عزلة أورستا |
المقاله تحت باب قصة قصيرة عوى ضبع ليلي صحراوي تحت الجلد، في حين كان الثلج يهطل منذ عدة أيام، وكانت شاشة التلفاز تعرض فيلما خاصا عن الحرب. كنت أستطيع رؤية الأشياء في الخارج عبر النافذة الواسعة المطلة على الشارع والخليج والغابة المجاورة. كنت موزعا بين حضور الثلج وبين غياب الصحراء والريح تعوي في الخارج. أنا هنا إذن وجه لليل الصحراوي، لضبع الشهوة، للفراشات الميتة في حقول الألغام، الفراشات التي تقول عنها أسطورة بوذية انها تحط على صدور الميتين المهزومين وصدور النائمين المنتصرين. وجه آخر للوحة كلود مونيه وأزهار الماء. قال لي قاسم شريف قبل ساعات عبر الهاتف من بيرغن: انقطع الخط لكن لوحة القنطرة( كلود مونيه) هجمت علي من الجدار مع رائحة أزهار ربيعية ونهار عذب وعشب مبلل بالضوء والنهار والسر. أما مصباح الشارع فقد بدا تحت الثلج المتساقط وداخل هذا الليل الاسكندنافي الصريح الأبيض، كفنار مضيء في متاهة ثلجية بيضاء. قررت النزول إلى القبو أو عرين الأسد كما تسميه كاترين أو مأوى الأرواح كما يسميه قاسم شريف أو العالم السفلي كما أسميه أنا أو البرزخ كما يسميه يوسف البابلي. نزلت وأنا أردد أغنية سومرية: عند النزول إلى القبو نسيت أن أشعل المصباح. تذكرت قول بورخيس: من فرط التفكير بالخلود، تركنا الغسق يطبق دون أن نشعل المصباح. كنت أهبط فعلا إلى مثوى أسطوري. لم تعد الصور واللوحات التي أضعها على جانبي السلم مرئية في هذه العتمة. صور صحارى وغابات وقناطر وطيور ونجوم وحدائق ونساء على سواحل بحار أو غرف نوم أو على خيول برية، صور اسود وفهود وثيران ومعابد وعربات ملكية تجرها أيائل أو اسود. وكانت الأغنية تتردد: كانت كاترين الهاربة هي الأخرى من العتمة والضجر وحروب العزلة والثلج، تتعرى داخل القبو أو عرين الأسد دون أن تكف عن النظر إلى قرون الأيل المتشابكة والمتوهجة تحت ضوء علوي. كان للعري مهابة الموت والضريح. كنت أقود كاترين إلى القبو بشعور صقر أو أسد أو ضبع يقود فريسته إلى عرينه الخاص، إلى جحر الموت واللذة والسقوط والجمال والجنون. ـ أين أنت؟ صوت قاسم شريف عبر الهاتف. سمعته يتحدث معها: يوما جلسنا، كاترين وقاسم وأنا، في مطعم وبار تقليدي على الطراز القديم في أورستا. أكلنا وشربنا على ضوء شموع هادئة وتحدثنا كثيرا عن الحرب والصلاة والجنس والجنون والسفر والعنصرية والدين والثلج والصيف والبحر والصخور وبابل والتوراة والقران والحرية والموت وطقوس دفن الموتى وصلاة المطر والحب وجنون العرب بالخيل والخمر والنساء والحيوية والشعر. قالت تلك الليلة: ـ قاسم شريف وجهك الآخر. رأت أصابعي الفجر يخرج من بين قمم الجبال الغارقة في الضباب والنور السماوي الشفاف. أصابعي ترى كما يسمع جلدي. ليس فجر الخطوط الأمامية المحمر، بل فجر الحافات الجليدية. من داخل القبو، على الضوء الناعم، بدأت بصعود السلم الحجري إلى السطح مرورا بصور ولوحات ومنحوتات لأسد بابل وعربات ملكية تجرها أيائل وثعابين تلتوي على أشجار وأجساد ونهود عارية، وخنادق حربية، وصور قتلى تحت الأنقاض، وشوارع من رماد، ومحطات قطارات ومطارات وحدود وجبال ومخافر وشرطة واسلحة ومراقص وثكنات وسجون وأسلاك شائكة وبحار وسواحل...