عزلة الصبّار :"حياة متخيلة لـ سعدي يوسف" |
المقاله تحت باب قصة قصيرة "نصفنا اختراع، والنصف الآخر ذاكرة" وبصرف النظر عن لغة المتاهات البورخسية وتجلياتها الصوفية والملحدة حيث يقول ان اسوأ ما يمكن أن ينتظره في العالم الاخر هو الخلود والأكثر سوءا أن يحمل الاسم نفسه مع انه لا يحتفظ ولا بنسخة واحدة من مؤلفاته التي يكتبها وينساها، بصرف النظر عن ذلك وغيره، الا ان المؤكد هو حكاية بورخيس عن مكتبة سعدي السحرية والملعونة في آن. يقول بورخيس أنه اطلع على مصادر حكايته من شيخ صوفي يعيش في غابات السيبة في البصرة جنوب العراق التي رواها بنفسه لبحار هولندي مر في ميناء البصرة ورغب في ان ينزل الى البر العراقي وكلاهما ـ الصوفي والبحار ـ يتكلمان لغة انكليزية طريفة تتسع كلما أوغل في الحكاية. وعلى ذمة الصوفي، يكتب بورخيس، ان مكتبة سعدي يوسف هي صورة طبق الاصل من مكتبة بابل التاريخية ـ بورخيس كتب قصة تحمل اسم: مكتبة بابل ـ لكن مكتبة سعدي أو الاخضر بن يوسف كما يلقب نفسه، تعرضت مرات للدمار كما لو ان تاريخ هذه المكتبة هو تاريخ العراق. مرة دمرت في الزمن الانكليزي وخرج سعدي يوسف خارج الوطن وحين عاد بعد أحداث 1958 لم يجدها وحاول من جديد بناء ـ يستعمل هذه الكلمة ـ مكتبة جديدة لكن انقلاب 1963 كان له بالمرصاد فخرج مرة اخرى، مختارا ـ مرغما، وحين عاد وجد المكتبة وقد اختفت، وفي الجزائر، على ما يذكر كابر عسفور ـ يقصد جابر عصفور ـ كانت له مكتبة أخرى لكنه هجرها الى بيروت ولم يعد يعرف مصيرها، لكنه في بيروت ترك مكتبة حديثة وربما احترقت بقذيفة جاءت من البحر، الأمر الذي جعل سعدي يعاني من جحوظ العينين حتى اليوم.
فهذا الطفل العراقي اصيب بدهشة ـ ترافق الاطفال والابرياء ـ من نزق البحر وهي المرة الاولى التي يقذف فيها البحر القنابل ولم يعرف السر الا بعد قراءة صحف الصباح اذ تبين انها قذيفة اسرائيلية سقطت عليه" سهوا" لكنه لم يتصالح مع البحر الا في السنوات الاخيرة وكان حين يجلس ـ كما في الصورة أعلاه ـ يدير له ظهره وبلغة بورخيس ان البحر هو الذي يدير ظهره لسعدي وليس العكس، ثم مكتبة عدن والخ وهلم جرا. على الصورة اعلاه ، علق بورخيس في حكايته، قائلا: ان سعدي يوسف في تلك اللقطة العابرة كان قد قرأ قصة قصيرة لأرنست همنغواي اسمها" القتلة" عن شخص ينتظر قتلته ويترك الباب نصف موارب كل يوم وفي كل يوم يقولون انهم سيأتون ولكنهم لا يأتون، وهو في الصورة الذاهلة ليس قلقا على مصيره الذي تجاوز الحياة والموت، ولكنه مشغول بمصير بطل حكاية همنغواي. ان كل ما يهم الشاعر سعدي، يذكر ذلك بورخيس بخطوط مظللة أكبر حجما من العادية، هو مصير بطل الحكاية لأن أبطال الحكايات، يقول سعدي في حوار له مع عجوز تسقي الزهور في الصباح الانكليزي، محبة للثرثرة مع الشرقيين، هم أكثر" اصالة" من شخصيات " الواقع" والأصالة هنا قد تعني في مفهوم البرتو مورافيا، الحلم الأكثر نقاءً من واقع مبتذل، وبتعبير سعدي يوسف: ملتبس بعاديته. هذه العجوز الثرثارة الطيبة المحبة للزهور والكحول والشعر والاغاني الزنجية هي التي روت له يوما حادثة غريبة قد تكون، على قول سعدي، من بنات افكارها. روت له يوم عاد من سفر قصير ـ وعلامة السفر عندها اختفاء الموسيقى لأن الاضواء تظل مشتعلة في كل الاحوال ـ انه جاء الى بيته ثلاثة اشخاص غرباء سألوها اذا كان هذا بيت سعدي يوسف:" قلت لهم نعم هو بيته اذا كان هو يقبل هذا التعبير". سمعت العجوز ان اسم الاول الجنرال باترايوس