شيركو بيكه س:العرب لا يدعوننا إلى مهرجاناتهم ولست راضياً عن ترجمات قصائدي |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات على مسرح بابل في بيروت، أحيا الشاعر الكردي شيركو بيكه س أمسية شعرية توزعت فيها القراءات ما بين لغته الأم واللغة العربية، من خلال ترجمات لقصائده، كما شارك عازف العود زبير العوادي بمقطوعات. وشيركو هو واحد من أبرز الشعراء الأكراد الحديثين، استطاع أن يفرض حضوره ومناخاته في الخارطة الشعرية الحديثة. حول زيارته إلى بيروت كما حول بعض قضايا الشعر، كان هذا الحوار. لنبدأ من "الحدث" إذا جاز التعبير، أنت اليوم في بيروت لإقامة أمسية شعرية. ماذا يعني لك شخصيا أن تأتي إلى بيروت؟ وهل تجد أن المدينة لا تزال تقيم في خرافتها التي نُسِجت حولها؟ -أعتبر أن بيروت هي مدينة الشعر والفن والجمال ولها تاريخ طويل لجهة حرية الأدباء والفنانين والكتّاب. منذ الخمسينيات وثمة حرية لا بأس بها، ثمة ديموقراطية ما، لذا فإن إقامة أمسية شعرية في بيروت، تكمل بالنسبة إليّ الأمسيات الأخرى. لي هنا أصــدقاء عراقيون، أكراد وعرب، كما أصدقاء لبنانيــون، فاقترحوا أن نقيم أمسية شعــرية. أعتقد أن حيوية الشعر في إلقائه، وأنا أعتبر الشــعر سماعياً أكثر مما هو قراءة صامتة. إذا كان الفـن التشكيلي بصريا فللشعر علاقة بالأذن، إنه سماعي أكثر، فالقراءة الصامتة تجعل الشعر منكمشا أكثر، إن التحليق في إلقائه. لكن لأستدرك، لي لذلك علاقة بشاعرية الشاعر، هناك شعراء كبار لا يلقون بشكل جيد ولكنهم من المبدعين. مثلا، عبد الله كوران رائد الشعر الكردي الحديث لم يكن يلقي جيدا، وكما أعتقد السياب كان كذلك أيضا. ولكن أدونــيس ودرويش يلقيان جيدا. لذا فإن حضور الشاعر لإلقاء قصائده، إذا كان إلقاؤه جيدا، من دون شك ستبدو الأمسية أجمل. لذا أحاول في هذه الأمسية أن ألقي بعض القصائد باللغة الكردية نفسها كي يستمع المتلقي لإيقاعات الشعر الكردي وأوزانه. وكما تعلم فإن الترجمة تعتصر الشعر وتجففه. في المحصلة العامة، أعتبر أن هذه الأمسية ضرورية للتواصل مع المتلقي أكان كرديا أم عربيا. تطرح قضية جوهرية حول الشعر وهي الإلقاء، أي أن ذلك يقودنا إلى عامل اللغة. أترى أن اللغة هي أساس الشعر؟ - الشـعر يعني أساس اللغة، في اللغة ترى قدرة وموهبة الشاعر وفضاء وجــمالية القصـيدة. بدون لغة لا شعر. واللغة يجب أن تكون عالية الإلقاء، وهي الألوان التي يعمل بها الشاعر من خلال رؤيته وخياله وكذلك إبداعه في الصياغة الجديدة له. كما تعلم لغة الشعر مجازية لذلك نجد أن للخيال كما للرؤية الدور الأساس في بناء القصيدة الجديدة. فاللغة الركيكة أو غير المحلقة لا تولد قصيدة حديثة. هناك قول لماياكوفسكي يقول فيه »إن الإلقاء هو نصف القصيدة«. لا أعني باللغة الشعرية الجيدة لغة الإقفال. تعني عدم تحويل القصيدة إلى فضاء مغلق؟ - وطلاسم، دائما كانت القصيدة الجيدة، الرائعة فنيا، تكمن في بساطتها ولا أقصد بالبساطة السذاجة، لكن البساطة المعمقة، وكما يقول العرب »السهل الممتنع هو الشعر الكبير«. أصعب القصائد باعتقادي هي التي تكتب بهذه البساطة. نحن نقرأ القصائد العالمية ونتذوقها ونشعر بنوع من التواصل معها حتى في ترجمتها، لكننا نقرأ هذه الأيام قصائد ـ أكانت عربية أم كردية ـ لا نستطيع متابعتها حتى النهاية. بسبب انغلاق فضائها؟ - نعم وبسبب تقفيل اللغة. في اعتقادي أن القصيدة الجيدة لا تفتح أبوابها كلـها مرة واحدة ولا تغلقها كلها، هناك وسـط ما، علينا أن نجده، أي أن لا يعتبر المتلقي انها قصــيدة ســاذجة وفي الحالة الأخرى، أن لا تكون أبوابها مــغلقة، لأن الأمرين يقودان إلى الأمر السلبي عينه. ذكرت اسم عــبد الله كوران، ونحن نعرف أنه احد أبرز الذين شكــلوا الحداثة الشعرية في القصيدة الكردية الحديثة، أولا هل لعب كوران أي دور في تكوينك الشعري، وثانيا، هل نستطيع أن نتحدث عن شعر عربي ما أثر أيضا في مشهدك الثقافي؟ - هذا صحيح، عبد الله كوران هو رأس الجسر الشعري الكردي الحديث وكان متأثرا بالأدب التركي الحديث، ما بين الحــربين العالميتين وكان يجيد التركية والعربية والفارسية والانكليزية مثلما كان متأثرا بالأدب الرومنسي الانكليزي، لذا فإنه فتح طريقا جديدا في الأدب الكردي الحديث. لقد رجع إلى لغة الناس على العكس من الشعراء الكلاسيكيين الذين كانوا يتمتعون بلغات شعرية صعبة. كما أنه عاد إلى الأوزان الفولكلورية فاستعملها بدلا من العروض العربية الكلاسيكية. ثانيا، لقد حاول أن يكتب القصائد الطويلة، الرحلات الشعرية، وهذا أمر كان جديدا. بدا أيضا بكتابة اوبريت كردية قصيرة، وكانت صوره صورا جديدة في وقتها. لجأ إلى تشابيه جديدة تاركا التشابيه الكلاسيكية المعروفة. أضف إلى ذلك أنه كان مترجما جيدا من الانكليزية إلى الكردية، وعمل في وقت ما محاضرا في جامعة بغداد، قسم اللغة الكردية، لذا فنحن تأثرنا بقاموس لغة كوران أكثر مما تأثرنا بالشعراء السابقين التقليديين. الشعر في أي بقعة من العالم يتأثر بعضه بالبعض الآخر وقد تعلم جيلنا اللغة العربية ومن خلالها كانت لنا قراءات من الشعر العربي أولا للشعراء العراقيين البارزين أمثال السياب والبياتي وبلند الحيدري كذلك اطلعنا من خلال هذه اللغة على شعراء مصر ولبنان وسوريا، الخ... هل حاولت أن تكتب مرة بالعربية؟ - كتبت جميع قصائدي، ولحد الآن، بالكردية وتُرجمت من قبل الآخرين. لكني في مرات قليلة، أترجمها بنفــسي إلى العـربية، في صياغة أولى، قبل أن يصوغها آخرون. يعــود السـبب إلى خفايا اللغة الأم، لا نسـتطيع أن نمــسكها في لغة أخـرى، لذلك لا أغامر بالكتــابة باللــغة العربية وطـبعا هي لغتي الثــانية لكن الإشكالية في الترجمة تبقى دائما، لأني غير راض عن الكثير من الترجمات إلى العـربية إلا قليلا منها. ثمة الكثير من الشعراء اعتبروا أن الوطن هو اللغة. أنت كشاعر كردي، هل تشكل الكتابة بالكردية، عندك، وطنا أم منفى؟ - أعتبرها الأمرين معا. حين تعيش في وطن لا يحترم حقوق الإنسان وحريته فإنه في هذه الحالة، بمثابة منفى، لكن إذا كان الوطن يمثل حرية للجميع وتشعر فيه بنوع من الطمأنينة النفسية، فحين ذاك تعتبر أن الوطن لغة أيضا. بيد أنه في الحالة الأولى، وإذا كان الوطن مثل المنفى فاللغة تكون لغة غريبة أيضا، غريبة داخل الوطن، لأن الغربة ليست في البعد الجغرافي فقط، إنما البعد النفسي له تأثيرات عميقة داخل التجربة الشعرية للشاعر. والقدسية ليست شيئا ثابتا سواء أكان الوطن أم اللغة أم أي شيء آخر. كيف تنظر اليوم إلى واقع الشعر الكردي؟ - للشعر الكردي اليوم خارطة كبيرة وواسعة، ففي أجزاء كردستان المتفرقة، هناك حركة شعرية، لكن كل حركة تابعة للجزء الذي يكتب فيه. مثلا نجد أن الحركة في إقليم كردستان العراق حركة كبيرة بسبب هذا النوع من الحرية التي نتمتع بها ونكتب بها، ولنا إصداراتنا ومجلاتنا الخ... وهذا ما يختلف عن كردستان إيران التي لغاية اليوم، ممنوع أن تدرس فيها اللغة الكردية، وكذلك في تركيا وسوريا. من هنا ان الحركة الشعرية تتبع الحرية بمعناها الواسع. هناك جيل جديد من الشعراء الجيدين والمبدعين الذين أتوا بعد جيلنا. لكن الشيء المهم واللافت انه في العشرين سنة الأخيرة برزت كوكبة من الشاعرات الكرديات الجيدات. طبعاً هناك في واقع الشعر الكردي ـ كما في واقع الشعر العربي ـ تيارات مختلفة في كتابة القصيدة. فهناك قصيدة نثر وهناك توجه إلى كتابة النص المفتوح والاقتراب من شعر الأغنية أكثر، لكن دائما هناك قلة من الشعراء ستبقى، سواء عندنا أم عند غيرنا. غالبا ما ذكرت في هذا الحديث كلمة الحرية، كذلك نجد أن هذه الكلمة حاضرة بقوة في شعرك. هل الشعر هو الحرية وعن أي حرية إنسانية تتحدث؟ - الحرية هي بمثابة هواء للشاعر فالإبداع وكتابة الشعر له علاقة عضوية بالحرية. ففي جو الحرية لغوياً وحياتياً ـ ينضج الشعر. نعم هناك ثالوث مهم في قصائدي وهي الطبيعة الكردستانية التي ترعرعت فيها ما بين الجبال والوديان والألوان وكذلك المرأة من والدتي إلى النساء الأخريات: الصديقة والحبيبة والزوجة... كان تأثير والدتي فيّ كبيرا جدا، فهي التي روت لي وأنا طفل الحكايات الكردية والأساطير وغنت لي بصوتها الجميل الأغاني الكردية، وبخاصة في ليالي الشتاء، وهي ثانيا بعد وفاة والدي كانت بطلة حياتنا. ثالثا، الحرية بمعناها الوجودي والسياسي أيضا. منذ أن تفتحت أعيننا وجدنا وطنا مكبلا وشعبا مذبوحا، بخاصة في الثلاثين سنة الأخيرة خلال حكم صدام حسين، حيث أبيد أكثر من ١٨٢ ألف كردي في عمليات الأنفال سيئة الصيت، كذلك في قصف مدينة حلبجة بالكيماوي عام ١٩٨٨ وما أدراك ما عام ٨٨ بالنسبة إلينا. لكن الشيء الذي أريد أن أقوله هنا عتبنا الكبير على كثير من المثقفين والكتاب والفنانين العرب الذين صمتوا إزاء ذبحنا، لكن لن أنسى أن هناك قلة من الأدباء والفنانين والشعراء كانوا معنا في تلك الحقبة المظلمة، فكتبوا وغنوا لنا لكن مع الآسف كانت الكثرة في قسم كبير منها مع السلطة. كنا نرى على شاشة التلفزيون مظاهرات ترفع صورة صدام حسين، فلن ننسى ذلك، لكن نستطيع أن نتوجه إلى المستقبل في علاقات جديدة لطي صفحة الماضي. فهذه نقطة كان يجب أن أقولها حتى يفهم بعضنا البعض الآخر. كانوا يروننا مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، لذا فإن الشعر الكردي أو الأدب الكردي كان في هامش الثقافة العراقية. مثلا أنا، أو الكثير من الشعراء الجيدين الآخرين، لا ندعى إلى أي مهرجان شعري عربي. هناك من يعرف العديد من الشعراء في أميركا اللاتينية أو استراليا الخ، ولا يعرفون شاعرا كرديا واحدا من عندنا. طبعا هناك إشكاليات أخرى في الشعر الكردي، أكراد سوريا حرموا من لغتهم الأصلية كذلك في تركيا. تجد الكثير من الكرد في سوريا يكتبون بالعربية أمثال سليم بركات وهو كاتب كبير، لكن أجواء قصائدهم أجواء كردية. |