محنة فينوس... والشذرات المضيئة في الاساطير

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
16/05/2008 06:00 AM
GMT



كان للولع الشديد بمطالعة الاساطير والحكايات الشعبية، وقصص الالهة تحديدا وصراعها الدرامي مع بعضها البعض من اجل الاستيلاء على المركز الاول في مجمع الالهة، كان هذا الولع بالمطالعة ومتابعة المصائر التي انتهت نهايات مأساوية قد حدد السمات الاساسية لطبيعة ونبرة رواية (محنة فينوس) وقد انطوى بعض هذه الحكايات والاساطير على جانب من السخرية اللاذعة، المريرة، التي تحمل طابعاً مأساوياً ، فأن هذه السخرية وتلك المأساة ، كانتا بحاجة ماسة جداً الى دخولنا المباشر عليها لتفكيك بنية الحكاية او الاسطورة ، كان ينبغي التخلص من تلك الاستعلائية الفائضة لعالم الاسطورة المغلق على ذاته وتحويل تلك الشذرات المضيئة في الاساطير الى حكاية تمتد وتنشئ جسراً متيناً مع الواقع، صلة وصل مع ما عاناه ويعانيه شعبنا من ويلات فاقت حدود الواقع او الممكن تصوره، وهي معاناة ما زالت تتعاظم وتزداد وتيرتها الدموية حدة وشدة، وعليه، ينبغي لملمة تلك المفاصل والاجزاء الاسطورية وادخالها في بوتقة خاصة من الحكي (المتخيل والواقعي ايضا) ليتجسد ذلك كله في رواية ذات بناء أسطوري لكنه البناء الذي يستند الى ارض الواقع الصلبة.. ما العمل اذن؟ ما العمل والاساطير العراقية التي تتعرض للالهة ، كلها ، معروفة ومقروءة ومدروسة بل تكاد تكون شائعة بين الناس، من آلهة الخصب والمياه، الى آلهة الحب والجمال وصولاً الى آلهة الشر والدمار واذا ما استثمرنا الاساطير العراقية هذه في رواية، سوف نجد من يتمم النص خلال قراءته اذا ما ركزنا معرفتنا باساطيرنا فقط بل سيكون ترجيع المعنى وتفكيك المبنى يسيراً وربما يفقد الروائي (خلال القراءة) سحر الكتابة وسرها الذي لانريد فضحه دفعة واحدة للمتلقي، نريد ان نحافظ على نكهة ونبرة في السرد ذات خصوصية ودلالة تعنينا وحدنا، اذن ، لامفر من اللجوء الى الاساطير الاغريقية واليونانية، وعلى هذا وضعت نصب عيني ان ليست الاسطورة والحفاظ على وحدتها البنائية او مساحتها التاريخية هو المهم في الكتابة، بل صناعة الرواية وصياغتها الفنية التي يحق لها استخدام كل الوسائل والمرجعيات والمصادر التاريخية او الاسطورية والخرافية بل وحتى الموروث الشعبي. كان تأليف الرواية يتقدم على كل شيء فالروائي الحصيف ينبغي ان يستغل كل السبل والوسائل الممكنة والمتاحة والمتخيلة من اجل كتابة رواية تجسد صوته الخاص، لذا ينبغي تفويت الفرصة امام القارئ من وضع بدائل واقعية عاشت معه في السلطة السياسية او خارجها وتمتعت بحضور شرير او وجود نافع للناس على مستوى الواقع المعيش في الماضي او الحاضر، هذه البدائل اذا ما تورط في خلقها القارئ واستبدلها برموز الرواية التي تعتمد البناء الاسطوري والاستفادة من الارث الحكائي الشعبي والرسمي المعروفين أو غيرهما، اذا ما حدثت عملية الاستبدال بين اشخاص الواقع والالهة الاسطورية، فأن اولى مهمات الرواية باعتبارها تنطوي على سر اجتماعي وسياسي بل واخلاقي ، هو الحفاظ على قداستها وصيانتها من الانتهاك المباشر لها. عندئذ وجدت الا مفر من تصدير الرواية (محنة فينوس) بعبارة شاملة وقاطعة لكل اشكال الانشغال بالبدائل المباشرة، فكان التصدير الذي حملته الرواية في صفحاتها الاولى قد جاء كالآتي: " لاجدوى من البحث عن بدائل في واقعنا اليومي عن اشخاص واحداث هذا النص لأنه استمد عناصر تأليفه من: الخرافة اصلاً.." وبهذا أوهمت القارئ وأوهمت نفسي بأنني انجزت ما يجب علي ان اصنعه لحماية الرواية من ان تسفح فكرتها وتغدو شائعة ، بل اردت لها الحفاظ على تلك اللحظة التي تتجسد فيها روح الدهشة واشتغال المخيلة والمناجاة غير المتوقعة. ان لغة الرواية كانت تفرض نفسها على الورق، أي يمكن القول ان لغة فينوس كانت تكتبني ولم اكتبها انا ضمن تخطيط مسبق بل عملت على تزجيتها، المخيلة والثقافة والوعي بأهمية اللغة ذات النبرة الاسطورية المتعالية.