عن رواية سيد بغداد : الخطأ القاتل استخدام شخصية معروفة في واقع متخيل

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
20/07/2008 06:00 AM
GMT



من المسلم به أن كتابة الرواية المستندة علي أحداث واقعية تتطلب اشتراطات عديدة وأولها أن تتكامل الحقائق مع الخيال في نسيج حقيقي حتي لا يكون المؤلف مسؤولا عن اختلاطات تؤذي التاريخ وأحداثه كما ستروي لاحقا عبر أصوات الحقيقة او عبر أصوات الزيف.
وكثيرا ما سمعنا بأن الرواية هي إضافة حية لوثائق المؤرخ وعلي الراوي أن يجيد لعبة السرد والتوثيق ليكون مساهما فاعلا في نقل الأحداث التي حصلت فعلا دون أن يكون مزيفا كما قد تفعل السياسة وهي تقود المؤرخ الي الأماكن التي تغازل فيها جرائمها وتزينها كما يجب.
رواية - سيد بغداد - الصادرة عن مطبعة مدبولي في القاهرة لمؤلفها الدكتور محمد طعان، هي محاولة لنقل ما نشرته وسائل الإعلام وتقارير بعض البرامج التوثيقية عن وقائع أحداث العراق في ظل النظام السابق والمتغير السياسي الذي تلاه، وجعلها في صورة رواية سردية تمكنت من قراءة الأحداث بطريقة مقاربة من الحقيقة ومنفصلة عنها بذات الوقت.
المؤلف دخل الي الرواية بتوظيف جيد كان من الممكن استثماره فنيا فيما لو اقترب جيدا من ثقافة المجتمع العراقي الذي يرفض ويقبل بعض الممارسات استنادا الي موروثه في جانب الاعراف والتقاليد - وعبر النقاط والمؤشرات التالية:
طرحت الرواية شخصية - السيد - الشخصية الدينية المهمة الذي يقرأ التعازي الحسينية في كربلاء التي لجأ إليها هاربا من أهوار الناصرية صحبة ابنه الشيوعي الذي انفصل عما يؤمن به الأب ويمارسه ويكرس له حياته ثم مقتل هذا الابن بسبب انتمائه الايدلوجي والعثور عليه في المقبرة الجماعية.
زوجة الابن نكتشف أنها كاولية - غجرية - تنتمي الي حلقات الرقص التي كانت تقام لامتاع الرجال وربما أعطي المؤلف خلفية قبول فكرة الاقتران بها من رجل ليس من الغجر استنادا الي اعتباره - شيوعي - له مرتكزات خاصة بالتعامل مع الأعراف والتقاليد السائدة مجتمعيا إذ قد يرفض ويقبل بعض السلوكيات استنادا لرؤياه الخاصة لها.
أهل الأهوار الذين تمت تسميتهم خطأ في الرواية بأنهم المدانيين - وربما كان يقصد - المعدان - وهم مجتمع خاص له إشكاليته المتفردة عن باقي شرائح المجتمع العراقي لكنهم لا يمكن أن يقبلوا الاقتران بالغجر هم شيوخ وعشائر خاصة - وقد اعطي المؤلف لشخصية آمنة زوجة ابن السيد التصرف عبر خلفيتها كغجرية لا تتقيد تماما بقواعد النساء الأخريات تقبل بأن تمنح جسدها للآخرين بسهولة وأن تتنقل بين المدن كما تريد وتنام في الأماكن المهجورة وتصادق من تشاء - ولو افترضنا كل هذا ممكنا فإن الغجر في العراق لا يؤمنون بالدراسة والعلم حتي ولا بدراسة الفنون وإن كانوا يختصون بالرقص والطرب والغناء لكنهم لا يدرسونها أكاديميا إلا أن المؤلف أعطي لشخصية الزوجة الكاولية تفردا مختلطا لا يمكن تقبله استنادا الي أرض الواقع العراقي. وإذا ما عرجنا علي من هم الغجر فسنجد أن الكاولية ومفردها كاولي هم مجموعة سكانية عراقية تنتمي إلي مجموعة الشعوب الغجرية التي تعود جذورها إلي شبه الجزيرة الهندية ودلتا السند. يشكل الغجر العراقيون أو الكاولية أقلية عرقية في العراق حيث يتراوح تعدادهم ما بين ال50 ألف نسمة وال 200 ألف ويسكنون في قري وتجمعات بشرية عادة ما تكون منعزلة علي أطراف المدن والبلدات. حيث توجد للكاولية تجمعات سكانية في محافظة بغداد والبصرة ومحافظة نينوي إضافة إلي بعض القري في سهول جنوب العراق في المثني والديوانية وغيرها. وتسميتهم بالكوردية قَرَجْ وفي بلاد الشام يطلق عليهم ب النَوّر وأسماء مختلفة حسب اللغات والبلدان التي ينتشرون فيها سواء في أوروبا أو قارة آسيا . وارتبط اسم الكاولية في العراق بالضرب علي الإيقاع والرقص، مرتبطة بنظرة دونية لهم من قبل المجتمع العراقي بشكل عام.
