الأكراد المشكلة والحل التركي |
المقاله تحت باب في السياسة هكذا بدأت تتضح الصورة جلية فالهواجس باتت تتقرب لتصبح حقائق وما كان يقال من وعود للنخبة الحاكمة في تركيا: لا لدولة كردية في الشمال ولا لتجزئة أراضى العراق لم يكن سوى مناورات من قبل زعيمي الحزبين الكردستانيين الرئيسيين الديمقراطي والاتحاد الوطني· ورغم ما بينهما من حمامات دم وصراعات لا تنتهي إلا أنهما وعلى ما يبدو قد اتفقا على تحويل الانفصال القائم عمليا إلى واقع أمام العالم بصفة عامة وتركيا بصفة خاصة· فالوثيقة التي تقترب من دستور تكرس كونفدرالية في شمال العراق قام مسعود البر زاني بعرضها على غريمه جلال الدين طالباني الذي رحب بها· صحيح أن انفصال شمال العراق قائم من الناحية العملية إلا أن تركيا لا تريد أن يتحول الفراغ السياسي الناشئ في شمال العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين إلى مشكلة تتطلب حلا من قبل المجتمع الدولي ولأن البيئة الدولية الأوروبية بوجه خاص مهيأة لقبول كيان أيا كانت تسميته في شمال العراق فقد تجد تركيا نفسها أمام من يتحدى المجتمع الدولي . أن تركيا اكتشفت بعد أكثر من 16سنه منذ انتهاء حرب الخليج الثانية أنها وقعت في أخطاء قاتلة حينما عولت على الحزبين الكرديين المتصارعين في شمال العراق آمالا واسعة للحيلولة دون إقامة دولة كردية في شمال العراق لكن على ما يبدو أن أهل الحل والعقد فقدوا الثقة في كل من مسعود البر زاني وجلال الدين الطالباني فالاثنان لن يفوتا فرصة إعلان دولة كردية ,الوضع إذن ومن وجهة النظر التركية خطير· فالقضية تعدت قيام الشمال بإشــهار علم كردستان، كما تجاوزت بكثير تلك الخطوات التي اتخذت مثل: وثائق السفر، وتغيير المناهج الدراسية لتصبح فقط باللغة الكردية، وأختام تحمل اسم الدولة المنتظرة وكلها تؤكد الانفصال عن الحكومة المركزية في بغداد وهو ما يعني في التحصيل النهائي تقويض كل ما قامت به طوال العقود الماضية للحيلولة دون إقامة كيان كردي مستقل !! وبالطبع لم يكن هذا بعيدا عن أعين حكام أنقرة ولكن لم يكن هناك سوى الانتظار واكتفت دوائر صناعة القرار بتحذير كانت توجهه بين الحين والآخر للفصيلين الكرديين في المنطقة من أن مثل تلك الخطوات مؤشر على قيام كيان منفصل لن تقبله تركيا غير أن الجواب كــان يأتيها لا داعي للقلق فليست هناك نية للانفصال !! أمر آخر جعل أهل الحل والعقد يترددون في اتخاذ مواقف متشددة ألا وهو مطالبة الولايات المتحدة لهم بمزيد من الصبر!!!! وطوال الأسابيع الماضية كان المسئولون الأميركيون الذين يتوافدون على العاصمة أنقرة يؤكدون لنظرائهم الأتراك أن الأوضاع ـ من وجهة نظرهم- مازالت تحت السيطرة كما أن اتخاذ أي خطوة غير محسوبة من قبل تركيا سوف يعوق خطواتها التي اعتمدت في جزء كبير منها على الفصيلين الكرديين إلى إقصاء نظام الرئيس صدام حسين بالقوة· كما أن المخطط الأميركي لبناء عراق جديد ينطلق أساسا من أرضية حماية وحدة الأراضي العراقية· وأن إدارة واشنطن لم تدرج ببرنامجها منطقة ذاتية أو