المقاله تحت باب مقالات و حوارات في
17/02/2009 06:00 AM GMT
في زيارتي الاخيرة للعراق الّتي طالت هذه المرة(من تموز إلى نهاية تشرين الثاني) ...وأضافت الكثير من المرارة الى بقايا الاحلام التي تأبى ان تغادرني في ان أرى العراق أخيرا مكرّما نظيفا خاليا من ألامراض النفسية الاساسية كالنفاق والخيانة واستغلال القوي للضعيف و تعجرف المسؤول والاستهانة بحقوق المواطن وإهماله لوا جباته تجاهه على حساب اهتماماته الحزبية التي ينتمي إليها ، طبعا والمرض المستفحل منذ قرون في العراق (الكبت الجنسي). الذي أصبح مخيفا ويثير الرعب وكأن العيون والأيادي في الشارع قد تحولت إلى أعضاء تناسلية جاهزة للاغتصاب في عز النهار حتى لو كانت الفتاة عبارة عن (عباية) وعينين !!! . وما زياراتي الخاطفة للشرق الأوسط إلا لازداد تمسكا في غربتي لأؤكد لنفسي الأمارة بالعودة ساعة ضعف مخفي ّ بان لا شيء اختلف هناك بالنسبة لي- أتحدث هنا عن وضع امرأة كاتبة !! غامرت وسافرت من كردستان العراق إلى البصرة بواسطة السيارة. كنت أريد رؤية الأشياء بعيني لا كما اسمع وأشاهد في التلفزيونات رغم عدم سلاسة سفر امرأة لوحدها إلى الان بين محافظات العراق !! ومن سورياليات البلد أيضا إنني سافرت ثالث أيام العيد من أربيل بينما كان أول أيام العيد في البصرة (بالنسبة لي لم اعد انتظر مجيء الأعياد الدينية لأنني مشغولة ومهمومة منذ زمن ليس ببعيد في انتظاري عيد الحرية والعدالة في العراق !! )!! أكثرية الأهالي في اربيل من المذهب السني والمنطقة الجنوبية أكثريتهم شيعة كما هو معروف فأصبح لدينا الأعياد الشكلية والشكلية فقط عيدان بدل واحدة !!! ...ربما أحسست ببعض الحرج حين داهمت عوائل أصدقائي الرائعين في اليوم الأول للعيد في البصرة حيث جرت العادة أن يكون اليوم الأول للوالدين والأقربين والحماة من صلة الدم من أخ أو أخت وما إلى ذلك ... ما استتب من بعض الأمن هو أنجاز وزيادة الرواتب للموظفين تكفي الاحتياجات وتزيد أيضا لكنني أتحدث عن كينونة الكاتبة، الشاعرة، الوضعية غير النمطية لامرأة ...فلا شيء تغير بتاتا . البصرة أحببتها جدا رغم رائحة البارود المتلاشي. جميلة البصرة بمثقفيها ونشاطهم الفذ يشهد لهم وجرائدهم التي تنافس بعضها البعض . البصرة بلد ثقافي كامل ومن المؤسف ألا يقوم أهلها من المسؤولين والسياسيين بتزيينها كما تستحق ! أما قصة عودتي وما تعرضت له على طريق البصرة-بغداد فهذه قصة أخرى من أبشع الكوابيس في حياتي –سأكتبها لاحقا لأنني كلما أتذكرها أصاب بنوبة غضب ولا أستطيع أن اكتبها . وما أثار انتباهي في صيف العراق وبشكل لا استوعبه لحد الان تحول الكذب إلى طبيعة خاصةً إذ كانت من ضحاياها من يحتفظ بنيسان وربيع التعامل الإنساني مع الآخرين!! . وإذا حدث وانك لم تتطور بعد الى كائن يرى الكذب إجراء إنساني طبيعي في العراق فانك ستصدق على الأقل الأصدقاء القدامى بيسر . وستشعر بالامتنان وتفكر بكيفية تعويض خسارة احدهم المادية حين تسأله أن ينهي خدمة ما من أجلك كاستئجار تكسي أو دفع مستحقات لدوائر رسمية في كل الأحوال لا تتجاوز العشرين دولارا مثل تجديد هوية !! .وحين تضع علامة ضرب على إحدى المتعلقات التي عليك إنجازها تكتشف ومحض المصادفة بان الصديق( او الصديقة )الذي شكرته وقدرت مساعدته الذي حلف بيمين غليظ بانه تعنى الرواح والمجئ من اجلي و احسسني بنخوته العارمة لإنجازه( مهمة) لأجد أن يمينه( او يمينها) الغليظ ونخوته ليست الا رصاصة لقتل صديق آخر من اصدقائي الذين يغادرونني بعضهم استشهادا والبعض الآخر كما في هذه الحالات رحمة بي وبقلبي .هل لانني عزلت نفسي منذ اكثر من أربع سنوات ولهذا لا ادرك كيفية تحول معظمهم إلى كتل من أكاذيب غير مبررة وغير ضرورية !! هذا ما حدث معي حين حاولت تجديد بعض ألهويات الرسمية في بغداد فتخيلوا كيف لو كان الأمر أهم من تجديد هوية ما ! .هذا غيض من فيض لما واجهته من أكاذيب أما تجديد جوازي بجواز (جي) فالله لا يشوفكم تجديد جواز في العراق: احتيال ، أكاذيب ،بالجملة سرقات، رشاوي .. ويا للهول !أستطيع من خلال تجربتي في تجديد جواز جي أن اكتب مسلسل من الكوميديا السوداء . ظاهرة تفشي الكذب الآن في كل مكان في العراق كظاهرة تفشي الامراض السارية واختفاء الصدق كقطع الكهرباء غير المبرمج !! لكن ما جعلني احتفظ برباطة جأشي مع الانهيار الثلجي للصدق في اخر ايامي الصيفية في العراق انني صادفت أصدقاء خلّب كثيرين فيما مضى من حياتي .. احد الأصدقاء تحدث معي قبل أيام عن صدمته أيضا من خراب الأنفس وأضاف بان إعدام صدام حسن كان يجب أن يكون قبل كل شيء ليس لخراب سياسة واقتصاد العراق أو البنية التحتية وإنما لجريمته الكبرى في تخريبه المنظم لنفسية الإنسان العراقي. هل أنا مصدومة ؟لا ادري إن كنت أحاول إنعاش حلم قديم في عالم حافل بالأزمات التاريخية والانهيارات النفسية في مكان مثل العراق !طبعا كنت أحاول أن أتمسك بحلم قديم ،لكن لو كان الميت يحيى من جديد في العراق هل سيختار الحياة ثانية في عراق اليوم ؟؟لنعمل إذن على إقناعه بالفعل إذا أردنا لا بالأكاذيب التي تتشمس بوقاحة في الفصول الأربعة للعراق !
|