الخطأ القاتل في الرواية استخدام شخصية - وطبان - وكان علي المؤلف ألا يستخدم شخصية معروفة في واقع متخيل ترفضه الوقائع والأحداث العراقية الموثقة - وطبان الاخ غير الشقيق لصدام حسين كان فعلا من هواة الغجر وتقام له الاحتفالات العارمة معهم لكن ما لا يعرفه المؤلف أن وطبان قد أطلق عليه عدي ابن صدام النار في التسعينيات وبترت ساقه واختفي عن المسؤولية الإدارية والظهور العام منذ ذلك الوقت، لذا لا يمكن أن يطارد فتاة غجرية هم يحتقرونها في دواخل أنفسهم ولا تمثل لهم غير لحظة المتعة العابرة، يطاردها وهو مبتور الساق ويتخذ من معسكر الرشيد الذي تم تفكيكه من قبل الامريكان والسكان وبيعه كخردة مخبا له ليلتقي بها عبر استدراجها من قبل أحد عملائه، ثم هو من يظهر ويغامر باكتشافه وسط حشود شيعية لمجرد أن يقتل شخصا يعتقد أنها فضلته عليه . وبالرغم من أن المؤلف لم يشر الي كونه شقيق صدام واكتفي بتسميته وطبان وهو اسم فريد بالعراق - حتي لو افترضنا هذا جدلا فلا يمكن لمسؤول أمني مهم سابقا ان يجعل من معسكر الرشيد الذي سكنه الفقراء وأغلبهم من الشيعة ملاذا آمنا له.
شخصية جيمي الضابط الأمريكي تم الاشتغال عليها بذكاء لإظهار أن الشعب الامريكي يرفض أن يقاتل بناء علي كذبة أقنع بوش العالم بها ثم ظهر زيفها، استخدامه في الرواية كان يمكن تطويره أكثر وإقناع المتلقي أكثر بما يجعله يغير دينه ويسكن الأهوار بناء علي رد فعل إنساني تجاه فتاة تم اغتصابها ليعرض عليها الزواج إنقاذا لها من القتل.
تحرك الشخصيات لم يكن خاضعا لشروط التشكيل الفني المتوجب لعمل روائي - تظهر وتختفي - تتلاقي وتتفاعل بطريقة دراماتيكية فنطازية تذ كرنا بالأقدار المرتبة بعناية من قبل المخرج في الأفلام الهندية وبعض الأفلام العربية.
وكان علي المؤلف أن يعرض الرواية علي شخصية عراقية لترد أسماء الأماكن والأشخاص وتواريخ الأحداث بطريقة صحيحة لثقافة وأحداث العراق المعاصر.
الشيعة - تم التركيز عليهم بكثافة في العمل ورويت أحداث تاريخية في المتن الروائي عن الإمام الحسين ومعاوية ويزيد وحتي المقتل كما نسميه عراقيا وهو رواية حادثة الطف وكيف استشهد الحسين علي يد أعوان يزيد تم إقحام هذه الفصول بطريقة غير مبررة ولم تخدم النص.
عموما الرواية جهد جيد حاول أن يقول كلمته تجاه بلد عربي وأن يكون مساهما في توثيق ما حصل عبر رؤية فنية بسيطة وواضحة وتخلو من التعقيد والبحث فيما وراء النص او إرهاق القاريء بإحالات منشطرة.