المقاله تحت باب في السياسة في
15/06/2009 06:00 AM GMT
تمت أزالة شعار أولمبياد ألعاب لندن لعام 2012 من على الإنترنت وسط مخاوف من أن يؤدي الشعار إلى الإصابة بنوبات من الصرع بعد أن تلقت الهيأة المشرفة على اختبار الإرشادات التنظيمية شكاوى حول سلامة الشعار، كما نشر موقع ال (بي بي سي) خبراً جاء فيه إن الهيأة الخيرية لمساعدة مرضى الصرع تلقت مكالمات هاتفية من أناس اشتكوا من إصابتهم بنوبات من الصرع بعد مشاهدتهم الشعار. وقالت الجهة المسؤولة عن تنظيم أولمبياد لندن 2012 إنها بصدد إدخال تغييرات على الشعار. وأنا أقرأ هذا الخبر تداعت إلى ذهني أوضاع بغداد وما يمكن أن تسببه هذه الأوضاع المزرية لها من نوبات صرع لساكنيها إذا استمر حالها، وهي العاصمة، على هذا المنوال من التوحش ورداءة الذوق والقبح المبين بعد أن سببت لهم ما سببت من صدمات ويأس وهروب إلى المنافي وبلدان في آخر تلفات الدنيا... ومن الأول هكذا وليس من الآخر، كما يقول أشقاؤنا المصريون، فإن سبباً رئيسا من أسباب انتشار العنف بعد الحرب كان الفوضى والأنقاض والأوساخ وقلة الخدمات وانعدام الكهرباء. بعد ذلك عندما أجرت هذه الأوضاع أنهاراً من الدم وصرفت الملايين على الخطط الأمنية ذات الأسماء المعتبرة، تساءل كثيرون: ولماذا لم تُصرف هذه الملايين أساساً على النظافة والورود ورفع الأنقاض؟ وهل كان يمكن للعنف أن ينتشر لو أن الناس استيقظوا على البناء والكهرباء والمشاريع العملاقة والأسواق العصرية والمطاعم الجميلة؟.... ليس العنف وحده هو من نتائج هذا القبح المكاني وإنما هجرة العقول والكفاءات وأصحاب الذوق الرفيع... إنهم يهربون من الموت إلى الحمّى، وقد أصبحت مفردات اللجوء والمعونة وطوابع الطعام أجمل في أفواههم ، مع الأسف ، من هذا الوطن الكئيب الذي لم يعد فيه سوى الفوضى والاعلانات القبيحة والحواجز والأنقاض والأسلاك الشائكة، فكيف يتحقق الهدوء في مكان بشع مثل هذا؟؟ كيف يشعر الناس بالسعادة في مكان فاشل كهذا؟؟ كيف يفرحون والمكان تعيس؟؟ لقد مرت السنوات، وأنقاض بعض البنايات المقصوفة، ومنها دائرة الاتصالات والبريد المركزي في شارع الرشيد ووزارة التخطيط في كرادة مريم لا زالت على حالها، وكأن النية معقودة على جعل هذه المدينة مكروهة كئيبة خربة وغير جاذبة لأحد.. وهذه حلقة مفرغة كما تعلمون، فكلما زاد خراب بغداد كلما قل عدد العائدين إليها، وكلما قل عددهم زادت الأمور سوءاً على سوء وانتشرت الرداءة وقل الذوق الرفيع أو انعدم. ومما يؤسف له أن القائمين على جماليات بغداد غير مؤهلين لذلك على ما يبدو لأنهم يعتقدون أن إعمار بغداد يتمثل بصباغة جسورها ببوية خضراء، أو حواجزها برسومات ما أشبهها برسوم جدران رياض الاطفال، وأقامة أعمدة في غاية البشاعة في ساحاتها، كما هو حادث في ساحة الفارس العربي وساحة النسورحيث ترتفع لوحات رديئة الذوق تتحدث عن العراق الموحد ودعم الاقتصاد الوطني.. وما إلى ذلك من شعارات لا يشكل رفعها سوى إسقاط الفريضة.. شوهت ساحات بغداد وزادت الطين بلة، ولا ندري هل هناك من يقرأُها؟.. أما انا فقرأتها لشدة ما استفزتني بشاعتها، فرفعت نظري لأرى الغاية من وجودها.. فهل هناك بلد في العالم يقوّي وحدته الوطنية بهذه الطريقة المنفرة. إن بغداد تحتاج إلى فنانيها الكبار ومعمارييها الكبار ليكونوا استشاريين في أمانة بغداد، لأن العواصم أمانة في أعناق المسؤلين عنها، ووجه جميل للقادم إليها، وليست ارتجالات وترقيعات توجع القلب.. ولا أدري هل تدرك أمانة بغداد، على أهمية الجهود التي تبذلها بالطبع، أن بغداد أصبحت من أقبح العواصم في الدنيا، بل من النشاز القول إنها عاصمة أو مدينة وأن الانطباع الذي تعطيه الآن هو أنها قرية خالية من الذوق والجمال، ولا يرى الناس بين كتلها الكونكريتية أفقاً يريح العين ويهدّئ الأعصاب ويطرب النفوس. بغداد تندثر وتنخسف... وتهبط تحت الأرض، وتحتاج الى من يرفعها الى المقام العالي الذي تستحقه لكي لا تسقط سقوطا آخر في براثن الاهمال والفوضى والذوق الردئ.
|