المقاله تحت باب منتخبات في
26/05/2008 06:00 AM GMT
كان علي الشوك يريد أن يؤلف كتاباً عن ستندال (1783 ـــــ 1842) والموسيقى، لكنّ المأساة العراقية أورثته كما يقول كآبة حادة، فاضطر إلى التخلي عن المشروع، ثم عاد اليه بعد صدور طبعة جديدة بالإنكليزية لكتاب «مذكّرات معجب بنفسه» (2003). وكان عليه أن يعيد قراءته من جديد ليؤلف كتاباً عنه بعنوان «ستندال» (دار المدى) حيث يصف الشوك قراءته الراهنة لرواية «الأحمر والأسود»(1831) بأنّها رحلة في عالم طوباوي ينتشله من الواقع الرهيب الذي يعيشه (أو نعيشه). إنه يجد يوتوبياه من خلال القراءة، أوليس العمل الفني بتعبير ستندال وعداً بالسعادة؟ أمّا سرّ إعجاب صاحب «الأوبرا والكلب» بهذه الرواية، وبجزئها الثاني خصوصاً ، فيعود الى غرامه بعالم الأرستقراطية. وإذا كان هذا العالم بحد ذاته آسراً كما يقول، فإن ستندال أضفى عليه حيوية أكثر بإقحام بطله جوليان سوريل فيه ليكون محوره بفضل الكفاءات التي يتمتع بها، مع أنّه منبوذ طبقياً. كان ستندال يعلم جيداً أنه يفتقر الى الوسامة، فهو كما وصفه صديقه بروسبير ميريميه مؤلف «كارمن» رجلٌ «بدين، قصير، ممتلئ الجسم، لكنه مفعم بالحيوية». وقد قال له ستندال ذات مرة في لحظة بوح: هل تصدق؟ سأكون في غاية السعادة لو غيرت نفسي الى رجل ألماني، أشقر مديد القامة، وأتجول في باريس بهذه الهيئة». لكن Stendhal واسمه الحقيقي هو هنري بيل، اضطر بدلاً من ذلك الى تغيير اسمه الى زهاء 200 اسم مستعار، ليس استجابة لنزوات، بقدر ما كان لتضليل الرقابة الرسميّة التي كانت تترصد كتاباته ورسائله وأوراقه الخاصة. مع ذلك، لم يكن ستندال ثورياً جماهيرياً، كان ثورياً أرستقراطي المزاج، يشعر بأنّ رواياته تستحق أكثر بكثير مما قوبلت به في أيامه. كانت النساء أكبر إلهام لمؤلفاته، شعر دائماً بأنه يكتب لأجلهن، ولا سيما أنّ أبطاله من الرجال كانوا نسخاً منه في إطار ما. لقد جرب محاولة نادرة كما تقول سيمون دو بوفوار، لم يجربها روائي قبله، إذ أسقط نفسه «بالمفهوم الهندسي» في صورة شخصية أنثوية. ويصف الشوك ماتيلدا بطلة «الأحمر والأسود»، بأنّه لا توجد شخصية روائية أنثوية تفوقها سحراً. إنها الأرستقراطية الرومانسية التي لا يعجبها العجب، بما في ذلك وسامة ونبالة وثراء كل فتيان طبقتها. هي معبودة القراء بسبب جنونها الذي يبقى من أجمل ما ابتكرته يد روائي، وخصوصاً في تذبذب مشاعرها تجاه جوليان، فتارة تهيم بحبه حد التذلل، وتارة تتجبر عليه حد النظر اليه كحشرة. وقد يكون ذلك تعبيراً صادقاً عن السأم الذي باتت تعاني منه الأرستقراطية بعدما تزعزعت مكانتها منذ ثورة 1789. بينما كانت روايته الكبيرة الأخرى «دير بارم» (1839) وتصور الصراعات السياسية في إمارة إيطالية بأسلوب يذكر بدسائس عصر النهضة، تمثل انعتاقاً من رواية الفروسية، فإن «الأحمر والأسود» هي فاتحة الرواية الحديثة بكل معنى الكلمة. إن رواياته تضج بالسياسة. ومع أنّه يعتبر السياسة في العمل الروائي أشبه بطلق ناري في حفلة موسيقية، الا أن رواياته ـــــ كما يقول الشوك ـــــ تحمل أبعاداً سياسية واضحة. فهو يتحدى فيها الممنوعات كلّها، من بينها السياسة والصراعات الطبقية الى جانب الدين والجنس. وقد لامس الجنس المحرّم في «دير بارم» لكنّه لم يجرؤ أن يذهب بعيداً. هناك مقال في الجزء الثاني من الكتاب لبيار بابيري بعنوان «حول السياسة في دير بارم» ضمن مقالات عديدة ترجمها علي الشوك لعدد من الكتّاب والنقاد كتبوا عن ستندال ورواياته، يرى بابيري أنّ فعل الهروبية في الرواية ينطوي على مغزى سياسي عميق، فإذا كان المرء غير قادر على تغيير المجتمع القائم، فبوسعه تبني مجتمع آخر في كتابته، وبالتالي سيتغير كل شيء في المظاهر والأهمية.
|