والثاني اسم عربي صعب مثل امريء القيس والثالث والت ويتمان وظلوا يتشاجرون عند الباب والجنرال يضغط على الجرس حتى قال غاضبا للعربي قيس أو ما شابه هذا الاسم:" فاكينك يو" فرد عليه العربي قيس:" يا ديوب، يا كرجي أو كروجي" فضحك سعدي يوسف لأنه، يقول بورخيس، فهم المعنى وراء الكلمات العربية، أما الثالث فقد ظل صامتا طوال الوقت وهو ينظر عبر السياج الى عشب الحديقة ـ حديقة سعدي. تختتم قولها انها سمعت الجنرال يقول في النهاية انهم سيعودون في يوم آخر. قال لها سعدي لكي يجعل حكايتها أكثر تماسكا وقبولا:" هل قال لك متى؟" فردت عليه العجوز:" لا، الجنرالات كالأعاصير، لهم أوقاتهم".وأضافت ضاحكة:" ماذا تعني كلمة" الديوب" في لغتكم؟" فأجاب:" ليس الان، ليس الان". يروي بورخيس حكايات غريبة عن المدن والمكتبات والأحداث الحقيقية أو المتخيلة التي يقول انه يعرفها عن سعدي. يروي مثلا كما لو انه يقرأ في كتاب "خطوات الكنغر" لسعدي يوسف نفسه، مضيفا له بين وقت واخر من مخيلته، فلا نعود نعرف: هل الحقيقي هو المكتوب أم المتخيل، حكايات مختلفة عن حياته. يقول بورخيس متقمصا سعدي كبطل في حكاية أكثر من كونه شخصا حقيقيا:"ذهبت اليها ـ عدن ـ في 1982 بعد أن أرغمتنا دبابات شارون على مغادرة بيروت. وغادرتها مرغما، في احداث كانون الثاني/ يناير 1986". يروي بورخيس قصة خروجه من البصرة مضيفا بين وقت وآخر عبارة ملغزة" اذا كان قد خرج فعلا" ويضيف متسائلا:" وهل يخرج المرء من جلده؟" وهي عبارة تبدو مستلة من الكتاب نفسه. يروي: " في أواخر السبعينات، كان جو بغداد المكفهر يزداد وطأة وإطباقا على الأنفس والأنفاس. آنذاك، كنت شبه معتزل في منزلي، أكاد لا أتخطى عتبته، ولا أستقبل أصدقاء. لكن الباب يطرق. ويأتي من يدعوني الى الدخول في حزب حاكم متحكم. أخير قال لي أخر الدعاة: نمهلك عشرة أيام. وبعدها سيتولى أمرك آخرون. قلت: عليّ أن أغادر قبل انقضاء فترة الانذار. لكن عليّ أيضا، وقبل أن أغادر، وداع مدينتي، البصرة، بل منطقة أبي الخصيب. استقللت القطار من بغداد الى البصرة. ذهبت، للمرة الأخيرة، الى أبي الخصيب، غابة النخل ، ومتفرع الجداول. شربت شايا في مقهى شعبي. مشيت قليلا في السوق. لقد ألقيت النظرة الأخيرة. لا يزال طريق أبي الخصيب، ماثلا أمامي، نخيلا وشجرا وجسورا وانهارا... لكنه طريق في السماء". في صفحة أخرى وتحت عنوان" بيروت" يحكي بورخيس حكاية الخروج من بيروت:" كانت شمس المتوسط حادة قرب المرفأ. وكان على الملثمين الذين نقلتهم شاحنات أمريكية جديدة من ساحة حبيب أبو شهلا أن يخففوا قليلا من وطأة اللثام كي يتنفسوا بحرية أكبر. إنه الأول من أيلول/ سبتمبر 1982. في بوابة المرفأ كان مشاة البحرية الأمريكيون" المارينز". كنت في الشاحنة الأخيرة مع عدد محدود. دخلنا السفينة ـ يروي بورخيس إن سعدي يوسف قال للضابط اللبناني إن اسمه أحمد سعيد زكريا ـ البارحة، البارحة فقط كنت في فندق كافالييه. اليوم في هذه الظهيرة القائظة، في الساعة الثانية عشرة، تدخل السفينة التي ستقلك الى ميناء طرطوس السوري. السفينة قبرصية يونانية. اسمها" شمس المتوسط". الأفق بلا مفاتيح وأسماك القرش تطاردنا". حكاية بورخيس عن سعدي تتحدث عن رؤيا مستقبلية سحرية. يقول:" ان سعدي يوسف في منتبذه في ضواحي لندن وفي مكتبته الجديدة يشعر ان مكتبته الأخيرة ـ غير واضح ماذا تعني هذه الكلمة ـ ستتحول يوما الى حديقة عامة" لكنه مثل كل نهايات حكاياته لا يفسر كيف. ويقول انه كان يخشى