زيارة تفقّدية |
المقاله تحت باب في السياسة من أخفى البزّة العسكرية للقائد؟ من سرق المسدس؟ من استولى على الأوسمة؟. من حسن حظه انها لم تكن هناك. لو خرج بها لسارعوا الى إعدامه مجدداً. هذه المرة سيسحلونه بالتأكيد. سيعلقون ما تبقى منه على مدخل المنطقة الخضراء. سيقصّبونه. سيحتفظون بنتف من لحمه. يحبّون الثأر ويعشقون الشماتة.
صار الانقلاب مستحيلاً. لا جدوى من استدعاء مجلس قيادة الثورة إلى اجتماع عاجل. لا مجال لاستنفار أعضاء القيادة القطرية. لا الحرس الجمهوري هناك. ولا أجهزة الاستخبارات ساهرة. ضربهم الزلزال وراحوا. سيتنكر إذا بثياب مواطن عادي. مجرّد شهوة أخيرة في تفقد الأماكن واسترجاع الذكريات. يغادر قبره على عجل. يقود سيارته مسرعاً. لم تتعرف عليه حواجز الصحوات ولا حواجز الشرطة. يتوقف عند طرف ساحة الفردوس في بغداد. يتذكَّر. قبل خمسة أعوام سقطت بغداد. سقط معها العراق. وسقط كثيرون وأشياء كثيرة. ابتهج كثيرون في الداخل والخارج بمشهد سقوط تمثاله. ابتسموا ورقصوا. وقالت إذاعات إن تمثال الطاغية اقتُلع وتناثر. كانت الدبابة الأميركية حاضرة ومشاركة وتعب عراقيون من شدة الرقص. يبتسم. إذا كنت أنا المجرم الكبير والوحيد فلماذا يهرب الناس الى منازلهم قبل حلول الظلام؟ ولماذا ينامون وأيديهم على الزناد؟ ولماذا صارت الأحياء من لون واحد تقريباً؟ إذا كنت المجرم الوحيد فمن أين تجيء كل هذه الجنازات اليومية؟ ولماذا فاق عدد المتّشحات بالسواد الآن عددهن في عهدي؟ ولماذا فر ثلاثة ملايين عراقي الى الخارج بعد سقوط ما سموه «جمهورية الخوف»؟ ولماذا يتفادى الشيعي المرور في حي سنّي وبالعكس؟ وإذا كنت أنا المجرم الكبير والوحيد فمن اغتال العلماء بعد سقوطي؟ ومن اغتال الطيارين وأساتذة الجامعات؟. تراوده رغبة استثنائية في الاعتراف. أنا ابن هذا التاريخ الصعب لهذه البلاد الصعبة. أنا من سلالة الحكام القساة. من سلالة الطغاة. قتلت بلا رحمة. اقتلعت الأخطار قبل استفحالها. شطبت أفراداً وعائلات وقرى. انجبت جيوشا من الأرامل والأيتام والثكالى. هذا صحيح. لكن اذا كنتُ المجرم الوحيد فلماذا قتل بعد سقوطي أكثر مما قتل في عهدي؟ ومن أين جاءت كل هذه الجثث المجهولة في شوارع بغداد؟ ولماذا لا يلمع غير الدم على صفحات دجلة؟. لم يعد ثمة ما يبرر الخوف أو التستر. قتلت كثيرين وكنت ظالما. قسوت على الشيعة والسنّة والأكراد. ادميت الكويت وإيران. غامرت وجازفت وخسرت. لكن أين أسلحة الدمار الشامل التي تذرَّع بها بوش للانقضاض على العراق؟ أين هي العلاقات التي كانت تربطني بتنظيم «القاعدة»؟ وأين هي الديموقراطية التي جاؤوا لزرعها؟ ولماذا لم تقم؟. يغادر ساحة الفردوس ليتوقف قرب المنطقة الخضراء. أنا طاغية وعدو للديموقراطية. أنا متسلط وأكره صناديق الاقتراع إن لم تُطبخ سلفاً في مقرات المخابرات. لكن لماذا لم ينجح الحكيم والجعفري والمالكي في إرساء قواعد الديموقراطية؟ وهل يمكن القول إن العراقيين يراهنون على مقتدى الصدر و «جيش المهدي» لبناء دولة القانون والمؤسسات؟ أم تراهم يراهنون على دور طالباني لحفظ عروبة العراق ووحدته؟ وهل يمكن القول ان جمهورية المنطقة الخضراء التي ابتهجت باستقبال محمود احمدي نجاد هي التي ستستعيد العراق من أيدي اللاعبين الاقليميين والدوليين؟. لن اخفي شيئاً. كنت قاسياً. وكنت فظاً. وأقرّ بما فعلت. من الجنوب الى حلبجة. لكن إذا كنت المجرم الكبير والوحيد لماذا لم تنعم البلاد بالأمن والرخاء في غيابي؟ لماذا لم تغرق في الطمأنينة بعد إعدامي؟ وما جدوى الابتهاج بتخطي عدد الجنود الأميركيين القتلى حاجز الأربعة آلاف إذا كان العراقي أقسى على أخيه من المحتل؟. يجلس على ضفاف دجلة. تراوده رغبة في البكاء. إذا كنت أنا الطاغية فلماذا أعدموا العراق أيضاً؟. استولى عليه التعب. لن يرجع لينام في قبره في العوجة. يفضِّل الاقامة في بغداد. ألقى بنفسه في النهر. |