محو الأمية في التربية الديمقراطية |
المقاله تحت باب في السياسة في البدء ؛ وقبل الاجابة على مجمل ما يطرح من تساؤل حول ( دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع ) ؛ يتوجب اولا ازاحة كل ذلك عن كوة صغيرة يدخل منها خيط شعاع من المفهوم السياسي وحسب ؛ اي بالسماح للضوء الوهاج الاعم بازاحة ظلمة التفكير الضيق المحصور في تلك الزاوية السياسية الداكنة ؛ وذلك لكي يمكن للفكر المشرق ان يتجول بحرية تامة في عوالم الاستفسارعن المنشيء الرئيس لكل تلك العوامل المسببة لعدم قيام الدولة المدنية الديمقراطية العصرية حتى الآن . ان الديمقراطية السياسية التي تعتمد على المظهر الشكلي المتمثل في ( البرلمان ؛ والاعلام المتعدد ؛ والمعارضة الكلامية الهلامية ... الخ ) إنما هي ديمقراطية فرعية السلوك والمسالك ؛ ينفذها افراد ؛ لا يرتبط جلهم بالمعنى التربوي اليومي للديمقراطية في جميع توجهاتها الكلية العامة . بعد هذه المرحلة يأتي دور المدرسة في المساعدة على افهام الطلاب مبادئ الديمقراطية الشاملة ومنها الدستورية التي يتوجب شرحها لكي يفهم هؤلاء الصبية : معنى استقلال الشخصية في التعبير عن مراميها دونما هيمنة ؛ ثم ما هي الحقوق والواجبات التي يجدر بالفرد التمسك بها وتطبيقها بقناعة تامة دونما اية تبعية مفروضة ؛ وذلك باسلوب يقرب تلك المباديء والمفاهيم لعقلية الطلاب ؛ بحيث يمكنهم بعدئذ ان يقوموا هم بدورهم في ايضاحها للمحيط الذي يعيشون فيه . ومن المؤكد ان لا يمكن لهاتين الجهتين ان تعملا بمعزل عن أسناد منظمات المجتمع المدني ؛ واجهزة الثقافة والاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لايجاد صيغة مقبولة من التوعية الشاملة لتلك المباديء الديمقراطية ونشرها بين صفوف الجماهير كافة ثم العمل مجتمعا على ترسيخها في الفكر والوجدان ؛ ولتتحول بمرور الزمن الى تقاليد لايمكن الخروج عليها كما فعلت ذلك كثير من الامم المتحضرة ديمقراطيا ؛ وعندها يكون المجتمع كله جاهزا لاداء دوره الايجابي في ممارسة حقه الطبيعي في المسيرة الديمقراطية عن وعي وادراك لسامي معانيها ؛ ولمدى مردوها الايجابي على المجتمع عند التنفيذ. ان هذا البرنامج التربوي الصعب الذي يمكنني ان اطلق عليه ( برنامج محو الامية الديمقراطية ) في بلادنا ؛ انما يبدأ من البيت كما قلت ؛ ولا أقصد بذلك الجانب السياسي وحسب ؛ وانما اقصد به الجانب الانساني العام ؛ اي ديمقراطية افراد الاسرة بالتعامل والتعبير وحرية الرأي ؛ فمن دون ذلك لايمكن للفرد ان يمارس حقه السياسي في الاستفتاء والانتخاب والاضراب والاعلان عن الرأي الحر ... الخ ؛ وهو مسلوب الارادة في بيته منذ الطفولة المبكرة وحتى الادراك ؛ لان ذلك سيؤدي بالتالي لاستسهال هذا الفرد ان يكون مسلوب الارادة في الحقول العامة الاشمل ودائرة المجتمع الاعم التي تتطلب منه ابداء رأيه الشخصي المستقل في قضايا مصيرية في غاية الخطورة على الشعب والوطن . لقد نجحت تجربة الشعب العراقي في مكافحة الامية في السبعينيات من القرن الماضي فمنح تنفيذ تلك التجربة الفريدة اعلى تقدير من المنظمة الاممية وكان السبب في ذلك تضافر الجهود في اصدار قانون واضح الاهداف والابعاد ؛ صارم العقوبات للمخالفين ؛ جدي الوسائل في التنفيذ ؛ تماسكت على تطبيقه حرفيا كل فصائل المجتمع المدني ؛ ويبدو لي اليوم ؛ وبعد كل تلك المسيرة الطويلة في الشكليات الديمقراطية ان ازالة جهل الفرد بمفاهيم الديمقراطية ( الجذرية والفرعية ) تحتاج الى قانون مماثل كذاك ؛ والى جدية في التنفيذ كتلك ؛ لكي نحقق للفرد حريته في ممارسة الديمقراطيةوذلك للحيلولة دون سلب ارادته والتحكم في رغبته ؛ تطبيقا لمواد قانونية رادعة تمنع الفرض والاجبار والاكراه بأية صيغة كانت ؛ وذلك لكي يبقى المواطن حرا وبعيدا عن اية جهة تريد تحويله الى امعة من قطيع تابع . ان جميع ما يطرح من آراء فرعية تهدف الى قيام دولة ديمقراطية عصرية تضمن كل تلك الحقوق الاساسية التي اشرنا اليها ؛ انما يتم فعلا باعداد دستور اصلاحي عصري بعيد عن الترهل ؛ يستبعد العرقيات والطائفيات والاثنيات والمحاصصات ؛ يهمل التقاليد الشكلية البالية ؛ يعتمد مبادئء حقوق الانسان والشرعية الدولية ركيزة لتحرك مواده . ودستور كهذا ... يكتب بكفاءة قانونية وطنية عالية المستوى تؤمن وتلتزم بأن لا سلطان عليها غير مصلحة الوطن الموحد العليا ؛ سيكون ضمانة أكيدة لما ترمي اليه كل القوى الوطنية الملتفة حول مفاهيم عصرية لبناء الدولة الحديثة بنت زمنها الحاضرو التي تسعى لان تكون بنت المستقبل المتطور الذي يحمي الاجيال القادمة من تغييب الديمقراطية . بعد كل هذا فقد آن للتسلسل الموضوعي ان يجيب على بعض التسآؤلات المطروحة على ساحة بناء الدولة العصرية من خلال التوضيحات التالية : وتأسيسا على ذلك فان عدم التركيز على محو امية الفرد في مجال التربية الديمقراطية الواسعة ؛ بدءا من الاسرة حتى آخر موقع له في الحياة العامة سيجعل القوى السياسية والثقافية والتربوية والاعلامية متقوقعة على المظهرية القابعة في بحيرة راكدة من الجهل بالمفهوم الديمقراطي ؛ بل وستظل ترواح في مكانها في حلقة مفرغة من الشكليات البائسة في لعبة السياسة دونما اي تفعيل حقيقي لتربية الجيل الحاضر على ممارسة تفاصيل الحياة الديمقراطية ؛ لكي نصل جميعا ـ بعدئذ ـ الى مرتبة تغيير الواقع المخدر المتمسك بالمظهر دون الجوهر ؛ .. فنبني دولة عصرية متحررة من كل اسباب الجـــــــــهل و التخلف والخوف ؛ تضمن الحرية والعدالة والمساواة للجميع . |