أربعة سنوات – العراق من دون صدام |
المقاله تحت باب في السياسة مرت اربعة سنوات على سقوط (الكرامة) العربية مرة أخرى ، الأولى بالتأكيد كانت عندما نجحت العصابات الصهيونيه وبمباركة من (الأصدقاء) اميركا وبريطانيا فى أن تقيم دولة أسرائيل على الأرض الفلسطينيه مجسدة مخططات حكماء صهيون ومكرسة للوجود السرطانى فى الجسم العربى المثخن بجراح عمرها التاريخ بطوله . عندما جاءت آلة الحرب العدوانية الهائلة عبر البحار لتقيم نموذجها المسخ على ارض الرافدين وتعيد فتح الدمامل المتقيحة فى الجسد العراقى ، كانت ترفع راية الحرية للعراق والديمقراطية لشعبه واستخدمت ماكنة العدوان الأمريكية كل ما فى جعبتها من أكاذيب مدفوعة بتأليب اللوبى الصهيونى المهيمن على القرار الأمريكى مصورة العراق وكأنه التهديد الأكبر للعالم الحر بما يمتلكه من ترسانة رهيبه للأسلحة الفتاكة والتى تهدد حياة وأستقرار وأمان المواطن الأمريكى المتحضر الذى يتهدد وجوده وحضارته ورفاهيته من قبل دولة مارقة تضع ثروتها النفطية فى خدمة برنامج تسليحى خطيريعرض مصالح الولايات المتحده فى المنطقة للخطر وطبعا لم يغب عن بال الأدارة الأمريكية بأن هذا النظام الذى جاء فى تجربته السوداء الأولى بقطار امريكى فى العام 1963 والذى نفذ استراتيجية اميركية مكارثيه معروفة فى أستئصال الشيوعية من العراق ومنطقة الشرق الأوسط وبمباركة (أوساط) دينيه معروفة ايضا وسكتت اميركا على تجاوز هذا النظام وجرائمه بحق الشعب العراقى وأوكلت اليه مهمة جديدة مستفيدة من ترسانتة العسكرية الضخمة التى تزود بها من الأتحاد السوفيتى والكتلة الاشتراكية فى التصدى للثورة الأيرانية وتحجيمها وأسقاط النظام الجديد الذى اوجدته فى أيران بعد سقوط شرطيها فى منطقة الخليج الشاه المقبور ونظامه الدموى الذى تسلط على رقاب الشعوب الأيرانية لأكثر من أربعين عاما وكان ثمن تلك المهمه الكويت ! فوجد صدام أن المكافأة تستحق المجازفه والتضحية بنصف جيشه وكل خزينه من السلاح وأقتصاده كله على أمل ان تعوضه المكافأة السخية كل الخسائر وأنتهت الحرب و(غدر الغادرون ) وتنصلوا من وعودهم وأخرجوه من الكويت عنوة بعد أن تحداهم ودخلها عنوة وأبتدأت منذ ذلك الحين لعبة القط والفأر فأميركا لم تكن ترغب ببقاء نظام صدام ولكنها لم تكن تتصور نوع البديل الذى يمكن أن يحل محله. والأمر الغريب الذى لمسه العراقيون التصريحات التى صدرت من مسؤولين كويتيين ومفادها انهم يفضلون نظام صدام ضعيفا على نظام آخر لايعرفون هويته وهى أشارة الى ما يمكن أن تلعبه أيران من دور فى تحريك الشارع الشيعى للسيطرة على محافظات الجنوب بعد أن خرجت أيران من الحرب التى أمتدت ثمانى سنوات أكثر قوة مما كانت وأستطاعت المؤسسه الحاكمه بفترة قصيرة أن تستعيد قوتها اقتصاديا وتحكم سيطرتها على الشارع الأيرانى فى الوقت الذى فقد صدام حسين قدرته على التحكم والسيطرة على قواته المسلحة التى قضت أتفاقية الهزيمه فى خيمة صفوان أن تقلص الى العشر ناهيك عن اقتصاد منهك مثقل بالديون وفوائد الديون وفاجأت العالم عندما منعت قوات الأنتفاضة الزاحفه نحو بغداد من أسقاط النظام وجردت الثوار من أسلحتهم على طريق الناصريه – السماوه وسمحت لطائرات النظام بضرب دفاعات وتحصينات المنتفضين حتى تم له سحق الانتفاضة بشكل وحشى . وبعد أن تم لصدام القضاء على انتفاضة الشيعة فى الجنوب ، تمسك الأميركان ودافعو عن حق الكرد فى الأحتفاظ بنتائج الأنتفاضه والتى أتاحت لهم طرد قوات الجيش العراقى والسيطرة الكامله على ثلاث محافظات رئيسيه فى أقليم كردستان ومنعت طائرات النظام من التحليق فوق خط عرض 36 شمالا . أذن مخاوف الولايات المتحدة من قيام نظام (شيعى) أو موال لأيران فى العراق هو الذى جعلها تسحب يدها من دعم الأنتفاضه المسلحة فى العام 1991 لأنها كانت تدرك الثقل الجماهيرى للقوى الأسلامية الشيعيه فى جنوب ووسط العراق حيث كانت تصورات الأدارة الأمريكية ان وجود نظام صدام حسين يمكن أن يكون عنصر توازن فى المنطقة وحاجزا قويا أمام توسع النفوذ الأيرانى بعد أن بدأت تبرز قوة أيران كدوله صناعية وبدأت محاولاتها لأمتلاك الطاقة النوويه لما تتمتع به من أمكانيات أقتصاديه وجغرافية مستفيدة من العرقات غير المستقرة بين الولايات المتحدة وروسيا التى كانت تعانى