على سعدي من السقوط من سلالم المنزل، ثملا، والانكسار ـ الكلمة الاخيرة ملتبسة في لغة خورخي كما يسمى وهي ماكرة ومراوغة ـ لكنه تذكر قول الصوفي للبحار الهولندي ان سعدي يوسف سيمر بمرحلة يكون فيها قد تجاوز "الانكسار" ولو عثر من كل سلالم العالم. يذكر بورخيس في الصفحة السادسة من حكايته انه لا يستطيع أن يجزم بأي لقاء تم بينه وبين الشاعر سعدي يوسف ولا يستطيع أن ينفي ولكن كاتب سيرة بورخيس الشاعر الامريكي ويليس بارنستون يذكر في كتابه "بورخيس: مساء عادي في بوينس أيرس" ان مثل هذا اللقاء تم ويصفه بالحزين والمثير والعاصف في البار الايرلندي التقليدي الطراز وكان سعدي يكلمه بصوت عال تحت انطباع انه لا يرى ولا يسمع ـ وهو انطباع حدث لبارنستون أيضا مرة ـ فرد عليه:" مهلا، مهلا، لا تظنني أصما". وكان بورخيس يردد هذه المقاطع وسعدي يضع خده الى زجاج الواجهة كما لو كان يصغي لصوت شبح: شبه الظل هذا بطيء، ولا يسبب أي ألم، وعلى طريقة العراقيين الجنوبيين في مقاهي"الأنين" في مدينة الناصرية بصورة خاصة، يستدرك بارنستون، رد عليه سعدي التحية:"للمغني الأعمى سأوقد قنديلا، وللحافيات في الجمر قنديلين، نمضي مع الخرائط، نمضي مع من دارت الدهور عليهم، علّنا في فجاءة نبلغ الأرض التي لم تكن". ثم غادرنا المشرب في المساء على رذاذ مطري ناعم، منتشين بالنبيذ والصداقة والشعر، مع ان بورخيس كتب يقول اننا خرجنا، اذا دخلنا فعلا، في الغبش. يعلق بارنستون على ذلك: بورخيس منذ أن أصيب بالعمى وهو يرى الاشياء بحالة غبشية مبهرة. كنا نمضي تحت المطر الى بيت سعدي، يواصل بارنستون الكلام، وسعدي يمشي قفزا دون أن يدرك ذلك بورخيس وكان يسألني حين ينقطع الصوت عنه، فأجيب قائلا انه يقفز، وحينها لعلعت ضحكة بورخيس التهكمية وخشيت أن يطلق واحدة من عباراته الخشنة، فقال لي همسا:" صديقي بارنستون، ان يوسف تعلم هذه العادة منذ أن رأى أول مرة الكنغر في الحديقة اليابانية بإحدى ضواحي سدني. لقد شاهد حياته هو في تلك القفزات". وعندما لم أفهم الجملة الأخيرة قال لي بورخيس محتدا:" اسمع بارنستون، لا تكن غبياً. قلت لك انه شاهد حياته في "خطوات الكنغر". هذا الرجل عاش يوم حساب طويل وكما تعرف ان يوم الحساب ليس الذي يأتي في النهاية". فقلت موضحا:" انت قلت لي هذا الكلام في سنة 1980 خلال مقابلة اذاعية أجريتها معك في زيارتك لجامعة بلومينغتون في انديانا. هل تذكر؟". فقاطعته ضاحكا:" بعد لحظات ستقول انك كنت أحد جنرالات نابليون أو انك قاتلت على جسر ستامفورد في النرويج في القرن الحادي عشر يوم هزم الملك هارولد وانتهى زمن القراصنة الفايكنغ؟". رد بورخيس وهو ينظر نحو المساء الغبشي:" أعتقد أنك تلمح الى قصتي القصيرة" الخالد". هل لا يزال يقفز؟ ولكن دعني اقول لك شيئا عن هذا النهر سمعته من يوسف ومن غيره. صحيح انك تستطيع عبوره بوضع قدمك في قارب صغير، لكنه، وهذا الكلام كتبه يوسف بنفسه" تعرفه ـ النهر ـ ذئبا ينام بإحدى مقلتيه". إنه نهر الطوفان التوراتي. هل توقف عن القفز؟" كان الربيع مشرقا فوق الحديقة في الصباح كنور متوهج على سطح قوارب المستنقعات، كلوحة الشروق لكلود مونيه، حين أفاق سعدي من النوم مذهولا من هذا الطقس غير المتوقع لانه عندما نام كان الوقت شتاءً، يقول بورخيس. لكن بارنستون يقول إن هذه واحدة من أوهام بورخيس أو ألاعيبه. ليس سعدي من نام في ليل شتوي لكي يستيقظ في صباح ربيعي، لكنه بورخيس، وهي عادة مزمنة عند هذا العجوز الأعمى والماكر،خلط