المقاله تحت باب منتخبات في
20/07/2008 06:00 AM GMT
يعالج هذا الكتاب المدارس العراقية التي كانت قائمة قبل الاسلام. حيث تعلم العراقيون منذ 3500 سنة ق.م. وعلموا العالم أصول الحساب وعرفوا اشارة الجمع والطرح والضرب والتقسيم، ودرسوا الكسور وكيفية رفع الأعداد الى القوى. حيث تشير الألواح التي عثر عليها في مدينة أور الى توصل البابليين الى الأشكال الهندسية ولا سيما المثلث والمستطيل والمربع وشبه المنحرف. بالاضافة الى استخراج الجذور التربيعية والتكعيبية. وقد وجد الآثاريون آثاراً مدرسية في أطلال بابل منذ عهد حمورابي ومن تلك الآثار ألواح الآجر الذي كان الطلبة من الجنسين يكتبون عليها الفروض المدرسية الصعبة، إذ كان الخط المسماري مؤلفاً من عدة مئات من العلامات، ومن الواضح أن إتقان أشكالها وأصواتها ومعانيها يحتاج الى جهد كبير. منذ البداية كان الباعث الأكبر على إنشاء المدارس ديني ولهذا اتخذت جميع الشعوب في مختلف العصور أماكن العبادة للتدريس، حيث يعمد رجال الدين الى تهذيب التلاميذ. وعندما لم يكن المعبد يستوعب عدد التلاميذ فكانوا يلحقون به غرفة أو غرفاً فتتحول على تمادي الزمن مدرسة أو كلية تدرس في صفوفها المناهج العلمية. فكانت المناهج آنذاك كتاتيب، فمدارس أولية، فابتدائية، وكان معظمها داخل المعابد، ثم تطورت فأصبحت مدارس ثانوية وكليات يتواجد أغلبها في المدن المهمة خارج أو بجوار المعبد. ومع انتشار الدعوة المسيحية في العراق في القرن الأول الميلادي، توسع نطاق المعرفة في بلاد الرافدين، ونشر كتابهم ألوية العلوم، ثم تسابقوا في حلبة الصنائع وأقاموا دعائم المستشفيات وشيدوا أسس المدارس، وبقي العراق على هذه الحال حتى قيام الدولة العربية. كانت اللغة الآرامية من القرن السادس قبل الميلاد حتى القرن السابع للميلاد اللغة السامية الوحيدة ـ إن استثنينا اللغة العربية ـ ترجماناً للاعراب عن لغة الساميين والتعبير عن أفكارهم في اثني عشر قرناً. وظلت بعد استيلاء الفرس على بابل لغة رسمية. وكان ملوكهم يصدرون مراسيمهم بها. وتعلم اليهود هذه اللغة في منفاهم في أرض بابل. وكتبوا بها كتاباتهم الدينية والأدبية. وكانت إحدى اللغات الثلاث في بلاط الأكاسرة. وورد في كتاب تجارة العراق قديماً وحديثاً: "وأكبر دليل على اتساع تجارة (الآراميين) انتشار لغتهم انتشاراً عجيباً حتى أصبحت شبيهة باللغة الفرنسية في آسيا الغربية كما جاء تشبهها في أحد الكتب الانكليزية. لقد تفقه نصارى العراق في اللغة الآرامية، بل تفانى رؤساؤهم في تدريسها لرعاياهم حتى يقبلوا على قراءة الكتاب المقدس. فكانوا يتلون بها الأدعية في أثناء عبادتهم وفي غضون حفلاتهم الدينية. شيد أساقفة العراق في كل مدينة وقرية كنائس وأقاموا في داخلها أو جوارها كتاباً أو مدرسة يتعلم فيها أبناء طائفتهم مبادئ القراءة والكتابة وسائر العلوم المعروفة في تلك الآونة ولا سيما المعارف الدينية. وساعد على انتشار القراءة والكتابة وتقدمهما في العراق الشبان العراقيون الذين كانوا يقصدون بلاد الروم واليونان طلباً للعلم. فإذا رجعوا الى أوطانهم درسوا في معاهدها التهذيبية فرفعوا منار المعارف وشادوا قباب العلم. لقد سارت مدارس العراق في ذلك الوقت بموجب أنظمة وقوانين صارمة. وقد تولى شؤون كل منها مدير وأساتذة، درسوا تلامذتهم مختلف العلوم لا سيما العلوم الفلسفية