جماعة «زهرة الصبار» جمعت المثقفين الوافدين في المكتبة الوطنية البلجيكية

المقاله تحت باب  أخبار و متابعات
في 
02/12/2008 06:00 AM
GMT



قدمت جماعة زهرة الصبار قبل أشهر رباعية «ليالي بيضاء نجوم سوداء» وهي ثمرة تعاون بين المثقفين الوافدين حديثاً إلى بلجيكا والمثقفين البلجيكيين. أربع ليال عن الشعر والسينما والنثر والفلسفة قدمت بدعم من مدينة الكتاب أي. بي. سي وتمويل الحكومة البلجيكية الخاص بتطوير التنوع الثقافي. العروض قدمت في قاعة مكتبة مدينة أنتفيربن الوطنية كل ثاني أربعاء من الشهر. «ليالي بيضاء نجوم سوداء» هو جزء من مشروع جماعة زهرة الصبار الكبير (سهران II) الذي تمنح فيه أرضاً جديدة للمثقف الوافد من ثقافة مختلفة. فثمّة الكثير من المثقفين القادمين حديثاً إلى بلجيكا غير قادرين على تعبيد طريقهم إلى الوسط الثقافي بسبب اختلاف اللغة والعادات والانغلاق المعرفي. المهم في هذا المشروع أن المثقف الوافد حديثاً يحصل على فرصة موضوعية لتقديم أعماله خارج أساليب إعادة التأهيل لكي يصبح مواطناً مناسباً في النظام الأوروبي.
نظّمت الجماعة عرضين ثقافيين هما «الخراب وحرير» بنصوص من كتاب وشعراء عرب وبلجيكيين على طريقة «مولتي ميديا» شارك فيها: عماد فؤاد، توني دو ماير، أسامة عبد الرسول، فابيان دو لاتهاور، كوبه ونس، مخلّد راسم، باسم الطيّب، طارق عبد. تركز جماعة «زهرة الصبار» منذ سنوات على البحث في «توطين» المثقفين القادمين حديثاً إلى بلجيكا والمقيمين في منطقة الفلاندرن الناطقة بالهولندية. وبالنسبة لهؤلاء ثمة صعوبات جمّة في تحديد معالم طريق الوسط الثقافي والمؤسسة الفنية لكن جماعة «زهرة الصبار» للمسرح تقدّم أعمالاً لهؤلاء هدفها كسر المتاهة في فلاندرن.
ومن هذا المنطلق تكوّن عرض «مدينة السلاح» عام 2006 المؤسس على شراكة بين أربعة فنانين عراقيين صنعوا معاً عرضاً صادماً شديد الخيال مؤسسا على نص مسرحية «الراقص».
وفي العامين الأخيرين دأبت الجماعة على تنظيم فعّاليات «مولتي ميديا» في مواقع غير تقليدية وكذلك في مواقع الثقافة الرسمية. في هذه العروض التي تمحي فيها الحدود بين الفنون لا يجد المشاهد تركيزاً على نوع وأسلوب فني واحد بل تأكيداً على مزج الأنواع والأشكال بأساليب تعبيرية خارجة عمّا اصطلح عليه في المؤسسات «ثقافة الأجنبي».
هذا هو الإطار والتوجه الفني لـ «ليالي بيضاء ونجوم سوداء» والمثقفون الجدد يحصلون من خلاله على فرصة لتقديم نتاجاتهم الفنية في الوسط الثقافي البلجيكي. جماعة زهرة الصبار سعت لدعم هؤلاء المثقفين من دون اللجوء إلى التنازلات عن الملامح الشخصية.
