المقاله تحت باب مقالات و حوارات في
11/01/2007 06:00 AM GMT
محاولات بحثية متكررة في عالم الانثربولوجي قام ويقوم بها الباحث العراقي ناجح المعموري لكشف الينابيع الاسطورية في التوراة وقد تحقق للباحث نتيجة اصراره على هذا النهج رؤية اختلفت كثيرا عن السائد - مدونا او ثقافة شفوية- حول التوراة والتاريخ العبراني هذا المشروع الذي تجسد قسم منه في اربعة كتب صدرت للمعمو ري وهي - موسى واساطير الشرق- و-التوراة السياسي- و - أقنعة التوراة- وهي من منشورات المكتبة الاهلية في عمان / الاردن ثم الكتاب الاخير - الاسطورة والتوراة- هذه الكتب الاربعة وما نشره المعموري من بحوث ودراسات اخرى كانت موضوع كتاب اخر للباحث والروائي محمد احمد العلي وجاء الكتاب تحت عنوان - الينابيع الاسطورية في التوراة- وهو قراءة في مشروع الباحث ناجح المعموري .. ويرى العلي ان بحوث المعموري بمثابة اعادة تأهيل الحضارة الانسانية وتنسيبها لمواطنيها وابطالها الحقيقين بعد دراستها وفك اسرارها وحمايتها من التحريف والعبث والتشويه.. ومن هنا ينطلق العلي مع بحوث ودراسات المعموري حول حقيقية التوراة .. وما دخل او ادخل عليها من اساطير الشرق.. وتابع العلي عمليات التناص الذي يذكره المعموري في كتبه ما بين الديانة اليهوديه والاساطير القديمة وخاصة العراقية منها كما يتابع عملية الكشف عن تلك الجهود الذي يبذلها الفكر الصهيوني من اجل ان تكون التوراة مركزا حضاريا وفكريا وثقافيا للعالم من خلال مركز يتها التاريخية التي قنعت بها ولم تكن لها.. ويرى العلي في تعريفه لمشروع المعموري بأن (القراءة التوراتية المعمورية) لها اليوم قوة جذب خاصة.. وتوصلات ابعد وجراءة اشد في رفع (أقنعة التوراة وتمزيقها, وجلاء تزوير الرموز واستبدال العقائد والاساطير .. وايقاف السلطة اليهودية وتحجيمها انساقا ووظائف). ويبدو لي ان المعموري عندما بدأ مشروعه بالتوراة فانه بدأ بالمنطقة التأسيسية المقدسة انتاج الاديان الكتابية الكبيرة الثلاثة. وان التوراة كانت المنطقة الرخوة في العقائد الدينية, ولأنها ارتبطت من الناحية العملية بعقيدة اليهود في اغتصاب ارض فلسطين العربية تمهيدا لتكوين دولتهم الموعودة من النيل الى الفرات. فقد وجد مناخا مقبولا لدى الناس في هذه المنطقة, المعنية بوحدتها وتاريخها المتجانس, ومعتقد التوحيد الذي ينتابه النقص والتشويه في التوراة. وان هناك جفاء لمبادىء التوراة اتاحت الفرصة لبدء المعموري مشروعه لمحاكمة القاعدة الدينية فيها تمهيدا لخلق ارضية وذهنية مناسبة لقبول ما سيلحق هذه البحوث من محاكات وتقويضات جديدة. اما في القسم الثاني من الكتاب فيستعرض العلي بحوث المعموري وما جاورها من بحوث تتناول جذور الفكر الصهيوني في اساطير الشرق ورموزه ويرى العلي مشروع المعموري - انه قد سد فراغا معرفيا في هذه القضايا يحتاجه المثقفون والدارسون ويستجيب لمطلب عربي وانساني صادق ويقول العلي في كتابه من الثابت بأن اليهود ليس لديهم ارث حضاري مستقل ابتدعوه, او ابتدعه موسى الذي يلتصقون به فهذا صحيح وثابت تاريخيا.. وتوصل اليه كثير من الباحثين . وبما فيهم الاستاذ المعموري.. وفي مقاربة الاساطير القديمة بالشرائع والروايات التوراتية اليهودية.. فمثلا: هناك اجماع على ان مزامير داود اخذت من اناشيد اخناتون.. وان سفر نشيد الانشاد اخذ من نشيد الاله السومري.. والمدونات التوراتية كنعانية وبابلية ومصرية الاصل/وان أساطير الجزيرة العربية كانت المعين الغزير