المقاله تحت باب في السياسة في
14/07/2008 06:00 AM GMT
لعلها تردد في عرسها ما قاله الشاعر العراقي المتنبي : ( انام ملء جفوني عن شواردها ويسهر القوم جراها ويختصم )
تذكر السلبيات حال تبدل الانظمة ؛وتتكاثر يوما بعد يوم ؛حيث تترصدها الأعين ذرة فذرة ؛ ثم تطوف بها هنا وهناك افواه الشامتين او الراغبين بجر مغنم ... تضخيما أ و تخيلا أو ابعادا للتهم ...حتى اذا ما انتهى الفصل وجاء بعده غيره مسكوا بخناق الماضي القريب وتناسوا الابعد . أما ايجابيات هذا او ذاك فصفحات التاريخ هي التي تغربل ؛ ما لها وما عليها ؛ و جتى هذه تحتاج بدورها الى كثيرمن التصفية والتنقية من الشوائب والعوالق .وهكذا هي الحال مع ثورة تموز المجيدة ؛ فسلبياتها المترهلة في أمسها الاقرب تتضاءل تدريجيا بالقياس مع ما يرى من الاسوأ ؛ تطبيقا لقاعدة ( حقق في أرث الزمان والمكان و ما خط المؤرخ ).
وفي مسيرة ثورة 14 تموز سلبيات لايمكن انكارها او التغاضي عنها او التنصل منها ؛ ولو رجعنا الى صفحات التحليل والتعليل لكل تلك الاحداث ؛ سوف لن نجد الا القليل جدا مما كتب عن الدوافع الحقيقية لكل تلك الاحداث ؛ ودور القوى العظمى وراء التخطيط لها والحث على تنفيذها بمختلف الاساليب والسبل للوصول الى عرقلة مسيرتها ووضع العصي الضخمة في عجلات تقدمها !! ومن ثم تدميرها باسرع وقت وأبخس ثمن ؛ وبكل الطرق المباشرة او غير المباشرة . أقل من خمس سنوات فقط (ومع كل ما احيطت به تلك الثورة من ارباك واحباطات وتآمر ... الخ )أي في فترة بسيطة من عمر الزمن استطاعت تلك المسيرة الوطنية الصلبة ؛ ان تقدم انجازات مذهلة وعلى مختلف الاصعدة ؛ أضافة الى تلك الخطوات الوطنية الكبرى المشهودة المشرفة ( الخروج من حلف بغداد ؛ الخروج من المنطقة الاسترلينية ؛ اصدار قانون النفط 80 ؛ اصدار قانون الاصلاح الزراعي ؛ ازالة القواعد العسكرية البريطانية فعليا ، الانتظام في سياسة الحياد الايجابي.. الخ ) . لقد كانت الثورة تتقدم بخطى حثيثة نحو تحقيق منهاجها الداخلي ونظرتها الوطنية في مختلف الجوانب التربوية والصناعية والعمرانية والصحية والاقتصادية ... وغيرها ؛ باصالة واقدام .ونظرة سريعة على مصادر منجزات الثورة في كل تلك الحقول ؛ نجدها قد تجاوزت خطواتها المرسومة ؛ الى مساحات ابعد وأشمل ؛ فما تكاد تحل ذكرى 14 تموز ؛ حتى تجد عشرات من المشاريع الصحية والتعليمية والزراعية والصناعية والثقافية والعسكرية ؛ والى جانبها مشاريع الاسكان والطرق والسياحة والري قد برزتالى الوجود ؛ وتناثرت هنا وهناك مئات اشرطة الافتتاح الملونة ؛ لتعلن عن صرح شامخ جديد قد علا على ارض العراق . لقد جدت الثورة وشمرت عن ساعدها ؛ فوزعت المزارع و الاراضي والبيوت السكنية على مستحقيها كالضباط والمحامين والمعلمين و والعمال والكادحين والكسبة دونما تمييز او تفريق ؛ وأنشأت القرى العصرية في ارياف لم تعرف نموذجا غير البيوت الطينية ملاذا ؛ كما أخذت قاطرة التصنيع الحديث تزحف لتغطي مساحات واسعة من العراق ؛ حيث قامت ( شركة الصناعات الخفيفة ؛ وصناعة المقاييس الكهربائية ؛ وبواخر نقل الغاز ؛ ومصفى نفط البصرة ؛ وسايلوات الحبوب ؛ وصناعة البتروكيمايويات ؛ وصناعة الرخام ؛ والزجاج ؛ ومعامل مكابس التمور الحديثة ؛ ....