ياسين النصير: الفردية لا تنتج تيارات نقدية |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات اهتم ياسين النصير بالمكان بصفة خاصة، وربط بينه وبين الإبداع العربي، وله عدد من الكتب منها “إشكالية المكان في النص الأدبي”، و”دراسات نقدية ونظرية” وقد صدر عام ،1986 و”الرواية والمكان” وصدر في جزأين. خرج ياسين النصير من العراق في التسعينات من القرن الماضي إلى هولندا، ويعيش منذ ذلك الوقت هناك ممارسا نشاطه الثقافي، سواء بإصدار جريدة أو بإقامة ندوات أدبية أو حوارات مع الأدباء العرب في المنفى، وهو مهتم بتعريف الجمهور الهولندي بالثقافة والفكر العربي. التقيته في القاهرة ودار بيننا هذا الحوار: ماذا تفعل الآن في هولندا؟ أعمل في مؤسسة “أكد للثقافة والفنون” ولها برنامج ثقافي سنوي. يركز على النشاط العربي والعراقي، بصفة خاصة الوثائقي، نقيم مهرجانا للسينما الثقافية ومهرجانا لسينما الأطفال. ودعونا إليها عددا من المثقفين العرب الموجودين في هولندا منهم نصر حامد أبو زيد ورؤوف مسعد وحسن حنفي. ولماذا “أكد”؟ “أكد” هي أقدم الحضارات العراقية الثلاث الآشورية والسومرية والأكدية، وقد وحد سرجون الأكدي الملك العظيم المنطقة ولا تزال آثارها موجودة حتى الآن في العراق، ونحن نخاطب الجمهور الهولندي أكثر باللغة الهولندية، وإذا لم تتوافر اللغة الهولندية نكتب ملخصا للندوة بالهولندية، ونصدر جريدة اسمها “ثقافة الحادية عشرة” لكنها توقفت بسبب عدم وجود تمويل كاف لإصدارها.. أصدرنا منها 23 عددا قدمنا فيها المشهد الثقافي العراقي، وجعلناها بيتا للمهاجرين العراقيين، ينشرون فيها مقالاتهم وأعمالهم الإبداعية وفتحناها للمثقفين العرب وللظواهر الثقافية العربية. هل تتابع الأدب العراقي في الداخل؟ الأدب العراقي يعيش مخاضا ثقافيا حقيقيا. حجم الحرية كبير، لا توجد موانع، فهناك صحافة هائلة الآن بدأت مرحلة تجريبية خاصة في القصة، هناك عشرات الكتاب الجدد نقرأ إنتاجهم الجديد والأحداث التي مرت على العراق بدأت تفرز أحلاما جديدة وشخصيات جديدة، الإنسان الذي كان مهمشا أصبح أساسيا وهذا ينتج نصوصا ساخرة. في حين أن شخصيات الطبقة الوسطى القديمة اختفت من المشهد العراقي، وقد أثر هذا في إنتاجهم وفي أسلوبهم الفني أيضا، فأحداث الحرب مع إيران والكويت بدأت تظهر في النص، بدأت تجاربهم الشخصية تنضج مع التجارب العامة لأنهم كانوا جنودا وتجاربهم امتزجت مع تجارب أوسع سواء في القصيدة أو القصة. أما المسرح فقد عاد من جديد، لكن المشهد الرائع هو السينما، لدينا حركة سينمائية رائعة خاصة في الجانب التوثيقي. هل أنت متابع للأدب العربي الحديث؟ هذا شغلي أتابع المسرح المصري جيدا وأستطيع أن أتحدث عنه ونحن نعتمد عليه، وأنا صديق للمبدع والمثقف المصري. الإبداع المصري يصلنا بشكل كامل لكن المشهد الثقافي العربي أضعف. وما السبب؟ تغليب مشاكل سياسية واجتماعية على الإبداع، الإبداع يحتاج إلى خبرة اجتماعية وفكرية، كما أن مستوى التعليم بدأ يضعف، كما أن الإنتاج الإعلامي الدعائي بدأ يغلب على الإنتاج الثقافي، وعدم وجود مال كاف للإنفاق على الأسرة في بعض الأحيان يجعل من المستحيل على المثقف أن يبدع إنتاجا حقيقيا، هذا بالإضافة إلى غياب الأيدولوجيا أيضا.. غياب الوعي، ووجود المشاكل السياسية في البلدان العربية كلها، وجود الاستعمار بشكله القديم الآن، ودخول أنماط الاستهلاك العالمية، كلها عوامل محبطة. مَن من المبدعين العرب الذي يطور نفسه الآن؟ جيل الستينات فحسب. جيلي هو الذي مازال ينتج بشكل أفضل حتى الآن، يطور نفسه ولديه تماسك في رؤيته. هناك أيضا الشباب. ألم تفكر بعد هذه التجربة العميقة في الحياة وتنقلك بين العديد من الأعمال والعديد من البلدان وظروف الغربة وظروف الصحة لأن تكتب سيرتك الذاتية؟ كلما كتبت جانبا منها.. أجدني لا أستطيع نشره، لكنني الآن أحاول أن أكتب شيئا. لقد عملت لمدة خمس سنوات كسائق تاكسي متخف، كتبت هذا وأرسلته إلى أخبار الأدب وتم نشره بالفعل. هل صدرت في كتاب؟ لا لم تصدر في كتاب بعد وأفكر في ذلك. هل يمكن أن تعطينا فكرة عن الفترة التي عشتها في العراق قبل هجرتك إلى هولندا.. كيف كنت تعيش في المراحل المختلفة للعلاقة مع السلطة أثناء الحرب وقبلها؟ كانت هناك فترة غنية.. في الثمانينات عشنا فترة اضطراب سياسي عانت فيها كل الكوادر السياسية العراقية. على عكس فترة الستينات وفترة السبعينات والتي عشت فيها أغنى المراحل الثقافية في حياتي.. ثم جاءت الثمانينات وانهيار الجبهة التي كانت تحكم العراق، آنذاك هربت معظم الكوادر الوطنية إلى الخارج وضرب الموجودون في الداخل، وعشنا هذه المرحلة بكل مشاكلها.. وهي نفسها الفترة التي عملت فيها كسائق تاكسي لكي أستطيع أن أعول عائلتي بعد أن فقدت وظيفتي وتنقلت فيها من مدينة إلى مدينة حتى غادرت إلى هولندا في التسعينات لاجئا سياسيا. لقد عشنا في الأردن فقرا حقيقيا لا يمكن تخيله. هناك مقولة تقول إن الإبداع العربي الآن يسبق النقد هل هذا صحيح؟ بالطبع. النقد متأخر لأنه ليس مؤسسة، لأنه فردي، والفردية لا تنتج تيارات نقدية، النقد في العالم كله مدارس، مؤسسات بحوث، حلقات متخصصة، لكن ما نقوم به عكس ذلك تماما، إنتاجنا كله فردي. |