الذي اخذت منه قصص الخلق والغواية والطوفان التي يرجع عهدها في تلك البلاد الى 3000 سنة قبل الميلاد . ولعل اليهود قد اخذوا بعضها من الادب البابلي اثناء اسرهم. ومن مصادر سامية وسومرية قديمة/ويذهب الاستاذ رنك الى ان ( الاعياد الدينية اليهودية كانت بالاصل من الطقوس الدينية في كنعان. وان اليهود ما يزالون يحتفظون ببقايا كنعانية مأخوذة من طقس ادونيس ومن ذلك عيد المظال - السكوت) ص 462 من كتاب العرب واليهود في التاريخ - احمد سوسة-. كما اخذوا قصة هابيل وقابيل من جذورها التي ترجع الى عهد موغل في القدم. وهي من الاساطير السومرية . قصة ((ايميش وانتين)) ص 431 المصدر السابق. /حتي ان هيكل سليمان هو من صنع الفينيقيين الصوريين, وقد بني على نمط المعابد الكنعانية. كما يقول الباحث احمد سوسة ويدعيه اخرون ولكننا اليوم وبعد مزيد من التحري والحفر والبحث عن الهيكل المزعوم دون العثور عليه سنضطر الي اعادة النظر بهذه المسلمات لانها تصب في صالح اليهود كتثبيت لادعائهم ومبررا لمزيد من الحفر والتنقيب بلا جدوى وهو ما يهدد بناء المسجد الاقصى كله بالانهيار. ويؤكد المعموري على ان اسطورة كلكامش (( انتقلت الى كثير من ابطال الامم الاخرى مثل آخيل واوديسوس والاسكندر ذي القرنين وشمشون الذي اشارت له التوراة)) ((ولان التوراة عرفة واستثمرت الكثير من نصوص ملحمة كلكامش, فيجب ان لا نستغرب من انتقال اسطورة ولادة البطل كلكامش وتطورها الى العبران - ص11 الكتاب)). ثم يخلص مستفيدا من رأي العالم الفرنسي المشهور جان بوتيرو الى ان ( اسطورة موسى لم تكن اكثر من اعادة صياغة لملحمة كلكامش. ولم تستطع الصياغة التي انتجتها البنية الذهنية العبرانية من اخفاء الاصل الاول. وظلت الجذور ماثلة وواضحة عند قراءة الاسفار التوراتية- ص 12 الكتاب). ولعل التوصل الاول الواضح في استخدامات المؤلف لجذور الاساطير عن فروعها اللاحقة كما في كلكامش/موسى. تتبدى واضحة في قصة ولادة موسى. والتي يبرر لها المعموري بان اخفاء المولود الجديد ووضعه في المخاطر البالغة. ثم تهيئة وسيط يساعد هذا المنقذ المنتظر لكي يحقق حلما او ارادة الهية قادمة, امر مرتبط بوجود (( صراع يدور بين الملك الموجود على كرسي الحكم وبين ملك منتظر)) - وهنا يجب ان لا ننسى ان الملك عادة حائز على عناصر الهية. وله وظائف سياسية ودينية, وان هذا المنتظر يمكن ان يكون محل وحي السماء لوظائف جديدة ومتقدمة ودعوة في اما القسم الثالث من كتاب العلي فقد تناول الموضوعات التي تدور حول الاسطورة والتوراة مبينا شخصية موسى ويهوه والعبران والاساطير التي نسجت حول العلاقة بينهم ودرجات التقديس وفي القسم الرابع من الكتاب تم استعراض التوراة السياسي /تاريخ وايديولوجيا وسياسة.. وقال العلي ان كتاب التوراة السياسي للباحث المعموري ياتي بمثابة محطة مهمة في مشروعه العلمي الوثائقي وذلك لانه اشتمل على التناصات الصريحة بالمطابقات روحا ومعنى ونسبة كبيرة من التطابق اللفظي وخاصة في المراثي .. ويرى العلي ان المعموري في كتابه التوراة السياسي جعلنا نجمع ونلامس طرفي الوجود اليهودي اي الماضي والحاضر معا في حضور معرفي تشخيصي .. واستعرض العلي سؤال المعموري حول - الهولوكوست واجابته على هذا السوال ان المحرقة هي النتيجة الايديولوجية لتلك الممارسات الدموية والاستعلائية الاصطفاتية للتوراة وان كانت بشكل اخر. بشكل براغماتي ادى بها وهي في رمقها الاخير ان تلجأ لتكوين دولة اسرائيلية سياسية عنصرية. من