إلامَ يحتاج الاستقرار الأمني النسبي في العراق؟

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
20/01/2008 06:00 AM
GMT



في أواخر شهر يونيو من العام المنصرم كنا في جنيف نحضر مؤتمر الاشتراكية الدولية ممثلين عن خمسة أحزاب (الحزبين الكرديين، الحركة الاشتراكية العربية، الحزب الشيوعي، الحزب الوطني الديموقراطي) عندما أخبرنا الرئيس جلال الطالباني أن الجهود تبذل لتوسيع جبهة التحالف السياسي الرباعي (الحزبين الكرديين والمجلس الإسلامي الأعلى والدعوة) لتشمل قوى وطنية وديموقراطية عراقية ليست بالضرورة داخل البرلمان، أو الحكومة، بيد أنها مع إصلاح العملية السياسية الجارية، وهو ما أكده مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق.
ومذاك ونحن نتلقى كل يوم تقريبا أنباء عن تحالفات وتكتلات برلمانية، ومواثيق وبيانات مشتركة لعدد كبير من الأحزاب والقوى السياسية، بيد أن التدقيق في مكوناتها يبرز لنا في الحال أنها ليست سوى أحزاب وقوى تحتكر السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتحول دون أية محاولة لتوسيع جبهة الحكم لتشمل مشتركين جددا من مجالس الصحوات، أو من القوى الوطنية والديموقراطية في البلاد.
فإلى جانب التحالف الرباعي نسجل غياب التيار الصدري، وحزب الفضيلة، وأحزاب جبهة التوافق بمكوناتها، والقائمة العراقية، وجبهة الحوار الوطني، ومع التحالف الثلاثي (الحزبين الكرديين والحزب الإسلامي) تغيب أحزاب الدعوة، والمجلس الإسلامي الأعلى، ومكونات قائمة الائتلاف الأخرى، فضلاً عن مكونات جبهة التوافق من غير الحزب الإسلامي والقائمة العراقية وجبهة الحوار الوطني.
اختلاط الحابل بالنابل
وربما كرد فعل أو لأسباب تتعلق بالموقف من القضايا الاختلافية وهي كثيرة بين أحزاب جبهة الحكم، أعلن عن مباحثات ضمت الجبهة العراقية للحوار الوطني ومجلس الحوار الوطني والكتلة العربية المستقلة، والمستقلين في التوافق، والقائمة العراقية، بالإضافة إلى بعض الشخصيات في مؤتمر اهل العراق من اجل اعلان كتلة جديدة. وهدف هذه الكتلة كما بينه النائب وسام البياتي دعم حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي للاعتماد على الوزراء التكنوقراط، وحل مسألة الميليشيات والاصلاحات الاقتصادية وتوفير الخدمات للعراقيين.
ويختلط الحابل بالنابل حين تعلن الصحافة العراقية عن قيام تحالف جديد يضم: القائمة العراقية الوطنية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي، وحزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي، وحزب الدعوة- تنظيم العراق الذي يتزعمه عبد الكريم العنزي، ومجلس الحوار الوطني بزعامة خلف العليان، وجبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلق. وقد جاء في بيان الاعلان أن التحالف ربما يضم في المستقبل حزب الفضيلة، والتيار الصدري، ومجموعة من مؤتمر اهل العراق الذي يتزعمه عدنان الدليمي.. وقد زار وفد يضم هذه الاحزاب رئيس الوزراء نوري المالكي وسلمه رسالة تقف معه “في أية مواقف وطنية يتخذها”. والمقصود هنا الموقف من تنفيذ المادة 140 الخاصة بتطبيع الاوضاع في كركوك، ومصير الأراضي الاخرى المتنازع عليها، وعقود الاستثمار النفطي التي وقعتها حكومة اقليم كردستان وطريقة توزيع الثروات النفطية.