مساحات الصعود الأخرى متروكة للخيال. قررت الخروج في هذه العاصفة الثلجية والتجوال في الشوارع. كلمة تجوال ليست دقيقة. إنه تيه. هذا الضرب من التيه جربته مرات. إنه نوع من الهرب أو البحث أو الشهوة. خرجت إلى العاصفة ودخلت فيها كما يدخل دب قطبي في متاهة الثلج، أو كما يدخل درويش في حلقة نار، أو كما يدخل عربي في صحراء الغبار، أو كما يدخل المرء في عرين جسد، أو كما يرمي جواد جسده في وجه جدار ليلي تحت نجوم عريقة في القدم كصحراء سحيقة. في البوتيك مر معطف من أمامي. مر خطفا كوهج أو برق. عندما كنا ندخل البوتيك قاسم شريف وأنا كان يقول: ـ أنظر.سرب من غزلان جهنم. يغرق في صمت رهباني ويقول كما لو كان يحدث نفسه: ـ قضينا العمر بين أغاني الحرب وخطابات الرئيس وافتتاحيات الصحف والمنشور والسجن. هل تعرف أنني ولدت على يد قابلة عمياء؟ قالت لي نرجس الفتاة التي كنت أستأجر غرفة في بيتهم في راولبندي أن اكون حذرا من عقارب المنزل لأنها تخرج على ضوء القمر في الصيف للتنزه والصيد. نرجس خليط من فتاة العائلة والعاهرة والبراءة البدائية المتوحشة. قلت لها يوما في ظهيرة صيفية مشتعلة في السرير حيث الغبار والصمت واللهب والكلاب وحدها في الشوارع: ـ هل تعرف العائلة؟ قلت على غير توقع مني:ـ ومع حراس البنك الدولي، وصندوق النقد، ومنظمة التجارة العالمية ونمور التاميل وجبهة تحرير مورو ومجموعة البنوك السويسرية، ودراويش كراجي، البوليس المحلي.. هل انت آسيا؟ كان شَعر عايدة الفارسية يطير على الحيطان حين تسكر. تسكن شمالي طهران وفي منطقة تجريش الأرستقراطية وتجار البازار. تخصص هذا الوعل الفارسي كما يسميها قاسم شريف بالفاريين العراقيين. قال قاسم أنه شرب في بيتها عرقا محليا سريا وبدأ يحدثها عن ايوان كسرى الموجود في المدائن، لكنها رفعت نهدها كما يرفع الانسان حجرا وتريد ضربه. قالت عايدة في الغضب والسكر والمرح: ـ قضيب عراقي أفضل عندي من كل معارك رستم! قال قاسم مرعوبا حتى اثناء الحكي: ـ خفت أن تنزل الى الشارع وتهتف بذلك ونحن في عام الحرب الأخير. ربطتها الى السرير وكممت فمها حتى نامت وخرجت الى الشارع والثلج يسقط في تجريش ومررت بقصر نيافران قصر الشاه الملكي ورايت اشجار السرو غاطسة تحت الثلج واضواء ناعمة تنبع من غرف القصر. شعرت بكآبة قصور ملكية مهجورة. فطنت على حقيقة أخرى للمشهد، حقيقة كوني هاربا متسكعا حزينا. شعرت مهما كلف الأمر أقل خسارة من امبراطور مهزوم ومُلك مضاع. كان قاسم شريف يصاب بنوبة حنين إلى منزل عايدة، لكني أحبط المحاولة دائما بالجملة ذاتها: ـ فكرة جيدة. لكن الجلد في ميدان عام ليس فكرة مريحة. قلت مرة: قاطعني: ونرجس؟ سألني قاسم شريف ونحن نصل الى تقاطع طرق في مركز بيرغن: ـ ما هي حكاية الجلاد الأصلي؟ هل هناك آخر؟ عطر ومطر ناعم ورائحة وجود بشري كثيف. بيرغن مدنية عريقة واضحة صريحة. تختلف عن طهران المعتمة والمتناقضة. طهران تحتضر تحت الرايات والأناشيد والصور. مخلوق يتفسخ في قلب نهار آسيوي محرق. سألني قاسم شريف فجأة: ـ هل يمكن وضع هؤلاء الكتاب في سلة واحدة؟ قال قاسم: ـ لا أعتقد أن هؤلاء خرجوا احتجاجا على مبدأ الظلم، بل على مبدأ الإفلاس. لم يحتجوا على دولة ظالمة، بل على دولة مفلسة. لا أدري أين قرأت عبارة لهنري ميشو: "في غياب الشمس، تعلم أن تنضج تحت الجليد". ظهرت المداخن. ثم ظهرت بعض الوجوه من خلف النوافذ. انا، إذن، لست في برية البياض، والغسق الجليدي الذي يذكر بنهايات التاريخ، غسق نهايات الحكاية، غسق البوم وهو ينعق على اطلال الزمن، غسق الخراب والرايات، غسق نرجس، غسق عري عايدة وهي تطحن داخل السرير قرب الرايات السود، واحتفالات الموت التاريخية، غسق قاسم شريف وهو يرقص في الكراند كوفيه كحجل هارب من الحشد، كغزال نافر ومذعور من سقوط المطر، خشخشة الأوراق في الغابة، غسق كاترين وهي تنزل إلى القبو على ضوء الشموع وأنا أردد معها( بعد أن تطفئ القمر، وتسحب المزلاج) غسق عمر الخيام وهو ينبثق من فم عايدة ومن عينيها الرماديتين كبحيرتين مصنوعتين من النار والرماد والنهار الماطر. نحن خرجنا يا عايدة من المنفي إلى المنفى وتلك ليست أوطانا، بل هي زرائب. تقول: لا أفهم يا خويه كلامك. كانت تجيب صامتة وهي تغرق في الخمر حتى الفجر. إلى اليوم كلما تذكرت تجريش وجبال البزر والشرطة السرية وتمثال فردوسي خطرت ببالي صورة عايدة وهي تصرخ أو تتوهج تحت النور المنبثق من لوحات العصور الغابرة. أمام البحر وقد عادت الشمس إلى الشروق مرة أخرى، شعرنا قاسم شريف وأنا بحجم الخسارات القديمة. قلت: ـ هل جئنا لنعيش أم لنتذكر؟ لم يجب. كان غارقا في لجة داخلية. قلت: ـ بحر، حرب، سجن، هروب، عواصم، لغات، ثلوج، صحارى، عزلة، حنين، خمر، صلاة، أشعر أحيانا انني مجمع أرواح. كان البحر مضطربا كروح نرجس وقاسم وأنا وعايدة وهذا النهار البيرغني الصريح الذي لا يشبه النهارات الآسيوية، وكانت الأجساد تستلقي على الساحل عارية تماما. ليس في هذا المكان من يرتدي شيئا، حتى البحر والصخور والأفق، إلا قاسم وأنا. كان يرتدي معطفه الأسود، معطف الشتاء والصيف، معطف السفر والغرام والسهرات، معطف الفواتح وزيارات قبور الغرباء، معطف السينما والكاليري والصالة والبوتيك والقطار والمصطبة والرقص. أما أنا فقد كنت ارتدي سترة الشتاء والصيف والخريف والربيع والجليد والشمس والعاصفة والنوم والعتمة. قال قاسم: ـ هذا العري رغم اثارته يبدو مطمئنا كصلاة أو ترتيل كنسي أو موسيقى دينية. أعتقد أنك قلت مثل هذا الكلام يوما؟