اجل ذلك ضحت مجموعة كبيرة من اليهود وخاصة الطبقات الدونية غير الفاعلة منهم لكي يؤسسوا براغمانية جديدة معاكسة للمنطق الانساني وهي ان تقدم علي احراق اناس من اجل سياسة وليس من اجل مبادىء لان التوراة كعصارة ايدبولوجيا لم تنجح في عرض مبادىء وعقائد وقيم مقبولة لدى العالم, بدليل رفضها للتوراة وبقي الشتات.. وليس مهما كثرة اليهود لكي نتجح في غزو العالم ثقافيا للاعتراف بها, لان الاديان والاحزاب تبدأ دائما بفرد وافراد قلائل , ثم تنمو بنجاح مناهجها العملية في الانسان. لذلك فان المحرقة تعتبر برنامجا لا انسانيا كونت- بالخطأ السياسي- دولة سياسية عنصرية. لنعد الان الى الهولوكوست) انو القربان الجماعي.. هنا ينضوي الباحث المعموري مع نخبة كبيرة من المفكرين المعاصرين للتصدي للثوابت الصهيونية في قضية المحرقة. ويمكنني ان اصفها ب¯ ( انتفاضة المحرقة) وشارك بها الباحث حسب منهج الشراكة, في جعلها قضية جوهرية ولس مجدر ناقل لاراء الذين قبله, ولكن تطعيم ارائه من مكونات التوراة وتاريخها بالنتائج المأساوية لتعبئة تلك الاراد والاتجاهات الكهنوتية اليهودية .. وفي الفصل الخامس من كتاب العلي جاءت موضوعة اقنعة التوراة واختراق حاجز الصمت.. اما القسم الاخير فكان عن المشروع السائد استعرض فيه ازدواجية التوراة وتطور الثقافات والادبيات وفي الخاتمة يقول محمد احمد العلي: انه لامر مذهل- لي - ان تتحول مشاريع دراسة التوراة الى صورة (اعتصار ليمونة).. ينبثق سائل الترياق الاسطوري, وتندفع معاني الكلمات الي حيث كانت في مجرى انساغها الاولى.. وتبقى القشرة /(وعاء التوراة) وايدينا خاوية تندب الحياة. وكلما كنت اتوغل بدراسة هذا المشروع, ومن خلاله وبسببه زاد اطلاعي على من ساهم خلال فترة طويلة من الزمن - بالتحاور الجدي او المتحفظ مع التوراة- من مستشرقين وعلماء ومؤرخين ومفكرين عرب وغيرهم, استقصاءا وكشفا عن مكونات وثنية وعنصرية, واستعداءات وقهريات انسانية , وازدواجيات فكرية, وجدالات افترائية وهرطقات اعتقادية.. ومذمات واستئصالات للاغيار من البشرية .. كلما توفر لي مزيد من الاطلاع, اشعر بالاسى والحزن.. وريما تألم كل دارس, وهو يلمس استغفالا واستهجانا لناموس الله من خلال من يتواصل بالمشاغبات التاريخية. واللعب بمقدرات الاديان والمعتقدات, والاستعلاء على الشرط الانساني والاخاء الاممي. والغاء حق الاخرين في الحياة الحرة الكريمة .ولا يرتضون التعايش مع العالم كله الا والاخرون عبيد لهم, او كالحيوانات والبهائم يخدومونهم ويأتمرون بامرهم باعتبارهم المصطفين المختارين من الرب العظيم. هكذا احسست ان التوراة قد خرجت من كهفها الى النور في رابعة النهار.. للمكاشفة كما هي حقا وصدقا. ويأتي كتاب - الينابيع الاسطورية في التوراة للروائي محمد احمد العلي بصيغة تتطلب قدرة عالية على الالمام بتقنيات هذا النوع من الكتابة التي تتعدد فيها المحاور والاساليب والقضايا والاراء والنتائج والبحوث ولا تبقى الا غاية الكاتب من البحث.. ونلاحظ في هذا الكتاب ان العلي لم يلتزم حدود منتج الباحث ناجح المعموري بل افاض عليه وخرج الى بحوث واراء اخرى كان قد اختزنها او عرفها اثناء رحلته الثقافية وتداخلت مع رؤيته العقائدية والمثيولوجية وعالم اللاوعي .. عنده واذا كان الكتاب يحمل عنوان يدلل علي مضمونه .. فان ما جاء في الكتاب اوسع بكثير من العنوان.. وكشفت المحتويات عن نهج العلي العروبي القومي .. الذي يجاهد من اجل زاحة العقبات في الطريق .
|