المقاله تحت باب في السياسة في
19/01/2008 06:00 AM GMT
ثلاثة مداخل لتحسين الوضع السياسي العراقي وخلق بيئة صالحة يسودها حد مقبول من الثقة، التي من الممكن ان تدفع بالوضع الى الانجاز، بدلاً من دوامة الاعاقة التي اتسم بها طيلة ما مضى، وتجعل القوى السياسية تشترك فعلياً في ايجاد ارضية صالحة للعمل لمواجهة المشاكل التي تتراوح بين حدي فقدان الأمل واليأس، التي باتت تخيم على المواطن، وحدها الاعلى تحول العراق لدولة فاشلة. المدخلان الاولان اللذان لم ينفعا او يثبتا جدواهما للان، هما دافع الحوافز للقوى السياسية لحثها لتتوافق في ما بينها، وتوجد مساحات مشتركة للعمل وان تقبل بإعطاء تنازلات مما حصلت عليه او طمحت له، او في ما ظنته حصة عادلة لها، وما يبدو احياناً من مرونة او تنازل فانه لا يعدو ان يكون شكلياً، وغالباً ما يأتي كمناورات انحنائية امام الضغوط الخارجية، ثاني المدخلين المشروع والبرنامج الوطني الذي يشكل القاسم المشترك لالتقاء الفرقاء، وهنا نحن لسنا امام غيابه بل كثرته، فلكل مشروعه الوطني الذي يتلقاه الآخر بريبة وبشعور بأنه يستبطن تعظيم مكاسب متبنية على حساب الاطراف الاخرى. بقي المدخل الثالث الذي ارى أنه يعوّل عليه، وهو المخاوف أي مخاوف الاطراف جميعاً بأنها باتت اقرب للخسارة. من هنا اجدني اكثر تفاؤلا باحتمال تبدد الغيوم التي طالما ظللت المشهد السياسي العراقي، فالحراك السياسي خلال الايام القليلة الماضية، الذي تمثل بالتحالف الثلاثي بين الحزب الاسلامي والحزبين الكرديين، قابله تجمع عدد من الكتل البرلمانية، التقت حول موقف مشترك تجاه قضايا مفصلية وبدت فيها مناهضة للاول، على الجانب الاخر عودة اجتماعات جدية انقطعت منذ شهور بين طارق الهاشمي رئيس الحزب الاسلامي مع رئيس الائتلاف، اعقبها وعد بإمكانية عودة وزرائه المنسحبين، والتقاء هيئة الرئاسة مع رئيس الوزراء لتفعيل صيغة التعاون والتشارك على صيغة (3 +1) تمهيداً لإنهاء الاتهامات بالتفرد، رافق ذلك مجيء الوزيرة رايس وحثها او ضغطها على الاطراف بأنه حان الوقت كي يضعوا مناكفاتهم جانباً ويتخلوا عن نظرية الربح المطلق لصالح تنازلات منتصف الطريق، لذا فمصدر التفاؤل عما سبقه من حراك مماثل انه يأتي هذه المرة في ظل شعور بالمخاوف لا يستثني احدا من اللاعبين الاساسيين في المشهد العراقي. فالسنة الذين انفرد الحزب الاسلامي الطرف الاكبر في كتلة التوافق الممثلة لهم، بالتحالف مع الكرد محدثاً بذلك انشقاقات معلنة وأخرى مستترة داخل الكتلة السنية، كما نتج عن حراكه فهم سلبي في شارعه وارتداد عن تأييده، فضلاً عن ان شركائه في الجبهة لم يعدموا هامش المناورة بتلويح مقابل بالعودة الى التحالف الحكومي، من جهة اخرى فان ظاهرة الصحوات وبروز فصائل مسلحة مقاتلة ضد «القاعدة» اوجدت تمثيلاً سنياً آخر ماسكاً للارض ويتطلع الى ان يترجم ذلك الى مكاسب ومشاركة سياسية، فالحزب الاسلامي بات مضغوطاً للمجيء لتسويات للابقاء على حصته القيادية في المشهد السياسي قبل ان تشغل من آخرين، مع ادراك بديهي ان ابتعاده عن دائرة النفوذ والسلطة سيبعده بنفس المسافة عن دائرة الفعل. والكرد المتخوفون من الضاغط التركي ووضوح استحالة تفريط الولايات المتحدة بتحالفها التأريخي مع انقرة والمتجددة الحاجة له، بجانب بروز موقف امريكي لافت يجنح باتجاه تفهم وميل لانشغالات الاطراف الاخرى التي تقف على الضفة الاخرى في القضايا المختلف عليها مع الكرد، في حين ان من يرى ان الكرد نجحوا لأول مرة في تكتيل الآخرين ضدهم، على ما اعتبره مناوئوهم تماديا في المطالب الكردية. اما لجهة الحكومة بشقها وقيادتها الشيعية، ففضلاً عن الانشقاقات داخل كتلتها التي اضعفتها فإنها باتت مهددة بفقدان شريكها الاستراتيجي الكرد، الذين طالما عولت عليهم في افشال مساعي الاطاحة بها، وان بيان الكتل التي ساندتها في مواقفها المتصلبة تجاه القضايا الخلافية مع الكرد وان جلب رياحاً لأشرعة الحكومة، الا انها لا تركن اليه بالمطلق، اذ ان الأهم ليس المواقف بل ترجمتها الى ارقام في البرلمان تعصم الحكومة من حجب الثقة عنها، وأيضا فان هذه الاطراف كلها مجتمعة باتت تتخوف من مواجهة صراعات بينية جديدة سنية سنية وشيعية شيعية وعربية كردية. والخوف الآخر هو الذي يواجه النخبة السياسية برمتها، حيث باتت في خطر كون مجتمعها اصبح متقدماً عليها ومتجاوزاً لها، ففي الوقت الذي حدثت عودة للحمة والمصالحة المجتمعية فالطبقة السياسية ظلت رهينة دائرة خلافاتها، فان هي بقيت في صراعاتها فإنها ستكون مهددة بانقلاب التوازنات في اول استحقاق انتخابي وأقربه اجلاً وهو استحقاق انتخابات مجالس المحافظات، التي ربما ستأتي بتمثيل آخر وضمور لقوى سيعاقبها الناخب. أما الخوف الاخر فهو ذلك الذي سيطال المشروع الديمقراطي الذي يفترض أنه غاية الجميع وضمانتهم، فقد بات جميعه في خطر، اذ من غير المتوقع لمواطن حديث العهد بالديمقراطية ان يظل يقبلها ثمناً وبديلاً عن أمنه واستقراره وانهيار كل ما حوله، والفشل الاكبر على هذا المشروع ان تترسخ قناعة بان المجتمع العراقي لا يصلح للديمقراطية حيث هو في عداء مع التحديث والتنوير وان الهوية الوطنية الجامعة لا تناسبه، وإنما هو ملتصق بهوياته الفرعية الطائفية والعرقية والعشائرية وما تنتجه من دوامة صراعات، وان همجية العنف والتقتيل هي السمة المهيمنة والمحركة لكل تأريخه. لهذا يمكن اليوم التعويل على امكانية ترميم الوضع السياسي العراقي لما سبق ولغيره من مخاوف كضرورة مواجهة الثوابت الوطنية التي طالما غيبها العنف، بجانب قطع الطريق عن الاندفاع في خلق البنية التحتية لتقسيم واقعي، والخوف من انتكاس تحسن أمني هش، أما الخوف الذي لا احد سيحتمله او يتسامح مع مقترفيه فهو ضياع الحلم في بناء دولة عراقية ديمقراطية حديثة. صحيفة الشرق الاوسط
|