من أزمات اقتصاديه خانقة ونجحت فى عقد صفقات نوويه معها لبناء عدد من المفاعلات . ,استمرت قوى الضغط الصهيونيه على الأدارة الأمريكية وتصاعدت هذه الضغوطات بعد تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر والتى هزت الولايات المتحدة وأشعرتها انها لم تعد بمأمن من الهجمات وكان هناك مصدران للخطر متمثلان فى العراق وأفغانستان التى كان يحكمها طالبان . أستغلت الأدارة الأمريكية نجاحها فى اسقاط نظام طالبان فى افغانستان لتحشد التأييد الشعبى والسياسى لحرب جديده تستهدف هذه المرة (آخر معاقل الأرهاب ) – العراق . استطاعت الأدارة الأمريكية أقناع الشعب الأمريكى بأمتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل يمكن كما أسلفت أن تهدد المواطن الأمريكى الآمن وتروعه وأستخدمت دلائل مزورة وشهادات ملفقه وشككت بتقارير لجان التفتيش التى زارت العراق مرارا ودمرت خزينه من الأسلحة والمنشآت التى يمكنه الاستفادة منها فى أنتاج اسلحة محظورة والتى أتفقت جميعا على خلو العراق من هذه السلحة وأن وجدت فهى لم تكن بأى حال من الأحوال بالحجم الذى يمكنه تهديد الولايات المتحدة والعالم الحر كما أدعى بوش وأدارته . وهكذا أتفق محور بوش-بلير – أزنار على شن الحرب وشنت الحرب وتم تدمير العراق وقتل شعبه وأسقط نظام صدام حسين وتشرذم الجيش العراقى ودمرت اسلحته وأختفت أجهزة الدولة من شرطة وحرس وأمن وغدا البلد نهبا للسراق والمهربين ودمرت بنيته التحتيه وفتحت حدوده وعبر الحدود من عبر وأنتقم من أنتقم . وسادت الفوضى وأنقلب الوطن رأسا على عقب بين تخريب ونهب وسلب وترويع وأستولى الناس على مخازن الأسلحة والعتاد وصار السلاح بيد العصابات والقتله والسراق وأنهارت الدوله وسقطت هيبة مؤسساتها وجرى تخريب منظم لكل ما هو قائم . أنفلت الوضع بشكل لايصدق وكانت تجربة 1991 ماثلة فى الأذهان حين استغلت مجاميع التخريب والسرقة لتعيث فسادا فى المدن العراقية وتحطم وتدمر مؤسساته وثرواته وبنيته ومدارسه وجامعاته ودوائرة الرسميه ، أندست مجاميع غريبة مارست الحرق والتخريب جاءت بسيارات ذاات الدفع الرباعى كتب عليها بشريط لاصق الرمز(TV ) وتصور الناس انها تعود فعلا لوكالات انباء عالميه او محطات تلفزيونيه وكانت تحمل تراخيصا من قوات الأحتلال بالتجول فى المدن العراقية دون رقيب . ,انتظر الناس طويلا ليتمكنوا من شراء مستلزمات عيشهم من الأسواق القريبة رغم لعلعة الرصاص الذى كان ينطلق بمناسبة ودون مناسبه . وأنطوت صفحة التخريب والتدمير وتنفس الناس الصعداء عندما أبصروا رجال شرطة يتجولون دون أسلحة ببدلات زودهم بها المحتل . وبدأت صفحة بريمر وما رافقها من أخطاء فادحة ما زلنا ندفع ثمنها دما يراق على ارض وطننا وظهر مجلس الحكم وقلنا بأنه صيغة الحد الأدنى التى يمكن أن تتوفر فى ظل الأحتلال على أن تدعم من قبل الشعب العراقى وأن لايجرى تكريس المبادىْ والأسس التى قام عليها فيما بعد غير أن ألأسلوب الأستعمارى القديم ما زال هو هو لم يتغيبر وصار يقينا انه حتى لو أنسحب المحتل فستظل آثاره فى الأنقسام الحاد بين العراقيين وبأن ما جرى باسم الديمقراطيه لم يكن يمت للديمقراطيه بشىء حيث أن الديمقراطيه ليست مجرد أجراءات فحسب بل هى ثقافه عامه شامله ونظرة كليه للحياة وأسلوب للتعامل . لقد جرى فى السنوات الماضيه من الحوادث والظواهر ما يهدد مستقبل العراق بل ووجوده كدوله ذات سيادة وككيان سياسى وأدارى حيث تجرى عملية منظمة ومدروسه لتدميره والمستفيد من ذلك جهات كثيرة . ولو أفترضنا أن المشروع الأمريكى فى العراق يهدف فعلا لأقامة نموذج ديمقراطى تعددى فلماذا يجرى السكوت والتغاضى عن التدخل الخارجى والتأثير المباشر فى صناعة القرار العراقى ولماذا لم تتم حماية حدود العراق ؟ ألم يدرس الأمريكان كل هذه الأحتمالات عنما فكروا وخططوا للغزو ؟ ألم يكن فى حساباتهم أن ما يحيط بالعراق من جيران له أعمق التاثير فى عموم الوضع العراقى حيث التأثير الأيرانى على شيعة العراق والتأثير السعودى والسورى على سنة العراق وما يمكن أن تؤديه هذه التضاربات فى المصالح والمواقف وما يمكن أن ينعكس على حياة العراقيين ومستقبلهم . لقد غيب المشروع الوطنى العراقى تحت ضغط التأثيرات الأقليمية وتحول العراق الى ساحة للصراعات وتصفية الحسابات . |