الحفيدة الأميركية |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات ''الحفيدة الأميركية''، هي الرواية الثانية بعد ''سواقي القلوب'' للكاتبة العراقية المقيمة بباريس منذ عقود إنعام كجه جي، وإذا كانت قد توقفت في روايتها الأولى عند الحقبة السابقة للاحتلال وتداعيات العسف والقمع والحرب والحصار والمنفى وانعكاساتها، فإنها في ''الحفيدة الأميركية'' تتابع حياة الجيل الثالث من المهاجرين والمغتربين والمنفيين، عبر شخصية الفتاة الكاتبة (زينه بهنام) المسيحية من ديترويت والمنحدرة من أسرة من بعشيقة الموصلية، بينما الجدة والجد يحملان إرثاً وطنياً لا يرضى بالعمل مع المحتل حتى تحت وصف (مترجم) الذي تنتحله زينه للتطوع في الجيش الأميركي ببغداد. هكذا تتصدى إنعام لأعقد الإشكاليات المرافقة للهجرة وتداعياتها، فها هو جيل ينشأ في حاضنة المحتل ويذهب إلى الوطن الأم مجنداً في جيوش محتلِّهِ، وصراع زينه ليس سطحياً ينحصر بين الأصل والمواطنة، وبين المال والخدمة مع المحتل، أو التناقض بين الواجب والعاطفة، بل بين الكاتبة وذاتها، فهي تفشل في المواءمة بينهما منذ وصولها المنطقة الخضراء، وينشأ صراع أعمق من بعد بسبب حبها للشاب المقيم ببغداد (مهيمن)، وهو ابن طاووس المرأة المسلمة الفقيرة التي أرضعت زينه أيضاً ذات يوم قبل الهجرة.. ولكن ولاءها كمجندة، ووطنية مهيمن وحربه للمحتل يتعارضان داخل قَوْسي الحب الذي ينتهي كروايتها ومطامحها بإغراء الأجر المدفوع لقاء عملها. زينه هي الراوية، ولكن تسلطها على السرد لم يمنحها امتيازاً وكانت مهمة إنعام عسيرة لأن الساردة من النوع المضاد لوجهة نظرها، فكان عليها تقمّص أعماقها والصعود بالسرد إلى نهايته منطقياً دون شعارات وحلول خارجية توجهها النيات المنحازة للوطن أخيراً. ستدهشنا تلك المونولوجات الطويلة التي تنقلها الساردة وتعليقاتها على مشاهداتها في الوطن الذي تراه سراً وتخفي عملها عن الجدة التي تتحصن بماضي عائلتها الوطني وعيشها في تربتها فتموت، بينما زينه تشعر بالذنب لأنها قد تكون السبب ولا يسمح لها الضابط المسؤول بحضور الجنازة أو حتى رؤية الدفن من بعيد.. لحظات درامية عنيفة تقتنصها إنعام وتستثمرها بتفاصيلها المثيرة، فهناك البيت القديم الذي تزوره زينه متخفية بعباءة شعبية والعيش في المنفى وحياة الجاليات في مغترباتها، وحياتها في الوطن قبل ذلك. كأن إنعام تريد تأكيد أواصر المواطنة التي تذوب في حماها فوارق الأديان والطوائف فتجعل حب مهيمن وزينه ممكناً في لحظة اختيار ذاتي، ولكنه لا يتاح بسبب الاحتلال وليس لموانع أراد التكفيريون القتلة فرضها لتمزيق لحمة الشعب الواحد.. بهذه التقنية وتلك الجرأة والعناية بالتفاصيل ورصد الأعماق وصراع القرارات والمطامع والمشاعر أخذت رواية إنعام أهمية خاصة ولكونها أيضاً من نصوص السرد القليلة التي تتصدى للحظة الاحتلال القائمة. وهي مناسبَة نقدية للتعرف إلى أدب الراهن المأزوم والمتشظي في العراق. |