بين قراءتي" السونات المرعبة" لجيرارد مانكلي هوبكينز، عندما كنا في رحلة بالطائرة الى مدينة روديلا بلاتا، أليشيا جورادو روائية وكاتبة سيرة ورئيسة جامعة PENفي الارجنتين وبورخيس وأنا. كنت في الطائرة أقرأ جيرارد:" أستيقظ واشعر هبوط الظلام، لا النهار" لكن العجوز الماكر، صانع الأوهام والمتاهات، قلب ليل سعدي الشتوي نهارا ربيعيا، لذلك لا يمكن الوثوق بدهشة سعدي لأنها لم تقع رغم ان هذا التعبير غير مناسب لحصان قديم خبير بالطريق والمتاهات. باغتني بورخيس كعادته قائلا:" ربما لم نصل منزله كما تقول ولكنني أتذكر جيدا انني شممت من حديقته رائحة زهور تنمو في المقابر في الأساطير اليونانية وتسمى asphodelos وتعني البروق. من أين جاءت تلك الرائحة لو لم نكن فعلا قد دخلنا المنزل؟" لم أجب لأن بورخيس تحدث عن هذه الزهور في قصيدة الجحيم والجنة ويقول في مطلعها:"ليس جحيم الرب بحاجة الى مجد النار". لم أجب لأنني أعرف ان سؤاله الأخير لا معنى له سوى التأكد من أنني لست شارد الذهن وهو لم ينتظر الجواب، ولكنني بحثت عن" علاقة" بين هذه الأمثلة المختلفة: حدس الشاعر والراهب والجوال. قلت:" اذن هذا يفسر قول الشاعر كوفيد الذي كان يملك بيتا ريفيا في شمال سييرا مورينا: قلت موضحا:" الصحراء هنا تعني، حسب تفسير أوكتافيو باث، المكان الذي ليس فيه الا القليل من الناس". في الصفحة العاشرة من حكايته عن سعدي يروي بورخيس حكاية المرأة ذات الثوب الأسود في البار الايرلندي ويتحدث عن الضوء الباهت عند مالكة البار ثم دخول رجل يحمل أفعى ملتفة على يسراه ومالكة البار تردد أغنية عن قراصنة غرقوا في البحر الكاريبي. عندها رن جرس الباب، فقال بورخيس جذلا كطفل بوغت بهدية:" انها ماريا ـ سكرتيرته لمدة عشرين سنة ـ قل لي، أرجوك، صديقي بارنستون، هل هي جميلة؟". في صفحة جديدة غير مرقمة تركت هكذا بتعمد كما يشير الهامش في الأسفل، نقرأ هذه الإشارة:"هذه الصفحة يمكن ترتيبها حسب الرغبة" يقول بورخيس معلقا على حكايته في شرح موجز:" ان سعدي يوسف لن يكون مهتما تماما عما اذا كانت حكايتي عنه حقيقية أو متخيلة لأنه هو نفسه كان قد أعجب برواية"حياة متخيلة" لديفيد معلوف عن الشاعر أوفيد الذي نفاه الإمبراطور الروماني أغسطس الى أبعد مكان في الامبراطورية والى قرية تسمى" توميس". أوفيد عاش بين 43 .ق.م. و17.م. لم يعثر على قبره حتى اليوم على ما يذكر سعدي يوسف في كتابه" خطوات الكنغر" ويضيف:" روايته الشهير حياة متخيلة تتناول الجانب الذي لم يَضأ بعد، من أوفيد. أي حياته في المنفى النائي، بين البرابرة". يقول معلوف في تعريف الرواية:" نعرف القليل ، القليل، عن حياة أوفيد، وقد جعله غياب الواقع هذا، نافعا باعتباره الشخصية المركزية لحكايتي، وسمح لي بحرية الابتداع الطليق، فما أردت أن أكتبه ليس رواية تاريخية ولا سيرة، بل قصة تمد جذورها في الحدث الممكن. الأمور التي نعرفها، مصدرها الشاعر نفسه، مكان وتاريخ ولادته، والمنفى الشهير، مع أننا لا نملك تفسيرا لسببه. أوفيد ممثل الى حد كبير. ميال الى المبالغة، بغية التأثير، ولهذا فإن ما يخبرنا به لا يمكن اعتماده كثيرا. استخدمت قصيدته عن المنفى" تريتيا" في وصفي" توميس"، واعتمدت على الكتاب الثالث من" فاستي"، ودراسته عن الاعياد الرومانية الرئيسية، في تفاصيل عيد" باريليا" إما اشارتي الى القبور السيثية فهي من هيرودتس. أما اللقاء مع الطفل، الذي يشكل القسم الأكبر من هذا الكتاب ـ الرواية ـ فليس له أساس في