خطاب السيد حسن نصر الله هل جاء دعماً لموقف المعارضة أم تنفيذاً لأجندة إيرانية |
المقاله تحت باب في السياسة قبل أيام معدودة من الاستحقاق الرئاسي لانتخاب رئيس لبناني جديد في الحادي والعشرين من هذا الشهر، حيث يمثل هذا التاريخ الفرصة الأخيرة لعملية التوافق بين كتلتي 14 آذار و 8 آذار ، وعلى الرغم من الجهود المكثفة التي يتم بذلها من قبل أطراف عربية ودولية عديدة بالأضافة للجهود الحثيثة التي تبذل على النطاق الوطني اللبناني ، وفي المقدمة من ذلك جهود المطران مار بطرس صفير والشيخ سعد الحريري ورئيس المجلس النيابي السيد نبيه بري، لانتخاب رئيس توافقي، وأبعاد المخاطر الكارثية المحدقة بلبنان، جاء خطاب زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله التصعيدي الملئ بالتهجم ، وبكلمات غير لائقة في السجال السياسي المتحضر، ليحبط كل تلك الجهود ، ويعيد خلط الأوراق من جديد، ويعيد الأزمة اللبنانية المستعصية إلى الصفر، مهدداً بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم تخضع قوى الأكثرية المتمثلة بكتلة 14 آذار لمشيئة حزب الله وحلفائه في انتخاب مرشحه ميشيل عون رئيساً للجمهورية. فهل جاء خطاب السيد نصر الله لدعم موقف كتلة 8 آذار استعداداً ليوم الحسم في الحادي والعشرين من هذا الشهر؟ أم أن وراء هذا الخطاب الهجومي الذي فاق كل خطاباته السابقة من حيث استخدام أقذع العبارات وأشنع التهم لحكومة السنيورة ، وكتلة الأغلبية بقيادة الشيخ الحريري، بالإضافة إلى التهديدات غير المسبوقة للطرف الآخر، مما لا يصب في المطلق في خانة الجهود للحل التوافقي ، بل على النقيض من ذلك لإفشال تلك الجهود، فمن يسعى للتوافق لا يمكن أن يلجأ إلى أسلوب التهجم والتخوين وخيانة الأمانة والاتهام بسرقة المال العام وغيرها من الكلمات التي لا تليق بسياسي يعيش في بلد عربي متحضر كلبنان الذي كان ولا يزال يحمل مشعل الحرية والديمقراطية في العالم العربي. إن أخشى ما أخشاه أن يكون خطاب السيد نصر الله قد جاء تنفيذاً لأجندة إيرانية بعيدة المدى تتعلق بالصراع مع الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل ، ومحاولة زج لبنان البلد الصغير بمساحته، والضعيف بسلاحه وقوة جيشه، وضعف اقتصاده في هذا الصراع الذي لا ناقة به ولا جمل للشعب اللبناني الشقيق الذي تحمل الكثير والكثير من جراء الصراعات التي جرت على أرضه منذ أوائل الخمسينات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا، وقاسى شعبه الطيب من الويلات والمصائب ، وخصوصاً أيام الحرب الأهلية التي دامت 15 عاماً شديدة القسوة، وما تلاها من الحروب العدوانية الاسرائلية المتتالية، واحتلال إسرائيل لجنوب لبنان لسنوات طويلة، وكان آخرها حرب تموز 2006 كما هو معروف للجميع، ولا حاجة لي بتعداد تلك الحروب وتفاصيلها. أفلا يكفي لبنان وشعبه كل تلك الحروب والمصائب والويلات التي فتكت بمئات الألوف من ابناء الشعب، وشردت الملايين من المواطنين في مختلف بقاع الأرض ؟ لماذا يصر السيد حسن نصر الله على السير بلبنان نحو الهاوية من جديد ؟ لماذا جعل السيد نصر الله من حزبه الإيراني تسليحاً وتمويلاً وتدريباً فوق الدولة والدستور والقانون، يقرر هو بذاته قرار الحرب والسلام، متجاهلاً الحكومة والبرلمان والدستور ؟ أي دولة في العالم تسمح لحزب أن يكون له جيشاً مسلحاً بأحدث الأسلحة بما يفوق قوة الجيش الوطني الرسمي ، ويقود البلاد إلى منزلقات خطيرة قد تأتي على مصيره كبلد ودولة ؟ أنه قانون القوة هذا الذي يجري في لبنان اليوم، وعندما يتحدث السيد نصر الله بهذا الأسلوب الهجومي والعدواني بحق الحكومة القائمة التي تمتلك الأغلبية في البرلمان فهذا يعني انه يتحدث بقوة جيشه وسلاحه الذي تحول اليوم صوب الشعب اللبناني، والذي بات يهدد مصيره ومستقبله. إن من حق قوى 14 آذار أن يساورها الشكوك في نوايا حزب الله وقائده السيد حسن نصر الله ، فهو لا يمكن أن يتخذ أي قرار بمعزل عن إرادة حكام طهران ، ولاسيما وأن السيد نصر الله يؤمن بولاية الفقيه، وهو اليوم يتمثل بالسيد خامنئي ، الحاكم الفعلي لإيران، وإن إيران اليوم ، وبسبب توجهاتها نحو الحصول على السلاح النووي ، وإصرارها على تحدي المجتمع الدولي، ونشاطاتها الواسعة في لبنان، ودعمها لحركة حماس في غزة، وتحالفها الاستراتيجي مع سوريا وأحلامها بالعودة لحكم لبنان من جديد، والدور الخطير الذي تلعبه في العراق، والمتمثل بدعم وتسليح العناصر الإرهابية المتمثلة بالمليشيات الطائفية الشيعية ، بل لقد ذهبت ابعد من ذلك إلى تسليح العناصر الإرهابية السنية بغية إدامة الصراع والحرب الأهلية في العراق، من أجل تحقيق أهدافها في الهيمنة على العراق من جهة، ومحاولة إبعاد القوات الأمريكية عن حدودها الغربية في العراق والشرقية في أفغانستان لكي يخلو لها الجو في الهيمنة على المنطقة . ولا شك أن هذا التصرف لحكام طهران قد جعل منطقة الشرق الأوسط اليوم على كفة عفريت ، واحتمالات الحرب بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وإيران وحلفائها في سوريا ولبنان وغزة من جهة أخرى، تتصاعد يوماً بعد يوم ، وإذا ما انطلقت شرارة الحرب فلن تكن ساحتها إيران وحدها ، بل وبكل تأكيد ستجر إليها العراق ودول الخليج، وسوريا ولبنان وغزة، وعند ذلك ستحل الكارثة بهذه البلدان مما لا يستطيع تحديد نتائجها أحد. أن الحكمة ينبغي أن تسود لدى الأطراف اللبنانية كافة وفي المقدمة كتلة 8 آذار وقائدها السيد حسن نصر الله، فأي خطأ يرتكبه أي طرف من أطراف الصراع سيتحمل مسؤولية كل ما يمكن أن يحل في لبنان من كوارث الحرب الأهلية التي باتت تهدد لبنان لا سمح الله ، ولاسيما أن تهديدات السيد حسن نصر الله المستقوي بجيشه وسلاحه ينبغى أن تؤخذ على محمل الجد. وقى الله لبنان وشعبه من كل كيد فقد كفاه ما قاسى من الويلات والمصائب فدعوه يعيش بسلام وأمان واستقرار، ويعيد مجده السابق بكونه مركز التجارة العالمية في الشرق الأوسط، والمصيف الذي يضم مختلف المواطنين العرب والأجانب ، وأن يبقى لبنان حاملاً مشعل الحرية والديمقراطية في العالم العربي وقبلة ومأوى الأحرار العرب. |