المقاله تحت باب مقالات و حوارات في
26/07/2007 06:00 AM GMT
تسمع صوت الشاعر ( حسين ابو سعود ) في نثره المرسل وتتذكر لوركا عندما قال ( ممن ينزف ) ! كاتب قصيدة ( صهيل التعب ) جذبني الى مشاهده الدرامية ، رجل متوحد يقلب صفحات العزلة ويهمس خارجا من نفق معتم الى اخر مظلم و يكون نهاره كون بارد وليله قلق ، وحشة ، وجع ، واسى .. تماما مثل وطنه في عبثية انفاقه المتناسلة ، في قصيدته المكتوبة نهاية عام 2005 (أطياف اللون الأسود) نقرا : (في كل ليلة تنمو للوجع أياد جديدة/وفي كل يد ألف أصبع /وفي كل أصبع مئة مخلب / وفي كل مخلب عشرة خناجر /ومازالت قصة الجراح لم تنته / ومازالت قصة الأسى في أولها /في جوف الليل /يتطاول صهيل موحش يبلل التراب للكهنة /وطيور الظلام /يضع في فم الحزن /حزنا آخر ) كيف لا وهو واحد من الشعراء العراقيين في المنفى ممن كتبوا انجيل الحزن وركعوا على سجادة العصر في صلاة حائرة كلماتها السنة نار الروح الحزينة ، واذا كان السياب دراما سوداوية وبها وحدها انطفات شمعته مبكرا في قمة التوهج ، فان من رحل في زمننا سمعنا لتعبه صهيلا قبل ان يترك مستشفى العالم لنا وكل له سريره في الغربة ، لااطباء هنا ولا ادوية بل هذيان متواصل في فنادق الروح التي ينبعث من نوافذها رائحة شواء السنوات وقصاصات الشعر والسرد الدامعة ! اشكر السيد ( باختين ) لأنه استنكر التدخل في النص وتوجيهه في استبدال شئ باخر في الشعر خاصة ، ياسيدي ! وهل لدى الشاعر العراقي من حل اخر ينبغ به او يقترح عليه ؟ وهو الذي لم يكن سيزيفا في العالم فقط بل مطية ركبتها كل كوارث التاريخ التي عرفها العالم ! اكتب تسلسلا لعناوين نصوص له ، ثم اجد بان ماقالته له امه ( ولدت وفي فمك ملعقة من حزن ) هو مفتاح ايضا لتحولات حياته ليس القاسية فقط بل المستعصية ، في عام 1974 يغادر مدينة كركوك ويتنقل من محطة الى اخرى .. ( عمل في مهن كثيرة لا ربط بينها ابدا ، فهو لم يتخصص في حقل الا ان صنائعه زادت عن السبع ، فقد مارس الخط وقرأ القران ومثل على المسرح وأدار الندوات وكتب القصة والمقالة وحاول ان يرسم ، احب الحياة من طرف واحد ، اقبلت عليه الدنيا في بعض مراحل عمره فما نسي الفقر المدقع الذي عاشه في طفولته ، المولود في كربلاء -1954- والعائش منذ الطفولة المبكرة في كركوك قبل ان يغادرها ملاحقا بالمصائب الأبدية الى يومنا هذا منتظرا وفي ( جوف الليل ) وعلى (شفا الأنهر) في نهارات انتظار رسالة الموافقة على الأقامة الدائمية في لندن ! شاعر لاجئ بلا وطن ولااستقرار . فهو اذن ، الصوت الذي ودع نفسه واخرين ليرحل بهم المركب في البحر في رحلة اللا عودة ، هم الراحلون في نصه الموسوم ( العابرون ) وسيكتب في جوف الليل نزيفه واغانيه عن الماضي ، المراة ، المصير ، اغان من شفا انهر جفت لعيون كركوك الحزينة ، يتملى نهر ( التايمز ـ لندن) وكل شئ يتظاهر بالهدوء والطبيعية الا ان الحرائق داخلة لاتنطفئ وصخب وضجيج يصعق روحه ! عناوين ارتبها على طريقتي ستكون رسالته هو الينا من خلال نصوصه : (العابرون ، فن الموت بلا ضجة -->سجين