مرة قال لي قاسم حول وصفي له في رواية( الأعزل) في كازينو ومرقص الكراند كوفيه: ـ خفت من هذا الوصف. كنت تقول:" لمحت قاسم شريف في قلب الحشد ضائعا، مستفزا، كحجل جبلي. كان صورة من ذاكرتي الهرمة. كان جرحا ناعما في الكراند كوفيه. كان خدشا في هذه الموسيقى" هل تعتقد أن الأمر على هذا النحو تماما؟ قلت لسليم مطر عبر الهاتف من جنيف: ـ متى نكبر سليم؟ أجاب: ـ لا أدري. صدقني لا أدري. قلت : ـ كأن قدرنا أن نظل مشردين وقدرهم أن يكونوا زعماء. هنا تكمن جذور النظام الفاشي المقبل. المستقبل في خطواتنا الآن وهؤلاء أسوأ انواع النخب السياسية في العالم. توقفت قليلا وسألته: ـ سليم هل انت معي؟ أجاب بصوت مبحوح: ـ معك تماما. قلت :ـ هؤلاء يجب أن يحاكموا في المستقبل بتهمة المتاجرة بالعراق هنا أو هناك. ليس من المعقول أن تعود هذه الحثالات من المنفى عودة الأبطال هم الذين تاجروا بلحم الوطن والناس ومطاردة الشرفاء حتى في المنافي ونصبوا أنفسهم قضاة على هياكل وأشباح بشرية كانت تريد العيش، مجرد العيش، في منفى مقرف. قال سليم بصوت مبحوح: ـ والحل؟ الثلج، الثلج. ثلج، ثلج. ها هو جرس الباب يرن. إنه يوسف البابلي جاء في هذه العاصفة الثلجية من عزلته الجليدية البدائية. قلت: ـ في هذا الجو العاصف؟ ـ في هذا الجو العاصف. هل يضايقك؟ يوسف البابلي رمح عراقي قديم من زمن الانقلابات والأحزاب والمظاهرات والزلازل السياسية. فر أواخر السبعينات إلى بيروت، دمشق، صنعاء،وارشو، براغ، موسكو.. قلت: ـ أنت بندقية عتيقة من الزمن العثماني. اقول له:ـ والحداثة والشعر والتمرد الوجودي ورامبو وسارتر وكافكا وكامو وبيكاسيو وماركس والسريالية وبريتون وفرويد ومشاريع الكفاح المسلح؟ يرد علي بحدة: ـ أقول لك كنا في منفى. هل تفهم؟ مرة اتصل بي يوسف وقال بلا توقع: ـ غدا مسافر مع جثة!
قال يوسف بعد رحلة التابوت: ـ الموت أفضل من تلك الرحلة. قلت: ـ لكن المفارقة ان عاشور اللقلق يسافر لأول مرة بجواز سفر حقيقي وبطاقة سفر غير مزورة. قلت: ـ صحتك وصحة كل "فهود" العالم. شرب يوسف البابلي كوعل عطشان للشراب والصداقة والكلام والدفء والعائلة والضوء والحنين. عندما يسكر تنهمر ذخيرة الموت من ساحة الميدان لأن ذكرى انقلاب 8 شباط 63 محفورة في ذاكرته كوشم. هذه ذكرى يوم موته المقترح. فر من سجن خلف السدة وترك الآخرين للرصاص والذبح والبلطات وقطار الموت والشنق والتقطيع والكلاب والوحوش. في غرف الموت الكثيرة، تلك الحقبة، التي مهدت للخراب القادم، رأى يوسف الوحش النائم فينا، الوحش الجميل، الوسيم، الناعم، الديناصور الراقد في الدم والظلام والليل الروحي العميق تحت شعارات وعناوين براقة. قال يوسف: ـ هل يمكن أن تغلق النافذة بروح قضيب النفضك؟. ضحك النمر الآسيوي الهرم. ضحك صقر براري الفراغ والفلقة:ـ كنا قبيلة كل اليسار العراقي قبيلة. أفكر الان مليا في تلك الأحداث وأسأل نفسي: ماذا كان يحدث لو كنا في السلطة؟ لن تتبدل سوى التفاصيل. قلت وأنا افتح النافذة مرة أخرى على الهواء: ـ لكن من لم يشترك في حرب الفئران تلك؟ الم تهتف في الشوارع تريد الحبال والمشنقة ضد المؤامرة واعداء الثورة، في حين كان الاخرون يهتفون ضد اعداء الله؟ على الجانب الآخر هتافات ضد أعداء الأمة، وضد أعداء الوطن، وضد أعداء الصورة والاطار والجريدة والكتاب والمنشور والعقيدة والحزب والرفيق والمجتمع والتاريخ والطبقة والعرق والقبيلة والمقالة والحتمية....؟ قلت يوما ليوسف البابلي: ـ قد لا نجد يوما وطنا أو حائطا نتكئ عليه. سيحرقه ويرحل. وفي غمرة نشاف الريق والقهر والحزن المتراكم والغضب النبيل، قال يوسف: هذا أحسن. لكي لا نجد أنفسنا يومذاك غرباء في وطن مستعار ومسروق. الجبناء على الأبواب كضباع الفطايس. هؤلاء في الانتظار. يومها بدل أن تفتح أبواب الأمل، ستفتح أبواب السجون وتحت أسماء ورايات جديدة. لن تتغير سوى العناوين والموت واحد.هذه النخب الفاسدة غير قادرة على ادارة مشروع التغيير الحقيقي. بس عاد وين العرق؟ ثلج غزير. يوسف انتهى من ارتداء معطفه الأسود كدرويش أو شبح أو أسطورة أو حكاية. لوح لي عبر النافذة. وغاص في عتمة الأبيض المتوهج. ضاع يوسف البابلي في العاصفة. وعلى وقع حوافر الريح أسمع الآن صرخات دراويش بغداد وهم يئنون على دوي الدفوف:"النار شبت، والفزع ما جانه". كنت أحترق على حافة هذا الثلج الهابط كما تحترق جثة على حافة نهر مقدس. تذكرت قصيدة سان جون بيرس: عاد صوت قاسم شريف عبر البحر والمدى الأزرق: قال قاسم: ـ بدون فيلم، بدون قبو، بدون غراب. حاول أن تخرج الى المسرح. قال قاسم: ـ إذا لم أجد امرأة الليلة سأنام مع الخيال. يوم كان كلود مونيه يرسم لوحته عن حقل في الجليد، وكان المشهد ساكنا ورماديا، جاء عقعق ووقف على باب الحقل( لوحة غلاف الرواية!) في اللحظة التي كان فيها الرسام عبر الثلج والعزلة والسكون، ينتظر قدوم شيء ما. أجمل شيء في العزلة والسكون والترقب هو قدوم شيء غير متوقع في الوقت الذي يكون فيه العالم ساكنا، بدائيا، موحشا، والأرض تتشكل. طار نورس في الشارع المقفر وانحدر نحو مداخن بيوت تبدو الان، في الضوء الليلي الناعم، كأكواخ مضاءة بنور عائلي حار وآسر. لم تعد أشجار الدر دار والصفصاف والزعرور والقبقب واضحة لأنها مكسوة بالثلج. الريح مرت من فوق القنطرة ورأيت على نور الشارع كتلا ثلجية تتطاير كأشباح بيض في هذا الليل القريب من حافة القطب. تبدو الأرض الآن كما في أول يوم خربة وخالية وعلى وجه الخليج ظلمة شفافة هي ظلمة بدايات الكون قبل انبثاق النور على اليابسة وانفصال الليل عن النهار، وقبل خلق البهائم والطيور والوحوش والثكنات والكلاب والحروب والسجون والمنافي. على هذا الهدير المزمجر في الداخل والخارج، على صوت الريح وهي تعبر القنطرة، أو تمشي تحت الدم، أو تزحف تحت الجلد كنمر مصاب بطلق ناري قاتل، كنت انظر إلى الشارع في انتظار ظهور احد ما، على هذا النشيج الحزين والأزلي لاليوت وهو ينعى الأرض الخراب: هذه هي الطريقة التي ينتهي بها العالم
|