المقاله تحت باب منتخبات في
23/03/2008 06:00 AM GMT
"جروح في شجر النخيل" كتاب يمكن تجنيسه ومقاربته على أنّه مؤلَّف أدبي يصنَّف إلى حدّ بعيد في خانة أدب المقاومة، لكنّه يتعامل مع هذا المعلَن بحذر شديد قد يوقعه من حيث لا يحتسب في باب إغماض عين وإشعال أخرى، إذ جاءت قصصه وذكرياته وشهاداته على نصف الصورة وتركت النصف الآخر قابلاً للتأويل، وكأنّ من كتب وقال كان في حرص ما، وهمي لا إجباري، للجهة التي طبعت ونشرت وسوّقت الكتاب، ألا وهي اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ساهم في بناء المادّة الكتابية هنا خمسة عشر كاتباً عراقياً، منهم القاصّ والروائي والرسّام، ومنهم أيضاً من جرّب الكتابة للمرّة الأولى، فكتب شهادة أو حكاية هي أقرب إلى الكلام الشفهي الشعبي منه إلى الأدب وجنس القصّة، مما لا يعني انسلاخ المنجز كلياً وبُعده عن صفة الخلق الأدبي والإبداعي عموماً، وهذا موجود في نصوص أدبية صرفة منها «صورة لجسد ناقص» للقاصّ أحمد سعداوي، و«أسرى»، للقاصة إرادة الجبوري و«قبلة قبل الموت»، لأسماء محمد مصطفى، و«حطام للذكرى» التي بدت لأوّل قراءة أنّها فصل مستلّ من رواية مبتورة، وكتبها الفنان الرسام خضير الحميري، وأيضاً نصّ البحار عماد كاظم حسن المكتنز، وعنوانه «ذاكرة مثل طريق الموت: تكتظ بالجثث وتشهد للحياة»، ومحمد سهيل أحمد في «متاهة الجندي». أمّا بقية النصوص فقد جاءت على شكل مذكّرات من يوميات الحرب وشهادات وبورتريهات أميَل إلى شكل التحقيق الصحافي. وهذا ما حصل مع شهادة القاصّ والروائي العراقي المعروف أحمد خلف، والقاصّ الصحافي الساخر حسن العاني الذي تناهبته صاحبة الجلالة من باب القصة القصيرة التي له فيها خمسة إطلاقات، ثمّ الشهادة المؤثّرة المكتوبة من الروائية والقاصّة لطفية الدليمي. كتب أحمد خلف شهادة معاشة عن جريمة سرقة وتدمير المتحف العراقي، ولعب حسن العاني على مفارقة العنونة والإخبار المباغت، إذ أعلن مسؤوليته عن قتل الإعلامية الشهيدة أطوار بهجت. وحين تغوص في قراءة الواقعة تحت ضغط محاولة كشف السر، سيتبين لك أنّ العاني كان قد قتل أطوار بهجت منذ سنوات بعيدة عن زمان الاحتلال، لأنه وافق متحمّساً ومقتنعاً على تشغيل أطوار محرّرة صحافية في مجلة ألف باء. وعلى الرغم من إمكان انزراع نص لطفية الدليمي في باب المذكرات اليومية أو الشهادة القصصية، كما شاع المصطلح، إلّا أنّ علامته الدالة كانت في لغته الأدبية ومنحوتاته الصورية التي تركت اليومي البسيط وارتقت إلى لغة عالية من البيان، كانت جدّ مؤثرة في تفصيل واقعة أيام سود تعيشها الروائية وحيدة مستوحشة خائفة في بيتها القائم على هجرة مستحدَثة، وهي كمن يقبض على روحه بقوّة، لكن لا يدري بأيّ أرض ستموت، أو قل ستنفق. عودةً إلى إشكالية الوقوف في المنتصف أو تجزئة الصورة، وإعلان نصفها وإخفاء الآخر، حتى أنّ كاتباً منهم كان قد استحيا من ذكر مفردة شهيد، لكنه رسمها على إكراه وسجنها بين قوسين كأنها شبهة مخجلة. ذهب معظم حكّائي هذه المجموعة إلى منطقة نموذجية، خسائرها أقلّ من أرباحها، وحيادها مثل انحيازها، فكتب وصوّر أوجاع وأحزان وميتات كانت حدثت في زمان صدام حسين، من مثل موضوعة الأسرى، والحرب مع إيران، والسجن، والملاحقة لسبب فكري، والعيش في جيب الفقر والهوان. وميزة هذه المنطقة وتفضيلها من قبل كثرة أدباء ومثقّفي العراق الآن أنّ بمستطاع واحدهم أن يشتم ويلعن ويزيح من مخيّلته ما شاء، حتى إذا أتت به الأيّام اللاحقة ليفرّق بين هاء الإرهاب وميم المقاومة، وقال إنني من المقاومين وقلبي معهم، وأنا وهم على الاحتلال الأميركي الهمجي، عندها لن يجرؤ أحد على دمغه بوصفة «الصدامية» و«الفلول» و«الإرهاب» و«الشوفينية
|