الفوضى والرقابة تطيحان بمعرض القاهرة الدولي للكتاب

المقاله تحت باب  أخبار و متابعات
في 
04/02/2008 06:00 AM
GMT



             الرقابة تصادر كونديرا وغيفارا وعصام محفوظ والياس خوري وعلوية صبح

أبت الرقابة المصرية، أن يمر معرض القاهرة الدولي للكتاب، من دون أن تترك بصمتها واضحة وثقيلة عليه، فصادرت العديد من الكتب والعناوين، لدور نشر مختلفة، غالبيتها لبنانية. أما العناوين المصادرة فهذه بعضها: "الحياة في مكان آخر"، "خفة الكائن التي لا تحتمل"، و"غراميات مرحة" لميلان كونديرا، الصادرة بالعربية لدى "دار الآداب" البيروتية، الى روايتي "كأنها نائمة" لإلياس خوري، و"مريم الحكايا" لعلوية صبح الصادرتين لدى الدار نفسها، فيما منعت الرقابة أكثر من عشرة عناوين لـ"دار الفارابي"، منها: مذكرات أرنستو تشي غيفارا "أحلامي لا تعرف حدودا"، "الصلاة الاخيرة" لحميد جبريل، "حوار مع الملحدين في التراث" لعصام محفوظ، "خبايا الذاكرة" لإبرهيم عمار، "طائر المئذنة" لعبدالله سعد، "العمارة الغانية" و"الإعمار الموجع" لرهيف فياض، "قبلة يهوذا" لأوبير برولونغو، و"المداعبة" لبروني بونتميلي، فضلاً عن عناوين أخرى عديدة لا تزال محتجزة في صناديق الكتب التي لم تسمح الرقابة بإدخالها من الموانئ!
المدهش أن مسؤولي الهيئة المصرية العامة للكتاب، التي تشرف على تنظيم المعرض، نفوا تماماً أن تكون هذه العناوين قد صودرت، وبادروا بالهجوم على دور النشر، مؤكدين أنها تروّج مصادرة الكتب على سبيل الدعاية، رافضين تفسير اختفاء هذه العناوين للصحافيين ومسؤولي دور النشر التي منعت عناوينها، واكتفى نائب رئيس هيئة الكتاب وحيد عبد المجيد، بالقول: "ربما يكون مكتب الرقابة على المطبوعات الاجنبية صادر هذه الكتب، وليس هيئة الكتاب". وبين "مكتب الرقابة على المطبوعات الاجنبية"، و"هيئة الكتاب"، اختفت هذه العناوين حتى الايام الاخيرة لمعرض القاهرة للكتاب!
من دون مبالغة، يمكن القول إن هذه الدورة من معرض القاهرة الدولي للكتاب، هي أسوأ دوراته على الاطلاق، منذ انطلاقته عام 1969 على يد الكاتبة والاكاديمية المصرية سهير القلماوي، التي اختارتها إدارة المعرض شخصية هذه الدورة، ربما للتذكير بالماضي الذي كان لهذه التظاهرة الثقافية المهمة. وقد عبّر الناقد والكاتب المعروف جابر عصفور عن هذه المفارقة، خلال ندوة "سهير القلماوي... عطاء متجدد" التي أقيمت ضمن تظاهرات المعرض، بقوله: "مهما كان مستوى المعرض الآن فلن يبلغ مستوى القلماوي، نظراً الى الجهد الكبير الذي بذلته، حيث كانت حريصة على توفير الكتب والروايات بأسعار زهيدة، وقد كوّنت أنا شخصياً مكتبة من هذا المعرض بجنيهين فقط".
الفوضى وسوء التنظيم، اللذان سيطرا على دورة هذه السنة التي تحمل الرقم 40، ظهرا منذ اليوم الاول، ولاحظها الرئيس حسني مبارك خلال الافتتاح، عندما توجه لزيارة الجناح الخاص بوزارة الثقافة المصرية، فوجد المساحة التي خصصتها هيئة الكتاب صغيرة جداً، فعلّق قائلاً: "الثقافة كلها في المكان الصغير ده!".