في حي سكني-->عصافير الليل -->الظمأ في كل مكان --->نصوص جافة-->بعد منتصف الليل عقلي يكتب عني -->ما دعاك ان تموت مبكرا --->رشي ما شئت من الملح على جرحي--->فساتين بلا نساء--->في روحي شبق مؤلم -->حكايات الانهار التي جفت-->الموت مع النهر -->عرس داقوق-->طقوس الضياء -->خواطر ملونة على منديل الوطن -->ترنيمة وجد لعيون كركوك الحزينة --->صهيل التعب ) ! يظهر للعابرون صهيل التعب ومتن هذه المعادلة نفساني في جدولة عناوين ستطفو الى الذهن لتدون تعبيرا عن لاوعي المحنة وفي تفكيك شعري يترابط هما فقط في تيار الوعي ! تلك موضوعة المواضيع التي تنتظر نقاد الأدب في تحليل علمي ابداعي منهجي لعشرات النصوص العراقية الطليعية التي تنتظر العيون على رفوف الفن الجميل . غير ان نقادنا يتحاورون مع كواكب اخرى حول ، هل هناك شعر عراقي خارج كوكب الأرض ام لا ؟ اترك هذه المشكلة الآن لكي لااموت مبكرا في حكايات الأنهر التي جفت !!! ينصب ابو سعود لحياته كمينا اتمنى شخصيا ان اسقط فيه دوما ، الا وهو كمين المدن ! ذلك الشخص الذي كان يمسك كتبه صغيرا على جنبه حريصا على ان يرى الأخرين غلاف كتاب الأنكليزي وهو فتا يافعا .. ذلك الكائن الذي ناسخت الحرب العلقم مدنه ومسخت صبابتها والقته في مدينة : - وات ايز يور نيم ؟- ماي نيم از زكي !! .. في نصوصه الأخيرة اقرأ ل ( كالفينو ) اخر من اخوتي من جيلي الأملح الضائع ، واتوق دوما لغزل يتناص مع ( مدن لامرئية ) ذلك العجيب من الكتب . المسالة مع ابو سعود ان ( المرء مع من لايفهمه مثل السجين --> جلال الدين الرومي ) ! كيف لايكون للتعب صهيل وكركوك تعيش مخاضا تشعر بانه مسخ كافكا وهواجس غليفيك وكماشة عوليس القبيح ذا العين الواحدة .. ارى ذلك الكركوكلي يمشي متابطا غيمة ترى في وجنتيها شفق النار الأزلية وانت تخرج من منزل الراحل ( خالي يونان ) وانت تتجه الى نقليات كركوك مساءا وانت يابولس ترى رجلا بلحية بيضاء سيسافر بعد قليل الى منفاه وفي يده تذكرة مكتوب عليها ( صهيل التعب ) وستقول لنفسك -- ياه هذا هو طالب المحبة العتيق الذي اغرمت به عذراوات ينظرن الى حزمة كتب تميزه يحملها ( صفح ) .. ويطير فيلسوف مدنه خجولا حزينا بحاجة الى قطرة ماء من نهر لم يبق له سوى الأثر ! (..... مثل قطرة ندى ميتة / التصق باظافر الليل /اسير مهووسا بنقطة ضوء / يستهويني اكتناز الطحالب /حول الضفاف / والشهوة المتخفية /بين شفافية الضباب / التقي مع النهر / في شدة العذوبة / ومع الجبل /في شدة المراس / ومع الفجر في تشابك الاسرار / ومع النقيض في الغموض /ولكني كلما التقي نفسي في العراء / او في باب من ابواب المساء /انكرها / و بصمت يشبه رهبة الموت / تسير بي القافلة /طالعة نازلة /نحو مدن مطفأة المصابيح ....) هناك تناص في (اسير مهووسا بنقطة ضوء) و نقطة الضوء التي تتبعتها في نص لي قديم هو ( الضوء الطائر ) وكان هدية الى سركون بولص ... ذلك الضوء تظهر لنا الأيام اياه كسراب وحتى لو كان سرابا فنحن جيش شعراء الحيرة سنلاحقه .. حتى ولو توقف دجلة الحزين عن عكس الأضواء من على