفة..؟ = الشعر بالدرجة الاساس هو بناء وجداني او تعبير وجداني ولكن هذا الوجدان الذي يسمى وجدان الشاعر، الحقيقة من المفترض ان يحمل اشياء اخرى، هذا الوجدان يتفاعل مع محيط خارجي مع ناس مع امكنة مع ازمنة مع قراءات ومع ثقافة وهي ثقافة الشاعر، انا اؤمن بان يكون النص نصا مثقفا، خصوصا النص الحديث، فالشعرية الحديثة بنيت على اساس ان النص لايكون نصا غنائيا بحتا وانما يكون هذا النص، نصا ثقافيا ايضا، الشعر ايضا رسالة وجدانية ورسالة غنائية ورسالة يعبر فيها الشاعر عن اشيائه لكن ايضا يحمل رسالة ثقافية وقد تبنته المدارس الشعرية الحديثة بشكل عام وكان هذا مع الرواد، السياب والبياتي ونازك الملائكة، كان الشعر يحمل ثقافة معينة ولكن يجب على الشعر ان يحافظ على نفسه بوصفه شعرا،لان رسالته الحقيقية هي الشعر ولايكون شيئا اخر، فالفكر والفلسفة لها كتابها واطروحاتها وابحاثها، الشعر مفهومة آلياته ومفهوم بناؤه ومعروف اقصد بالبناء والاليات ويتلاقح مع الاشياء الاخرى، لكن يحافظ على خصوصيته بوصفه شعرا . * ولكن الشعر ياسيدي من واجبه ان يترك الاسئلة معلقة في الفضاءات ..؟ = نعم ..الشعر لايجيب، لانه ليس فكرا وحتى الفكر يطرح الاسئلة والذي يجيب هو الله او ربما الموت ! الشعر يطرح الاسئلة، والشعر طروحاته غير قابلة للتحقيب الزمني، في الشعر من الجائز ان نطرح اشياء مطروحة من قبل الفي عام اوثلاثة آلاف سنة، اسئلة الشعر تختلف عن اسئلة الثقافة ولو ان الشعر حامل رسالة ثقافية ولكن اسئلته مختلفة، وهي اسئلة شعرية تستفز اسئلة فلسفية، يعني الفلسفة بوصفها هذا التساؤل الدائم، الاسئلة الازلية الاسئلة الوجودية العامة المتعلقة بالحياة والموت وعلاقة الكائن بالغيب والحضور والاشياء الاخرى، الشعر الى الان يذكرها ويحاول ان يستنجد بها. مع ان الاسئلة الفلسفية الكبرى في الحياة تبقى اسئلة قائمة وكل الاجوبة التي وضعت لها هي اجابات مرحلية او اجابات مقترحة وليست اجابات نهائية الشعر عند هذه المسألة يقترب من الفلسفة، الشعر في قضية الاسئلة الكبرى يقترب من الفلسفة هو اذن ايضا اسئلة فلسفية او اذا شئنا نقلب المعادلة، فنقول ان اسئلة الفلسفة هي اسئلة شعرية. |