لؤي حمزة عباس: يهمّني المقتول لا القاتل

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
28/09/2008 06:00 AM
GMT



رغم فاعلية الشكل القصصي لديك لا يزال الواقع محافظاً على موقعه الأثير في مشروعك، المشهد الواقعي يتقدم، بثبات، كما في «إغماض العينين»؟ 

-لا تقدم! «إغماض العينين» قصة مجردة من شبهة الواقع، ولا تسلّم نفسها على نحو كامل لإرادته الصُلبة. إنها تتحرّك على الخط الفاصل بين الحياة والحلم مواصلة بطريقتها الخاصة ما انشغلت به «على درّاجة في الليل» و«العبيد» و«ملاعبة الخيول»، حيث يكون الحلم دفاعًا عن الحياة، في وقت رزحت حياتنا تحت ثقل الموت بطريقة أسطورية. كان على القصة العراقية أن تقول كلمتها بمواجهة حياة أقرب إلى الجنون بتحولاتها الغريبة ونهاياتها المأساوية.. دائماً ثمة بطل صامت ومغيّب. ما يهمني في مشاهد القتل التي مرّت بنا هو الإنسان المقتول لا الإنسان القاتل، حيث يكون الموت بطولة الناس العاديين. لقد شغلتني فكرة الموت على امتداد السنوات الخمس الماضية على نحو كبير، كنت أعيش بشكل ما لحظة موت إنساننا العراقي في كل مكان، محاولاً استنطاقه في لحظته المريرة تلك كما لو كنت أراه في حلم. ففي الحلم يموت الناس أيضاً، وطالما وضعت نفسي بديلاً عنه لأحسَّ مرارة اللحظة وعمق ألمها، وكان عليَّ أن أموت مرّات، لا عدد لها، لأكتب قصة قصيرة عن الألم العراقي. هذه القصة لم تكن خيارًا وجوديًّا، كما قال فاضل العزاوي، بقدر ما هي إشارة إلى العجز الذي عاشه الناس العاديون تجاه الجريمة التي ارتكبت بحق شعب كامل.

هل هي قصة عن عجز الإنسان؟
-بل هي قصة عن الحياة، لم أقترب من الموت إلى هذه الدرجة إلا دفاعًا عن الحياة وانتماءً اليها. القصة نفسها تعبير عن الحياة وإعلاء كل ما هو جميل فيها، فالموتى لا يكتبون القصص. كانت الأسئلة تملأ رأسي، أسئلة الإنسان، والوطن، والكتابة، والوجود، ولم يكن أمامي إلا أن أواصل طريق القصة إلى آخر الشوط. بعد صدور «إغماض العينين» عرفت انني بقيت في العراق ولم أغادره إلى أي بقعة من العالم من أجل أن أكتب هذا الكتاب، لأتعلم معنى أن تبتكر الكلمة وطنًا تأوي إليه الأرواح المهدورة، حيث يُستباح المأوى ويُطلق الرصاص على فكرة الوطن.

لكنك في «إغماض العينين» تنشغل بمحدودية المشهد لمعالجة بانوراما الحياة؟
- لن تكون الكتابة القصصية قادرة على الحياة من دون أن تحقق معادلتها الصعبة وهي تنظر باتجاهين، ففي الوقت الذي تنظر إلى العالم متأملة دقائقه غير المرئية، تواصل النظر إلى ذاتها متأملة تفاصيل عالمها، مع توازن المعادلة تحقق القصة حضورها وتضيء عوالمها، مثلما تُسوّغ وجودها ضمن قافلة طويلة من القصص العراقية التي أنتجت الكثير من الدرر. القصاصون العراقيون وجه آخر لبطولة الإنسان العادي، فلم تكن قصصهم إلا نشيدًا بليغًا لأناس لا نشيد لهم.
كما أهديت قصصي لولديّ تميم ومؤمل وهما يتعلمان أول الحروف أهديها للتكرلي والصقر ومحمود عبد الوهاب لتحقق المعادلة تواصلها الزمني، وتقول القصة كلمتها.

هل ترى أن ما كُتب من القصص العراقية كان في مستوى حدث السنوات الماضية؟
- الكتابة العراقية بتنوعاتها عاشت الامتحان الصعب الذي شهدته حياتنا وليست القصة القصيرة وحسب. ربما كان لراهنية القصة وبعدها الكنائي الدور في أن تتقدم خطوة في اتجاه الحياة، لكن للشعر والرواية والمسرح كلماتها التي لا يمكن تجاهلها، مثلما للسينما واللوحة والمسرح والصورة الفوتوغرافية كلماتها.. لنكن أمناء في قراءة منجز الإبداع العراقي منذ العام 2003 حتى اليوم، وسنرى الكثير مما يستحق الاحتفاء. ما تحتاج إليه الثقافة العراقية هو نظرة ذكية متوازنة وفعل صادق مسؤول لتأخذ دورها في المشهدين العربي والعالمي اللذين طالما عجزت عن الدخول إليهما بسبب انتفاء المؤسسة الثقافية وارتباك مزاج القائمين عليها، وضغط الخوف الداخلي. أمّا الآن، وفي مدى الحريّة الذي سلكته السنوات الخمس، فعلى المؤسسة أن تهيئ للمنجز الثقافي فضاء مناسبًا للتداول والحياة.

بعد« إغماض العينين» ما هو المشروع الجديد؟
سأواصل الإنصات للحياة العراقية، مثلما سأواصل النزول إلى نهر القصة القصيرة الذي لا يكف عن الجريان، هذا النهر الذي منحني القدرة على الحياة وفتح أمامي متسعاً للأمل.