الخ ) اضافة الى النهوض التربوي والثقافي والاعلامي ؛ فكانت المدارس تنمو لتصل الى القرى قبل المدن ؛ وكانت جامعة بغداد ، واتحاد الادباء ونقابة الصحفيين واتحاد نقابات العمال ؛ والجمعيات الفلاحية ؛ واتحاد النساء ؛ وجمعية الفنانين ؛ وجمعية المهندسين ؛ واتحاد الاقتصاديين واتحاد الشباب والطلبة ؛ وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني . والسؤال الذي كان ولم يزل يطرح تأريخيا هو .....كيف استطاعت تلك الثورة البناءة ان تسير نحوتحقيق كل هذا التطورالشامخ على الرغم مما كان يحيط بها من تآمر خارجــــي (تجسد منهجه وبرنامجه التطبيقي الاعم امام اعيننا اليوم بكل وضوح ) ؛ والجواب على ذلك يكمن في النقاط الاساسية التالية : اولا ـ احترام سيادة الدولة وعدم التفريط في قدسية وحدتها واستقلالها . ثانيا ـ الايمان المطلق بوطنية القرار وكونه نابعا من مصلحة البلاد العليا . ثالثا ـ نزاهة الحكم وتعففه ؛ وابتعاده عن كل ما يشين سمعة الدولة ومنظومة سلطة الحكم ؛ من قمة هرمها حتى قاعدتها ؛ وعلى ذلك لم تجد للرشى ولا ( للكومشانات ) موقعا ؛ ولا للتهريب وســــــــــرقة المال العام والنهب والسلب بكل انواعه المزرية مكانا .لذلك كانت خزينة الدولة محمية ومحصنة ومصانة . رابعا ـ التفاف الشخصيات الوطنية الكفوءة والنزيهة منذ لحظة قيام الثورة حول القيادة ؛ وتزويدها بكل ما يعينها على السير نحو تحقيق المطامح المشروعة للارتفاع بمكانة العراق وتقدمه وتطوره . خامسا ـ عفة وزهد واخلاص وعزيمة قائد الثورة ؛ انعكست كلها على سلطة الحكم وبالتالي على الجو العام للشعب العراقي . فتكاتفت الايدي ( رغم المثبطات ) ؛ من اجل تنفيذ المنجزات التي كان يصبو الى تحقيقها المخلصون من ابناء العراق . سادسا ـ ابتعاد قائد الثورة شخصيا عن كل انتماء طائفي او عرقي او اثني او عشائري ؛ حيث وضع شعاره: ( انا فوق الميول والاتجاهات ؛ وانا لكل العراقيين دون تفريق او تمييز ) موضع التطبيق الفعلي والعملي . سابعا ـ تفصيل ميزانية الدولة وبكفاءة ودقة متناهية لتتناسب وقدرة الامكانيات المادية المتاحة ؛ بحيث تغطي مساحة معقولة من التنفيذ السليم لخطة بناء الدولة . ثامنا ـ توحيد ابناء العراق في العمل والانتاج ( ان لم يوحدهم التحزب الوقتي الضيق ) من دون تمايز او تفريق اربع سنوات ونصف فقط ( تموز 1958 ــ كانون ثاني 1963 ) ؛ حيث تم خلالها تحقيق كل تلك المنجزات ؛ وكان للبنود الثمانية التي جأنا على ذكرها اعلاه نصيبها الاوفر في جعل الاحلام واقعا مجسدا ؛ تثبته سجلات تاريخ العراق المعاصر التي صدرت في تلك الاعوام المتواضعة معززة بالارقام والاحصاءات والصور وبعد ...أليس من الحري ان نتسآءل بعد هذا وذاك ؛ عما كان قد تحقق للعراق لو ترك لقيادة الثورة ان تعمل من اجل مصلحة الوطن دون افتعال كل تلك الشحناء والبغضاء ؟ و ماذا تراها كانت قد قدمت للعراقيين من خدمات جلى في كل الحقول ؛ وهي الامينة على مصالحه ؛ الحريصة على امواله ؟ أية ثروة حقيقية ستدر على البلاد حقوله النفطية والزراعية والصناعية والسياحية وغيرها لتتحول بعدئذ الى مشاريع حقيقية للاعمار والبناء في مختلف المجالات تمنح العراقيين الرفاهية والسعادة والتقدم والاطمئنان ؟
ولكن هناك ايضا السؤال الاهم الذي يتوجب طرحه ( بعد كل الذي نراه اليوم ) هل بالامكان تخيل الدول الكبرى صانعة القرار والمستمية من اجل مصالحها انها ستترك عراق 14 تموز يتقدم الى امام و يعيش في ذلك النهوض الحيوي الجاد المعتمد ذاتبا على ما يمــــــــلكه من ثروات بشــــــرية خلاقة متجددة و أخرى مادية متعاظمة لا تجف منابعها ؟
|