الواقع". كان سعدي، كما تقول حكاية بورخيس، قد عاش في عمارة بلا مصعد في باريس ولا يعرف اللغة الفرنسية ولا اسم الشجر الذي يلوح عبر زجاج النافذة "إنه ليس النخل، ولا الدَّوم، وليس السيسبان" لكنه يتذكر أوفيد الذي سلم الى شيخ القرية يفعل به ما يشاء. إن أوفيد كالراهب الباسكي والجوال الكندي يحاول التمسك بالشعر والصراخ من خلاله كي يتوازن في منفاه" في العراء، أدأب على الصراخ، وأحدث نفسي لأنني ببساطة، أريد أن أحتفظ بالكلمات في رأسي، أو أن أخرجها منه/ أركع على ركبتي، وأشرع أحفر الأرض بأظافري الطويلة. احيانا تأتي الذئاب، وتنبش بمخالبها الى جانبي، وهي تعوي. نحن نحفر معا، وهي لا تعيرني من انتباهها أكثر مما تعيره لشبح". يعلق بورخيس قائلا على هذا النص:" سعدي يوسف عندما لم يستطع العيش في منفاه الباريسي، فضل الاقامة في شعر أوفيد. اذا كانت قرية توميس هي منفى أوفيد، فهي تعني عند الآخر ملاذا. ما الذي يجعل الشاعر يهرب من مدينة عصرية كباريس الى قرية بربرية ومنفى لو لا" قرابة المحنة" أو قرابة الشعر؟". *** نحن نتحرك ببطيئين. الخيل تشق طريقها خلال المستنقع ذي الحشائش المتطاولة، وتتنفس مجهدة ونحن نرتقي التل. كل الأرض التي تعلو بطائح النهر ممهدة، وعلينا ان نلازم تلك الأرض، لأن المناقع لا تزال مغمورة بأمطار الصيف. أخيرا شرع الضباب ينقشع. لقد صرنا في أرض قليلة الشجر، ينبت فيها عشب مبيض ذو رؤوس كالرماح، تضيء ذهبية وبنية في الشمس الطالعة. الأرانب تفر منا في الدغل، والرجال يضحكون ويتصايحون وهم يرون الذيول البيض تبتعد. نحن الآن نصعد منحدر هضبة شجراء وراء بروز من صخور متكسرة قد يحسبها القادم من عالم آخر، تحصينات قديمة. نصعد صعودا حاد بين الجدران الغرانيتية المنتصبة، واسمع في أول الرتل، أول حصان يخب في ما يجب أن يكون متفسخا. وحين أعتلي آخر نهدة معشوشبة، والحصان يكاد يزلق تحتي أرى، انها دائرة طبيعية ضخمة. توقف أول الفرسان على مبعدة ثلاثين ياردة مني، وأسرع الآخرون ليكونوا الى جانبه. ثم ينطلقون معا، في رتل، داخل ستار من أشجار الصنوبر التي كادت الريح الهابة تعريها، وانا متخلف عنهم قليلا، فلقد عرفت أننا في صعودنا الى هذا المكان قمنا بتحويلة، وهذا يعني أن ثمت طقسا معينا سيقام، ليس لي دور فيه. دخلنا في ستار الصنوبر، على بساط من الأشواك الناعمة التي أثارت حوافر الخيل عطرها. عندما بدأت غابة الصنوبر تفقد كثافتها، بان ما وراءها، لوهلة الأولى لم أستطع أن أتبين ما هو، ثم أدركت من الحكايات التي سمعتها انه الدائرة العظمى لركام الجنائز، ربما كانت مائة كومة، كلها من الحجر المكسور، وكثيرُ منها لا يزال يعتليه الهيكل العظمي للحصان، وراكبه، مخوزقا على وتد، وهي الطريقة اللائقة لدفن فارس. أنا اتبع الراكبين حول الدائرة العظمة. طيور كبيرة تخفق أجنحتها مبتعدةً، وتحلق في دائرة فوقنا. الريح تهز الأوتاد، فتقرقع في مفارزها، فاستعدت جيش الأشباح الذي رأيته في حلمي. نحن ندور راكبين، حول الدائرة، مرة، مرتين، ثلاثا، ثم نتوقف. الشيخ يخرج من كتفه محفظة ملأى بالحَبَ، وبغتة يقود الفريق كله في سباق وحشي بين الموتى، جيئة وذهابا، بين الأوتاد المقعقعة وهياكلها العظمية، ملقيا حفنات من الحبَ في أفواه الموتى، وصارخا كي يبعد الأرواح الشريرة والطيور. وألحظ للمرة الأولى أن حولي في نور الشمس سيقانا هزيلة من الشعير، والشوفان البري، وحتى القمح. نحن في وسط حقل كبير. تصمت صيحات الرجال، ويركب الشيخ الى