واللاهوتية. فكان أعضاء المدرسة أو الكلية يسمون "أخوة" وكانت التلاميذ تعيش في كوخ أو صومعة. وبعد دراسة اللغة الآرامية فصلوا بمفرداتها وبحثوا عن معانيها ثم أوضحوا قواعدها وأحكامها وأصولها لتكون سهلة المأخذ قريبة الى الأذهان. ودرسوا ما عدا اللغة الآرامية اللغة العربية بقواعدها وآدابها. وعلموا أصول الانشاء وفنون الشعر وضروب علم البيان فبرعوا فيها وأتقنوا أساليبها ورفعوا شأنها. ومنذ المائة الخامسة للميلاد أخذوا يعلمون اللغة اليونانية بأحكامها وفروعها هذا فضلاً عن الترجمة من هذه اللغة وإليها. وعلموا التاريخ القديم والحديث كما علموا التاريخ الكنسي بأصوله وعلقوا على قصص القديسين الذين نالوا إكليل الاستشهاد في غضون الاضطهادات ذاكرين جغرافية البلاد وما طرأ عليها من التقلبات والتغيرات. هذا ودرس نصارى العراق في معاهدهم العلمية الفلسفة وتبحروا في أحكامها ونظرياتها ولا سيما الفلسفة اليونانية. فأقبلوا على قراءتها وترجمتها وأتقنوا حفظها ونشروا مصنفاتها. وكانت لمؤلفات أرسطو المنزلة الأولى عندهم. فقربوا منالها وكشفوا الستار عن أسرارها. ثم تكلموا عن خلود النفس وتكوين العالم واتصال العقل بالانسان والارادة المطلقة وغيرها من الأبحاث التي لا تزال الشغل الشاغل لدى فلاسفة اليوم. وقد لجأ النصارى الى الفلسفة اليونانية ليستعينوا بها على الجدل وليؤيدوا تعاليمهم وعقائدهم فامتزجت روح فلسفة اليونان بروح فلسفة الشرقيين. ومن مناهج مدارس العراق قبل الاسلام تدريس طرق التجارة والصرافة والاقتصاد. وتعليم العلوم الفلكية واتقان العلوم الرياضية على اختلاف أنواعها وتعدد فروعها هذا فضلاً عن الرسم والموسيقى. ثم شادوا المستشفيات وبنوا المدارس الطبية كما أنهم لم يغفلوا عن تدريس الكيمياء. قكانوا نظير الأقدمين يبحثون عن الاكسير الذي يحول المعدن ذهباً ابريزاً. أما التاريخ الطبيعي فقد بحثوا فيه عن الحيوان والنبات والانسان. وكانوا (أي النصارى) يعلمون في مدارس الرها ونصيبين والمدائن ودير قنى اللغات الكلدانية والسريانية واليونانية والنحو والمنطق والشعر والموسيقى والهندسة والفلك والطب". وقال أحمد أمين في كتابه ضحى الاسلام ما مفاده: كان للنصارى في ما بين النهرين نحو خمسين مدرسة درسوا فيها العلوم الآرامية واليونانية وقد ألحقوا بهذه المدارس مكتبات. وكان في أديارهم شيء كثير من الأسفار ومن الكتب المترجمة الى الآداب النصرانية من مؤلفات أرسطو وجالينوس وسقراط. لأنهم كانوا محور الدائرة العلمية في ذلك العصر. ونقلة الثقافة اليونانية الى الامبراطورية الفارسية ثم الى الخلافة العباسية. تلك كانت الحركة العلمية في مدارس نصارى العراق قبل الاسلام. والدروس التي ألقيت في صفوف معاهدهم المختلفة يمكن حصرها في الجدول الآتي: 1 ـ العلوم الدينية: تفسير الكتب المقدسة وعلم اللاهوت والفقه الكنسي والأحكام البيعية والطقوس الكنسية. 2 ـ العلوم العقلية: الفلسفة الأدبية والعقلية والمنطق وعلم الجدل وعلم ما وراء الطبيعة والطب والكيمياء والطبيعيات. 3 ـ العلوم الأدبية: اللغة الآرامية واليونانية والعربية وقواعدها وآدابها والبيان والانشاء والعروض. 4 ـ العلوم الرياضية: الفلك والهندسة والحساب والجبر والمساحة وما يتصل بها والموسيقى والرسم. 5 ـ العلوم الاجتماعية: التاريخ والجغرافية وعلم طبقات الأرض والحق المدني والشرائع والتجارة.
|