وقد كذّب متحدث باسم حزب الفضيلة الاسلامي، وهو النائب محمد المحمداوي هذه التوقعات، واعتبر ان التحالف الجديد “عديم الجدوى”، وأن حزب الفضيلة الذي يشغل فيه عضوية المكتب السياسي، رفض الانضمام للكتلة الجديدة، وأن هذه التحالفات ستؤدي، بلا شك، الى مزيد من التعقيد في المشهد السياسي العراقي، وهذا لا يصب في مصلحة البلاد، خاصة أن الأطراف الأخرى فسرت هذا البيان على أنه يناصبها العداء”.
ومن العبث القول إن هذه التحالفات الجديدة على كثرتها ستدعم الاستقرار الامني النسبي الذي تعيش بظله البلاد.. فهذا الاستقرار بحاجة ماسة الى حلول سياسية جذرية تتمثل في تنفيذ جدول اعمال سبق ان تبنته حكومة نوري المالكي في بداية تشكيلها، عندما وضعت في برنامجها تنفيذ ستة بنود اساسية منها:
البند الاول “العمل وفق الدستور والالتزام به، وأن أية تعديلات لاحقة ستكون وفق المادة 142 من الدستور”، والى الان لم يجر تعديل المواد المختلف حولها في الدستور. والبند الثالث من البرنامج “السير قدما في سياسة الحوار الوطني وتوسيع دائرة الاشتراك في العملية السياسية بما ينسجم مع الدستور، وبروح المصالحة والمصارحة” وهنا ايضاً توقفت سياسة الحوار الوطني وبدل توسيع دائرة الاشتراك في العملية السياسية جرى تقليصها. والبند الرابع “إيجاد كل الظروف الملائمة لترسيخ روح المحبة والتسامح بين أبناء الوطن، مع احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان” وبدل ترسيخ روح المحبة والتسامح حدث الفصل الطائفي والتهجير والتقتيل. والبند الخامس “استكمال المستلزمات الذاتية وفق جدول زمني موضوعي لتسلم القوات العراقية المهام الأمنية كاملة وانتهاء مهام القوات المتعددة الجنسيات وعودتها إلى بلدانها”.
نصف إخفاق
والبند السادس والأخير “ترسيخ دولة المؤسسات وبناء دولة القانون واتباع الأصول الإدارية والمؤسساتية وفق مبدأ المواطنة”، وقد وجهت صراعات المحاصصة بين احزاب الحكم واقتسام الغنائم لطمة لمبدأ المواطنة والمشاركة الوطنية.. ونلاحظ الاخفاق شبه التام في كل بنود البرنامج باستثناء البند الثاني “تشكيل حكومة وحدة وطنية” الذي اصابه نصف اخفاق.
وغني عن البيان ان اية حكومة تحاول بناء مؤسساتها الامنية والعسكرية والقانونية بنحو يكفل استقلالها وسيادتها، والمساواة بين مواطنيها والسير في طريق الديموقراطية، عليها اولاً وقبل كل شيء ان توفر مستلزمات ذلك مثل: توفير الحد الادنى من الوحدة الوطنية والشروع الجدي في الحوار والمصالحة، نبذ سياسة المحاصصة، حل الميلشيات، محاربة الفساد الذي استشرى في كل اجهزة الدولة، منع التهجير وعودة المهجرين الى ديارهم، والبدء في اعادة اعمار البلاد لامتصاص البطالة التي تسهم في اشعال مسلسل العنف وتوفير خدمات الكهرباء والمشتقات النفطية ومعالجة مشكلة السكن.
لقد حدث الاستقرار الامني النسبي في العراق بفعل زيادة عدد القوات الاميركية والدور البارز لمجالس الصحوات والتعاون بين اطراف جبهة الحكم والعشائر ضد تجاوزات الميلشيات ومحاصرة قوى الارهاب، بيد ان هذه العوامل ليست دائمة ولا تصمد امام تحديات الاوضاع، ولابد ان يرافقها تنفيذ حقيقي لبرنامج الحكومة وليس اللجوء الى تحالفات وقتية، واتباع سياسة محاور هدفها التهميش او الاقصاء او تأجيل حل الاختلافات بين الاطراف الوطنية..
عن صحيفة أوان