جانبي، مبتسما، ويقدم لي قبضة بذور. آخذها مرتبكا، وأخفق للوهلة الأولى في معرفة مقصده. بابتسامة تكشف كل أسنانه الرديئة، يرمي رأسه الى الوراء، ويطلق صرخة تخثر الدم، ثم يوميء برأسه ويبدو كأنه يتوقع شيئا. بوعي ذاتي مني، أعيد الصوت. يبتسم ثانية، ويصفق كتفي، وهو لا يزال يبتسم. أدور في الدائرة المتألقة، مقدما تقليدي الخافت لصيحة موت الفارس، وناثرا حفنتي من الحبوب. والغريب حقا، أنني اشعر بلحظة انتعاش، وأنا أروح وأغدو بين الأشكال المنتصبة، مما ذكرني بشيء ـ شيء يعجز ذهني عن الامساك به ، كأن هذا كله قد حدث من قبل، أنا أصيح ثانية، أعلى، وأدور في الحقل دورة ضيقة، كما رأيت الآخرين يفعلون، تاركا الهواء البارد يملأ رئتيّ، ثم أطلق صيحة مديدة، وأشعر أنني تحررت من شيء. كأن خوفا ما خرج مع أنفاسي وجعل روحي حرة. وأقول لنفسي أنا روماني، أخب عائدا الى حيث يجلس الآخرون، مبتسما ابتسامة عريضة. انا شاعر روماني. لكن ذلك النفس، والصوت الذي يحمله لا يزال يخرج من جسمي الى العالم، وأشعر بأني أكثر حرية، لهذا السبب يحييني الشيخ بأن يمسك يدي. يقول كلمات لا أفهمها، وبينما نحن نركب، عائدين، ينتحي أحد الشبان بحصانه جانبا، كي أتمكن من أن أتقدم الصف بعد الشيخ مباشرة، بينما بقية الفريق تتبعنا. وأنا على ظهر جوادي، في نور الشمس، أجدني أفكر، ربما للمرة الأولى في ثلاثين عاما، بشقيقي الذي مات حين كنت شابا، والذي احتللت مكانه باعتباري وارث أبي. قبل ثلاثين عاما، وأنا على ظهر جوادي، مثل الآن، بعد جنازته، وأبي الى جانبي، تقدمت فجأة، وجعلت بيني وبين أبي جوادا. إنه غاضب مني، وانا منزعج، متضائل، لأنني أعرف ما يفكر فيه، فمنّا، نحن الإثنين، كان أخي هو الذي ينبغي أن يظل حيا. فأنا شخص لعوب، لا يصلح لشيء في العالم. أخي هو الذي كان سيحافظ على آخر قطعة من أراضينا، ويتسنم منصبا عاما رفيعا، ويفعل كل ما هو متوقع من ابن طيب أن يفعله بخصوص تقوى آلهة عائلته. أعرف أن هذا حقيقة، وأحس بحياتي، وثقل جسدي كله على السرج، عبئا. كنت سأفعل أي شيء، كي أرقد في القبر الحجري، وكي يكون هو على ظهر جواده، في نور الشمس، وأبي الى جانبه، لكن الكبرياء جعلتني عنيدا. كنت لتوِّي أخبرت أبي بأنني سأغادر، ولن أعود. ولقد بدأت بالفعل مغادرتي، مبتعدا عنه على الممر الضيق من الغيضة، وجاعلا بيني وبينه مسافة حصان كاملة. أنا الآن في طريقي الى روما. أنا في طريقي، وإن كنت لم أعرف هذا بعد، الى المنفى، منطلقا الى هذا اليوم، بعد ثلاثين عاما، حين سأكون شيخا، أركب مع البرابرة في نهاية العالم، خارج القانون الروماني الذي آمن به أبي ايمانا حارا، وخارج الدولة الرومانية التي كرسنا لها، حيث لا أحد يعرف اللغة الرومانية على مسافة تسعة أيام من الركوب، من كان يحزر ذلك الصباح، بأننا سنركب، مبتعدين عن بعضنا، الى هذا الحد ـ وأن لعنته عليّ، التي قد لا يكون نطق بها، بل ربما لم يسمح لها بأن تخترق سطح ذهنه، قد طوحت بي الى هذا البعد، وظلت طيلة هذه السنين مثل تيار بارد على ظهري، حتى في نور الشمس. الآن، بغتة، صار نور الشمس على ظهري دافئا. ففي مكان ما، في كل تلك الصيحات البربرية على الهضبة، جعلتهما يعودان الى حياتي، الأخ الميت قبل ثلاثين عاما، والأب الدفين عاما واحدا قبل طردي. لقد كنت أصيح من أجلهما. والطقوس التي لم أكد اؤديها خلال جنازة أبي ـ ابنُ روماني،يضحي، ويرش بضع قطرات باردة من أجل أب روماني ـ هذه الطقوس عادت حية، فجأة، في تلك الصيحة، فانتهيت من الموتى. بعد مرور ربع قرن تقريبا على كتابي" الصانع"، كنت أجلس في شرفة فندق في العاصمة الجزائر أقرأ في خاتمة الكتاب الذي يدور حول "رجل يوكل لنفسه مهمة رسم العالم. وخلال السنين يعمر الفضاء بصور الأقاليم والممالك والجبال والبحار والسفن والجزر والأسماك والغرف والأدوات والنجوم والخيول والناس. وقبل موته بقليل، يكتشف أن كل ما ترسمه تلك المتاهة الطويلة من خطوط هي صورة وجهه"، وعندها سمعت شخصا يقول لآخر من الطابق الذي فوقي: "ماذا سنفعل؟ فيجيبه الثاني:" نلوّح بملاءة بيضاء من ملاءات الفراش، لعل سفينة ترانا من بعيد، فتنقلنا الى بلادنا" فيسأله الآخر:" فإن لم ترنا سفينة عابرة؟" فيقول الثاني:" نعود الى عزلتنا لنكتب". قال لي عامل الفندق واسمه ابراهيم الكوني من الطوارق حين سألته عنهما، قائلا:" أحدهما عراقي اسمه سعدي يوسف والثاني سوري اسمه سليم بركات وقد أضاعا غرفتهما لأن مصاعد الفندق ذات أرقام تعني العكس" وأضاف الطارقي، مازحا:" متاهة، يعني". بدا لي هذا الحوار بينهما كما لو انه تتمة لخاتمة الصانع. في البار الايرلندي وبعد مرور سنوات طويلة على الحادث، كنت أروي هذه الواقعة لسعدي يوسف، فرد علي مندهشا:" انت، اذن، من كان يجلس تحتنا في الشرفة ويقرأ في كتاب الصانع؟". وفي يوم من الايام كنت أجلس على شرفة بيتي في بوينس آيرس، محاولا فهم معنى جملة افتتاحية كتبتها قبل سنوات طويلة تقول" من فرط التفكير بالخلود، تركنا الغسق يطبق دون أن نشعل المصباح" حين رن هاتفي وكان المتحدث على الطرف الاخر هو الشاعر دوبزنسكي من باريس": انت السيد بورخيس؟" اتجهنا لضيق الوقت، حالا، الى مقبرة بير لا شيز القريبة من جدار كومونة باريس، وكان الوقت خريفا والأوراق الصفر تملأ أرض المقبرة ولم يكن ذلك يهمني لأنني لا أراه، لكني شممت في الهواء عطر ماريا، مستفزا، كعطر جواد مستثار، وأنا أعرف لون الفصول والألوان والمشاعر من عطرها الداخلي. سمعتها تقرأ اسماء بعض الشواهد الرخامية: لويس أراغون، ايف مونتان، وقبل أن نصل الى قبر بول ايلوار قبضت علي يدي بقوة وكان الجزء الوحيد في جسدي الذي جفل هو ذراعي. في المقبرة لم نجد غير اربعة أشخاص هم كما قال لي دوبزنسكي: شاعر فرنسي لا أتذكر اسمه، ومصور صحيفة، وهو، وشخص آخر بسحنة شرقية متحفزة كشخص خارج توا من سفينة قراصنة غارقين قال دوبزنسكي انه شاعر عراقي اسمه سعدي يوسف ظل يردد في صلاة طويلة أمام الشاهدة:" إن كنت أنت المسيح، فخلص نفسك وإيانا" غرقت في عطر ماريا اللذيذ، ولم أفق الا في سريري المنزلي وقد نسينا شراء باقة زهور من فرط العجلة. حين ذكرت ذلك لسعدي في البار الايرلندي، قال:" يوم مات ايلوار، مشى في جنازته ربع مليون فرنسي. لكننا في ذلك اليوم لم نكن سوى أربعة أشخاص". قاطعني سعدي:" أعرف ذلك. قرأت عن الأمر في حكايتك" الشاهد" لكن الشيء غير المؤكد بالنسبة لي هل ان الناقوس قد أيقظ الرجل من النوم أم من الموت؟ هل نام حقا أم انه نسى الحياة وحلم انه ميت؟" لو أردت يوما كتابة سيرة سعدي مفصلة، مع أنني لم أكتب سيرتي الشخصية ابدا، ولن يحدث هذا، لأنك حين تكتب سيرتك، إنما ترسخ صورة ذهنية واحدة، وأنا لا أحب ذلك، وأرغب في أن ينساني الناس وأتلاشى كعاصفة رمل، أقول لو أردت، لأطلقت عليه اسم أنا أخماتوفا التي قال عنها سعدي نفسه:" خٌلعت عليها ألقاب وصفات غاية في التناقض، فهي السيدة العظيمة، والملكة، وسافو الروسية، وهي أيضا المرتدة، الرجعية، والسيدة البورجوازية ذات الرأس الحائر بين الفراش والكنيسة. إنها المطرودة من اتحاد الكتاب في العام 1946، والمتولية رئاسته في العام 1964... إنها أميرة التتر ـ أنا اخماتوفا اسم جدتها التترية ـ .