المقاله تحت باب في السياسة في
04/07/2008 06:00 AM GMT
يأتي كتاب «لقاء الأضداد...» للأكاديمي بالجامعة المستنصرية الدكتور عادل تقي البلداوي، المؤلف لعدة كتب في الشأن السياسي وأحد المهتمين بالوثائق، «لقاء الأضداد...»، عِقب بعثرة الأرشيف العراقي، وحمل خزائنه إلى خارج الحدود، أو إلى المحارق قُبيل السقوط لتغييب حقائق لا تثبتها سوى الوثائق. وطالما ظل ذلك الأرشيف محرماً، في دوائر الممنوعات، طوال عقود من الزمن. فليس من تقاليد الدولة المخابراتية إعلان وثائق أرشيفها السياسي والرسمي ووضعها في متناول الباحثين، مهما مرَّ عليها الزمن وتقادم، مثلما تفعل الولايات المتحدة الأميركية أو بريطانيا العظمى، وهما يملكان أخطر الوثائق، التي بنشرها توثق الحوادث ويكتب التاريخ الدقيق عادة على أساس الوثيقة لا المعلومة الشفاهية أو الصحافية! يعترف المؤلف، وهو تلميذ نجيب للمؤرخ العراقي كمال أحمد مظهر، بأنه اقترب من عالم الوثائق، ليكون هاجسه العلمي الأول بنصيحة هذا الأستاذ، والأخير لم يصرف الوقت سدىً، خلال إقامته المؤقتة بلندن، من دون أن يسبر أغوار مركز الوثائق البريطانية، أو دائرة الأرشيف، التي تكشف عن جديدها كل ثلاثين عاماً، وقريباً سيصدر له «المنطقة الكوردية في الوثائق البريطانية». ما نشر البلداوي من الوثائق، في هذا الكتاب، وهي من دوائر الأمن في العهد الملكي، وما يتعلق بها من محاكمات شخصيات ذلك العهد بعد سقوطه وقيام الجمهورية، يعد أرشفة وحفظاً، ونشراً على مدى أوسع، وذلك بتقديمها للقارئ مع دراسة لثلاث وأربعين شخصية سياسية عراقية، من مختلف المشارب والطبقات: أنصار العهد الملكي، والسائرون في ركابه، وخصومه من أهل اليسار وأهل اليمين، إلى شيوخ عشائر وقادة أحزاب، منها الوطنية ومنها القومية، إلى جماعة تجد بينهم العامل والمدرس والخياط، إلى رجال الدين. لهذا جاء عنوان الكتاب «لقاء الأضداد فوق الساحة الوطنية العراقية الكبرى.. حقائق ووثائق» (بغداد 2007) اسماً على مسمى، ومعبراً عن مرحلة سياسية واجتماعية انتهت بشخوصها وحوادثها، لكنها تركت تاريخاً من العِبر، يساعد في البناءات الجديدة، بل يحمل ما يحمل من التناقضات وتصادم المصالح وتغير الأحوال. كتاب يكشف عن أسرار لعل شخوصها نظروا لها من دون غرابة وعجب، وذلك عندما يتحول رئيس الوزراء، في انقلاب بكر صدقي (1936) إلى سجين وتسجل له وجبة الفطور والغداء: أربعة فلوس: بيض، وخمسون فلساً: ثلج، ودينار ونصف: أجور الفراش و(القريولة) السرير. أو يلح الطبيب في خطورة حالته الصحية! تناول الكتاب وثائق أظهرت أحوال رئيس الوزراء المذكور، ووزراء، من غير المساجين، وكشفت عن سياسة الدولة، وما بين المعلن والمستور، وكيف كان رجالات ذلك الزمن يتعاملون مع بيت المال بأمانة تامة. بل وكيف ساهم الضغط والملاحقة في تنامي العمل الثوري ضد الدولة، وذلك أن تقارير الشرطة السرية كانت تقود إلى فقدان الوظيفة، والسجن، ثم إسقاط الجنسية، للإبعاد خارج الحدود. فالمواطنة الأصلية وغير الأصلية كانت مشروطة بحسن السلوك السياسي. كشفت الوثائق المخفي في التاريخ السياسي والشخصي لرئيس الوزراء حكمت سليمان (ت 1964) أنه أُتهم بمحاولة اغتيال الملك غازي (قتل بحادث 1939)، وسجن بجريرتها، وفي السجن يُصاب بمرض عصبي يُدعى (النيوراشينيا)، حسب