ولم تكن حال دور النشر المصرية الاخرى، والعربية ايضاً، أفضل من حال وزارة الثقافة، فقد فوجئ مسؤولو دور النشر على اختلافها بأن المساحة المخصصة لعرض إصداراتهم في كل من الاجنحة لا تزيد على 7 أمتار فقط، بينما ينص العقد الموقّع بينهم وبين الجهة المنظمة على أن تكون المساحة 20 متراً، بالاضافة الى قيام هيئة الكتاب بنقل اجنحة غالبية دور النشر العربية الى صالات عرض بعيدة عن الجمهور، عند أطراف المعرض، مما دعا بعضها ومنها "الطليعة" و"الفارابي" و"الجمل" و"الحصاد" و"نينوى" الى التهديد بالانسحاب من المشاركة من المعرض، وأكد مسؤولو هذه الدور، ان ادارة المعرض تعمدت نقل أجنحتهم الى اماكن بعيدة عن الجمهور، لصالح دور النشر المصرية.
الفوضى لم تقتصر على الناشرين، بل امتدت ايضاً لتطاول المؤتمرات والندوات، حيث انسحب عدد كبير من المشاركين، احتجاجاً على سوء تنظيمها، ولتأخر مواعيدها عن الأوقات المتفق عليها، فضلاً عن الندوات التي ألغيت نتيجة غياب الجمهور تماماً عنها!
وكانت إدارة معرض الكتاب اختارت دولة الامارات العربية، ضيفة شرف لهذه الدورة، بعد اعتذار الهند لاسباب غير معلومة حتى الآن. ورغم ذلك، لم يسلم ضيف الشرف من تلك الفوضى التي ضربت أطنابها كل النشاطات، حيث فوجئ القائمون على جناح الامارات، في اليوم الثاني من المعرض بانسداد مواسير الصرف الصحي، وانفجار بالوعات المجاري، ما تسبب بإغراق الكتب في المياه الملوثة، وتلف المعروضات. وفي الايام التالية، وبعد "شفط المجاري" سقطت الامطار بغزارة عبر ثقوب السقف في جناح الامارات لتغرق ما تبقّى من المعروضات، وحينما شكا القائمون على الجناح الاماراتي هذا الاهمال، تبادل مسؤولو هيئة الكتاب ومسؤولو ارض المعارض الاتهامات في شأن المسؤولية عما حدث لجناح الامارات، تماماً مثلما تبادل مسؤولو الهيئة، ومكتب الرقابة على المطبوعات الاجنبية، المسؤولية عن الجهة التي صادرت عناوين دور النشر اللبنانية.
قبل انطلاق نشاطات المعرض، أعلن رئيس مجلس ادارة هيئة الكتاب الدكتور ناصر الانصاري في مؤتمر صحافي، ان الهيئة فشلت في دعوة كتّاب عرب وغربيين مشهورين، ولم يكشف عن سبب رفض الكتّاب قبول الدعوة، لكن المراكز الثقافية الاجنبية العاملة في القاهرة، أنقذت النشاطات بدعوة الكاتب الالماني المعروف انغو شولتسا، الذي استضافه معهد غوته في ندوة مع الكاتب والروائي المصري جمال الغيطاني، في حين دعا المركز الثقافي الفرنسي، الكاتبين الفرنسيين فرنسوا فيزغانتر، وجول لوروا. عدا هؤلاء الكتّاب الثلاثة، غاب عن الدورة الاربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الكتّاب المعروفون، من عرب أو أجانب.
بعض التظاهرات الثقافية المهمة، يعني استمرارها النجاح، لكن استمرار بعضها الآخر يساوي الفشل والتراجع. معرض القاهرة الدولي للكتاب، يندرج للأسف بين التظاهرات الاخيرة. لذا، ربما يكون الحل في الغائه خلال الاعوام المقبلة، للحفاظ على ذكراه!