المقاله تحت باب في السياسة في
05/04/2009 06:00 AM GMT
كنت أشاهد برنامجا تلفازيا على إحدى المحطات، التي تعمل على تحسين صورتي البشعه لدى أصدقائنا على رغم الانوف ، وذلك حرصا منها على ان لا تقززهم رؤيتي..فيفقدوا شهيتهم وتنزل بذلك اسهم الماكدونالدز . وانا اشاهد هذا البرنامج، تنبهت على الجهد المضني الذي يبذله مقدمه، ليبدو في الصورة المرجوة: يبتسم ملء فيه ، ويمطط شفتيه قدر المستطاع ، ويمد حاجبيه حتى لايبدوان مقطبين كحال حواجب المسلمين اليوم، وقد تأنق على الطريقه الغربية فلبس الجينز الضيق ، وهو المعتاد على الدشداشة الفضفاضه، ووضع قبعة اخفت بعض ملامحه العربيه المريبه ،واسدل قميصه راخيا اياه . وكانت ملامحه كلها توحي بالرغبة الشديدة في ان ينال في الاقل ، تقديرا لشخصه المعتدل الذي يتبرا من أصولية، يجهد نفسه في نبذها خلال البرنامج كله. ثم كانت فقرة سؤال المواطنين الغربيين عن رأيهم في صورتنا لديهم ، وقد اختارالمعد للبرنامج نماذج معتدله تحدثت عن وعيها باللعبه الاعلاميه، التي تصور الانسان المسلم بانه انسان غير سوي، فأشار هؤلاء إلى إدراكهم بان المسلمين ليسوا سواء "ربما في الاضطراب النفسي"، ولكن فيهم المعتدل والسوي والعادي كما قال احدهم ! و ان صدورنا لاثلجت لهذا التصريح من انسان متحضر لصالح انسان اقل تحضرا! فقد اعترف لنا بالاعتدال و الطبيعية والسواء ...وما كان من الشاب المذيع المعتدل، إلا أن طلب في آخر لقاءه المعتدل ،من اصدقائنا الغربيين ان يوجهوا رساله معتدله قد نعتدل بعدها! فكانت رسائلهم كلها مطمئنة لنا بمستقبل معتدل وانهم "لن يفهمونا غلط". كنت اشاهد هذا البرنامج ثم تذكرت احد الافلام التي صورت الحرب الامريكيه الفيتنامية . وهوعمل يصور قصة اهالي احدى القرى التي تعرضت إلى القصف الامريكي بقنابل النابالم . وهذه القصه، وان لم تعد بالمبكية او الماساوية لفرط تكررها اليوم في العراق وغيره ، والظواهر حين تتكرر تفقد قدرتها على الادهاش ،إلا أنها اثارت المفارقة المبكية والماسأوية فعلا؛ فالفلم يصور حدثا انسانيا على الطريقة الامريكية حيث وجد احد الأطفال الذين أصيبوا بنيران النابالم ، من تطوع وخاطر بنفسه، وهو جندي أمريكي، لينتشله من الضياع ويؤمن له علاج حروقه، ولا يهم من احدثها، ولا لماذا احدثت !!وفجاة تحولت صورة الجندي الغاصب والقاتل الى راع للطفولة وأنموذج للإنسان المتسامح ! الذي يسعف من يتربص به الدوائر. ونسي المشاهد للفيلم، الصور السابقة لهذا الحدث الانساني، وبقيت في ذهنه صورة الجندي الذي يحمل طفلا مشوها ويخاطر بنفسه لاجل انقاذ حياته وتامين العلاج له في بلده ، بعد ان قتل والديه طبعا! لكن ذلك تفصيل غير مهم بإزاء المهمة النبيلة ! ثم وجدتني أربط بين صورة هذا الطفل "البشعة" بفعل الحروق، وهنا اتحدث بالمعنى الحقيقي كما يقول البلاغيون ،وبين صورتنا نحن اليوم البشعة ايضا و بفعل اصدقائنا انفسهم ، لكن من يحاول تجميلها اليوم ليس هم، ولكنه نحن!! ولا يهم ايضا من جعل صورتنا تبدو كذلك؛ سواء كان النابالم ام الاف 16 ؛ فالغايات كما يصر ميكيافيل، تبرر دائما الوسائل . والغاية اليوم هي دمقرطتنا ولا تهم الوسيلة حتى لو كانت الحروب، والعقوبات الاقتصادية، و الفتن، واللعب بورقة الاقليات ، وتضييق الخناق، و الابتزاز، وفرض الاستثمارات المجحفة، وفرض الشروط على القروض، وخراب البيوت، واستغلال الثروات، وتثبيت الديكتاتوريات ، وتحريك المعارضات، وخلق اخرى وهميه قابلة للرشوه، او ترويج المخدرات ، واستهداف الشباب وغيرها مما نعرف ولا نعرف ... لكن ذلك كله لا يعدم رغبة هؤلاء الملحة في اقامة ديمقراطيات وترسيخ الحريات و حقوق الإنسان، "الذي يستحق طبعا"، في سبيل ان يظل المسلم مبتسما غير عابس او ساخط .
|