المجد لا يوازيه الا الشقاء. كانت تحتفظ بقطعة نقدية قدمتها اليها، صدفة، امرأة عجوز في الطريق. حسبتها متسولة. ويقال ان دستوييفسكي أيضا كان يحتفظ بقطعة كوبيك قدمتها اليه امرأة في الشارع، بعد أن قالت لها ابنتها التي كنت بصحبتها، قدمي كوبيكا لهذا التعيس". لقد حدث له ما هو أسوأ من رمي قطعة نقدية ترمى لمتسول حين وجد نفسه يوما في غرفة بائسة في باريس، باريس بلا نخل ولا سيسبان، لكن تدخل عبد اللطيف اللعبي في العام 1992 الذي بذل مساعيه لدى بلدية أوبرفيلييه وأقنع رئيس البلدية، الوزير السابق جاك راليت، بقضيته ـ كتب ذلك بنفسه ـ فحصل على شقة أفضل. لكن رسالة من دائرة البوليس تطلب منه مراجعة الدائرة، وبعد انتظار دخل على المسؤول الفرنسي الذي أطلعه على تقارير حول نشاط المنفيين في باريس ومنهم هو لكنه قال:" المعلومات سطحية حتى الآن. بإمكانك مساعدتنا" كتب سعدي عن ذلك فيما بعد:" أحسست بدمي يتصاعد، وبحبات عرق تنبجس من جبيني. قلت على الفور:" ايها السيد، أنا لا أحب هذه الكلمة". كان عليّ، إذا، أن أغادر باريس. وقد غادرتها مرغما". كنا قد جلسنا مرة اخرى في البار الايرلندي"أعني حانة فيتزجيرالد" ولم أساله أين اختفى في ذلك الغبش أو المساء كما يصر بارنستون، فحدثني عن مطاردة الشرطة السرية له في العراق وحدثته عن الأمر نفسه لي في بوينس آيرس. كنا نتبادل المطاردة والقتلى والشعر. انتهى بي الأمر، حين ذكر اسم البار، الى أن أردد مقاطع من رباعيات الخيام ترجمة فيتزجيرالد: " وأنت تقرأ، قلت له، كنت أفكر بنمر بلا ماض، ولا مستقبل، اللحظة الراهنة فقط. نمر قوي، وبريء، وجديد. سيقفز مساحات بربرية وسيتشمم من تلك المتاهة المظفورة بين الروائح كلها شميم الفجر، وعطر الغزال اللذيذ". فكرت في أن غير الموضوع فرددت بعض مقاطع من شعري: وكان هو يكمل البقية: قلت وقد بدا لي وجهه، في عتمة البار، كساحل فجري مهجور الا من الطير والضباب": اسمع يا سيد يوسف، لقد كان الماضي، كما يقول سلفك المقتدر المغربي الذي عاش في القرن الثاني عشر، أفضل مواسم الموت". عندما لم يعلق سعدي، تابعت:"رغم كل هذه الضجة عنا وحولنا، يخيل لي أننا نعيش في وحدة مطلقة" " يباغتني الصبار... سألته :"على ذكر عمان، زرت البتراء وسألت عن الينابيع السبعة التي قيل إن النبي موسى ضرب الحجر بعصاه فتفجرت ماءً. لم أجد شيئا من هذا. ماذا كنت تفعل هناك؟". لعلعت ضحكتي في فضاء البار الايرلندي، فجأة. جاءت ماريا وجلست الى جواري، فشممت رائحة الخزامى التي اشتراها لها سعدي من دكان الهندي في الساحة القريبة من المنزل. قالت لي هامسة": ألا يذكرك بأنطونيو ماتشادو؟" ضحك سعدي قائلا:" الخزامى من مراعي الإبل وتظهر رائحتها في الحليب" ثم راح يقرأ علينا شعر "امرؤ القيس":" كأن المدام وصوب الغمام/ وريح الخزامى ونشرٌ القطر". قال سعدي لماريا:" يبدو انك محبة لأنطونيو ماتشادو كثيرا؟" قلت:" أنا لا أحب هذا المأتم في هذا المكان. ماريا كوداما تقول أشياء كارثية في بعض الأحيان بسبب جذورها اليابانية. كنتما تتحدثان عن أنطونيو ماتشادو. اليس كذلك؟ في الحرب الأهلية الاسبانية عاش في بلدة كوليو الفرنسية في أقرب نقطة حدود مع اسبانيا كي يكون قريبا من الأخبار وهذا ما فعله يوسف في عمان. ماريا، هل أعددت شيئاً لهذا المساء؟". هوامش: |