تقرير الطبيب الملكي، ومؤسس كلية الطب، سندرسن باشا. وتريك تقارير الإضبارة نفسها، المحفوطة في وزارة الداخلية- دائرة المخابرات السرية، كيف تعامل رئيس الوزراء نوري السعيد (قُتل 1958) مع خصمه حكمت سليمان، وما هي حقوق السجين، في الطعام والمأوى المناسب. وبطبيعة الحال، على الرغم مما ذكره الأطباء عن سوء أحوال السجين الوجيه إلا أن معاملته غدت مميزة حتى إطلاق سراحه بانقلاب رشيد عالي الكيلاني (1941). تجد في الوثائق أدلة على إيجابيات وسلبيات ذلك العهد، ومن الأولى نقرأ في رسالة طبيب معهد الأشعة إلى وزير الداخلية عمر نظمي يطلب منه دفع تكاليف الأشعة التي أُخذت لكتفه، ويبعث الوزير، بكل ترحاب وتقدير، الخمسمائة فلس أجور الأشعة، مع رسالة اعتذار! بطبيعة الحال، كم يبدو هذا التصرف خرافياً وسط تراكم من الفساد المالي والاجتماعي، ومن خراب الذمم في جمهورية العراق الدكتاتورية ثم الديمقراطية الحالية! وتُظهر الوثائق محاكمة وإعدام سعيد قزار (1959)، وزير الداخلية الكردي القوي، غير عادلة إذا كانت بسبب مَنْ أُطلق عليهم الرصاص من المتظاهرين بالبصرة (1953)، فبعد كتابنا وكتابكم ظهر أن الرجل لم يأمر بإطلاق الرصاص، وإنما أمر بتفريق المتظاهرين، وعدم السماح بالاجتماع لعدة أشخاص، مع عبارة حسب القوانين المرعية. إلا أن المؤلف يستنبط أن الإصرار على إعدامه، في ذلك الوقت، كان إرضاءً لقيادة الثورة الكردية، فهو ممَنْ نال من الثورة سنة 1945، مع أنه كردي. ومن جانب آخر مجاملة لأتباع الحزب الشيوعي العراقي كون وزارته هي الأعنف ضدهم، وهم القوى المؤثرة في أول أيام الجمهورية. ومن الوثائق ما يُكشف عن محاولات تبديل التعنصر للطائفة أو المنطقة بمظهر آخر بالتمييز بين الفراتي والبغدادي، وعلى اعتبار أن الأول فجر الثورة التي أسست الدولة (1920)، والثاني حصد ثمارها بالحكم، لذا يريد دعاة الفراتية، ثورة العشرين أو ثورة الفرات، أن تنحصر مسؤوليات الدولة بأيديهم، لأنها من حقهم! وكان، حسب الوثائق، في مقدمة أولئك الدعاة: فريق مزهر الفرعون، وعبد الواحد آل سكر! وأهم ما ينظر في تلك الوثائق هو قرارات إسقاط الجنسية، وقد كان ذلك من حصة الشيوعيين أكثر من غيرهم. فبعد السجن وإعادته عدة مرات يأتي قرار إسقاط صفة العراقية عن المتهمين، ممَنْ سمتهم الوثائق بالشيوعيين الخطرين! وبعد اتخاذ القرار من قِبل مجلس الوزراء، وأكثر القرارات كان سنة 1955، يتحول العراقي المتهم بالشيوعية الخطرة إلى عديم الجنسية، وحسب لغة العصر البدون! كذلك تكشف الوثائق، التي حواها كتاب البلداوي، عن محاولة بريطانيا في الاستفادة من القيادي الشيوعي عبد القادر إسماعيل، بعد أن اسقطت عنه الجنسية وأُبعد إلى سوريا، وأخذ يكتب ضد النازية هناك، فحاولت تشجيعه على تأسيس تنظيمات ضد النازية والثمن إعادة الجنسية العراقية له، لكنها فشلت في مسعاها. واسقطت الجنسية عن: زكي خيري، وأكرم حسين محمد، جالب أول مطبعة للحزب الشيوعي إلى بغداد، وبهاء الدين نوري، وعن صادق الفلاحي، الذي زاره المؤلف (2005) ووجده خلاف بعض ما أُتهم به من استغلال أموال أو امتلاك قصر إلى غير ذلك! هذا، ولم يترك الرقيب السري المساجد ومنابر الخطباء بلا تقارير تنقل بأمانة ما يُخشى من إسلام سياسي بانت بوادره من الحماسة إلى قضية فلسطين!
|