جسر الصرافية الذي طعن في الخاصرة .. دجلة الذي كتبت الراحلة اليوم نازك الملائكة بانه يلمع ! فكيف بنهر لم يبق له الا الأثر في ذاكرة ( حسين ابو سعود ) يحيا .. ( اعلم ان الموت وحيدا / له وخزات موجعة / في القلب / وفي الروح / واعلم ان كل شئ في هذه الدنيا / سيبقى بعدي /البساتين والمباني ورغبات النساء /ورطوبة المساء /ستبقى الطيور ويبقى الفضاء / وقبل ان تموت عذوبة النهر / في ملوحة البحر المخيف /وقبل ان اموت مع النهر / الذي يُدفع نحو العدم دفعا / قلت اجرب حظي /فهذه الدنيا واسعة.. ) يا لفجيعة شاعرنا الذي لايقدر على قتل بقة وهو يرى في حياته ، انهرنا تقطع وتقتل ! شاعرة برازيلية قالت لي في زيارة لها الى النمسا بان الناس تعشق السامبا والكرة البرازيلية وعاهراتنا غير انني عاشقة لنهر الأمازون الذي يدفنون الغابات من حوله ويقتلون الغامضين من سكانه التاريخيين حوله ! اعود الى العابرون للشاعر حسين ابو سعود لكي لااتوقف وانا المزاجي وابدا في كتابة رواية كاملة عنوانها ( صلاة على روح الأنهر ) ! تجد نفسا قصصيا في الشعر العراقي المعاصر .. ابتداءا ب (سعدي يوسف ) اليوم وانتهاءا بقصيدة 00964 ) ل (صلاح حسن ) والمشهد المحكي شعرا هو واحد من مقتنيات الشعر الحديث في العالم وما اسموه يوما بان كزار حنتوش الراحل يكتب (القصيدة اليومية) لم يكن اكثر من قصص شعرية قصيرة جدا .. تعكس طيبته المتوحدة مع قصص شعبه الذي يموت في مدنه وارضه مع انهره تماما ، وذلك مايدعو ( حسين ابوسعود ) ليكتب عن زوال المدن وموت الأنهر ! ونهر ( هيرمان هيسة ) الذي وقف ( سدهارتا) ليتعلم من حواره الثنائي معه .. اصبح لنا اليوم رواية شعرية في وقائق نحلم بها ! عاش ابو سعود مع الهندوس ورهبان معتقدات انسانية مختلفة تعاطف ايضا مع نساء الأرض لكن النساء في حياته مقدسات ولهن مكانة امل في المناجاة والأنقاذ ! وعرفناه نحن ايضا في كل ماكتبه ، نحن (العابرون ) : (في الصبح المبلل بأحزان الليل / يقف العابرون على جانب الرصيف /عيونهم الصفراء تحكي قصص النزيف /وقصة الخريف المهيمن على باقي الفصول /يلتقي العابرون في نقطة تطفح بالاشتهاء / وارتعاشات المجهول / ينزل رذاذ المطر / على جسد السفر فيزداد شبقا /فيرقص الشجر على هراء العبور / وعلى امتزاج الألم المعتق بالسرور /وعلى الفتور الذي يلتف كالقيد على معصم الشعور / وعلى اهتزاز الخلجات /بوابة الميناء نزعت عنها ثياب الخجل / وعرضت خديها للعابرين وألوان القبل /وتستعجل الرحيل قبل الوقت / وقبل ارتداد الصدى من جوانب الصوت / والشمس التي تحرسها /تفتش أمتعة العابرين / تصير أضحوكة / تبحث عن قوارير العطر والرغبات /وبعض العشب / ويرحل العابرون الواحد تلو الآخر / ويبقى الصمت / وتبقى الوحدة / وسمكة ميتة ......) اليس هو من يتذكر الى لحظة عبوره الأخير خارج هذا العالم قولة امه له : ( ولدت وفي فمك ملعقة من حزن ) !! يقول موريس ميترلنك في مسرحية العميان : ( انا لاابصر الا حيث احلم ) تامل نقدي كتبه : بولس ادم
لينز - النمسا 20-6-2007
بولس ادم poles_adam@yahoo.com
|