مثقفون من مختلف المشارب الفنية والثقافية يقدمون نصوصاً شعرية وأفلاماً وموسيقى وفلسفة وتجريبيات في المولتي ميديا، سينمائيون متخرجون حديثاً من فلاندرن إلى جانب شعراء وكتاب مغاربة وعراقيين، موسيقي من بوروندي يسلّط ضوءاً موسيقياً على الشعر العربي. تطمح جماعة «زهرة الصبار» في مشروع «ليالٍ بيضاء نجوم سوداء» إلى المساهمة الجذرية في قضايا الثقافة والتنّوع وهي مساهمة تريد أن تكون أكثر جذرية مما يحدث اليوم في الساحة الثقافية البلجيكية. ليس الطموح فقط تجديد الرموز الفنية وكسر حدودها بل تسليط الضوء على الصعوبات الجمّة التي تعترض المثقف القادم حديثاً وكيفية التعامل مع هذه الصعوبات والتآلف معها أو الانتصار عليها عندما تفرض نفسها كرموز مستغلقة. من خلال تجربته الخاصة يعرف حازم كمال الدين المدير الفني «زهرة الصبار» أنّ منح الفنان الجديد مكانه المناسب في الخريطة الثقافية البلجيكية ليس سهلاً ولا بديهياً. يحوم السؤال دائماً حول الهوية والرمز بمناسبة وبلا مناسبة. المثقف الأجنبي يشعر غالباً بأنّه معزول ولا أحد يفهمه، غير قادر على فتح الحوار مع النفس ومع العالم «الجديد».
بلح رائع
الجزء الثالث من رباعية «ليالٍ بيضاء نجوم سوداء» كانت تحت عنوان «بلح رائع». لحظات عرض تلتقي فيه القصة والصورة والمؤلف والممثل حتى تضيع الحدود أو تحتج عبر التعاون بين حازم كمال الدين، رشيدة لمرابط، نادية عبدالوفي وبيتر دو بويسر. وكان تم اختيار نصوص ومقاطع من كتاب رشيدة لمرابط، حازم كمال الدين، فلاح شاكر وطاهر علوان. نصوص ومقاطع باللغة الهولندية وبعض المقاطع باللغة العربية. لأن الأمسية كانت مخصصة للجمهور البلجيكي.
رشيدة لمرابط المغربية التي حازت قبل أسابيع الجائزة الوطنية التشجيعية للأدب في بلجيكا اختيرت قصتها التي تحمل عنوان «الجنين النائم» لتكون محور الأمسية. تداخلت النصوص النثرية للكتاب في طيات نص رشيدة ما عدا نص طاهر علوان «ترجمان الألم» الذي أخذ حيّز الافتتاح. نص رشيدة يتحدث عن جنين لا يريد أن يولد في هذا العالم ومن طريق الأسباب التي تدفعه لرفض الولادة نرى نصوص الآخرين وكأنها دوافع للجنين في مواقفه من العالم الذي يجب أن يولد فيه.
ولأن الجنين يعيش في عالم مجهول تختلط فيه الأشياء من دون تعريف محدد تم اللجوء الى شريط سينمائي طويل مأخوذ من الحياة المحيطة بالمكتبة الوطنية لتدمج عالم ما خارج المكتبة وعالم ما داخلها. عالم ما خارج المكتبة هو عالم مخدرات وعالم سفلي بينما عالم المكتبة عالم مثقف انتقائي. هذا العالمان اللذان يبدوان للوهلة الأولى غير قابلين للتصالح يكتشف أحدهما الآخر عبر وسائل مختلفة منها المولتي ميديا ومنها التناوب في القراءات.
سوق صيني يسيطر على الخلفية بينما يقرأ الكتاب أعمالهم بلغة عربية وهولندية حتى ليبدو وكأنهم جزء من سلعة السوق وضوضائه. ليس عالماً اكزوتيكيا بل عالم غريب وقاس تدفع استحالة تداخله دائماً على الابتعاد مسافة منه هي المسافة نفسها لاكتشاف الحقيقة والتنكّر لها. المسافة التي يقف فيها المتلقي من العمل هي المسافة نفسها التي يقف فيها العالم من المؤلفين الحقيقيين الموجودين في الصالة. إنهم مثقفون جدد ومجهولون في عالم الثقافة البلجيكية بينما هم مؤسسون في أوطانهم، وكذلك المثقفون المعروفون هنا هم مثقفون مجهولون لأقرانهم الجدد الموجودين هنا.
على هذا الأساس التقى المثقفون عدة مرات لصوغ سيناريو الأمسية وليتعارفوا بعضهم الى بعض عن كثب في طريقة عمل كيميائية تطمح الى بناء تفاعل بنيوي داخل المجموعة، حيث تمّ اختيار المادة الفيلمية ومناقشتها، وصناعة السيناريو والتوصل إلى أفضل الطرق لتقديم هذه الأمسية الخلاسية.