دولة فيدرالية ضمن إطار حدود العراق، ولمزيد من الضمانات( حسب الجانب الأميركي) أكد أن الحكومة العراقية والتي ستكون ذات طابع ديمقراطي علماني ستتشكل من مختلف طوائف الشعب العراقي ومن ضمنهم بطبيعة الحال الأكراد والتركمان· ليس ذلك فحسب بل إن المخطط يتضمن منح حصة من نفط كركوك إلى تركيا!!!! وسيجد رجال الأعمال مناطق عمل كبيرة بالعراق تقدر بنحو 50 مليار دولار سيتم نقل الغاز الطبيعي إلى الأراضي التركية كما أن تركيا ستشارك مع أميركا وبريطانيا في تقسيم الكعكة العراقية وكان يمكن أن تواصل تركيا عملية الصبر التي أوصى بها الحليف الأميركي لكن اتضح للنخبة أن ما تقوله الولايات المتحدة شئ والواقع شيء آخر وزاد من الشكوك امتعاض الولايات المتحدة الدائم من تنامي تجارة الحدود مع العراق وبالتالي يصبح طرح السؤال إلى متى الصبر؟ أمرا له ما يبرره· فهل مطلوب منها أن تظل صامتة حتى ترى مدينة كركوك عاصمة الكونفدرالية الجديدة كما تقول وثيقة البر زاني؟. هنا أعلنت أنقرة أنها استعدت دبلوماسيا وعسكريا لمواجهة الأوضاع الخطيرة في شمال العراق! فعلى الصعيد الدبلوماسي كانت هذه التطورات على مائدة المباحثات مع مساعدة وزير الخارجية الأميركي والمسئولة عن الملف العراقي · وطبقا لمعلومات موثقة طرح الجانب التركي على المسئولة الأميركية مخاوفه لدعم أميركا أكراد الشمال والذي يبدو أنه فسر على أنه ضوء أخضر لتكريس انفصال الشمال ويبدو أن الأتراك لديهم حق في هواجسهم- شكوكهم على وجه الدقة ـ من جانب ثان وبالتوازي وفي إطار التنامي الواضح في العلاقات بين البلدين سيتم مناقشة ـ وبجدية ـ الخطوات التنفيذية لفتح بوابة جديدة على الحدود تكون بديلا للخابور على الحدود مع العراق أثناء المباحثات مع رئيس الحكومة السورية · وبحيث تمر التجارة والبضائع من أوروبا جنوب تركيا إلى عمق الأراضي السورية ثم مباشرة إلى العراق (يذكر أن هناك خطوط سكك حديد لا تقتصر فقط على نقل الركاب بل البضائع تنطلق من مدينة غازي عنتب التركية على الحدود مع سوريا تتجه إلى حلب ومنها إلى بغداد مباشرة)· وهدف الأتراك طبقا لتصريحاتهم خلف الكواليس حصار زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني اقتصاديا خاصة وأن البر زاني يعتمد في جزء كبير من موارده على ما يحصله من الجباية على البضائع التي تمر من خلال الأراضي التي يسيطر عليها· وبالطبع سترحب سوريا ولديها في ذلك أكثر من سبب لعل أهمها أن دمشق لا تريد دولة كردية في شمال العراق تكون متاخمة لحدودها من جانب ومن جانب آخر الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية في السياق ذاته سمحت تركيا للمرة الأولى بعقد مؤتمر يضم دول الجزار العراقية يتناول قضية الديمقراطية في العراق· ويبدو أن الدافع الأساسي للموافقة على عقد هذا المؤتمر ليس بحث الديمقراطية فتركيا في النهاية لا يهمها ما إذا كان النظام العراقي ديمقراطياً أم لا! وانما لتطرقه لأوضاع التركمان· وتلك هي الورقة الجديدة التي توليها تركيا اهتماما ليس الآن فحسب بل منذ زمن ليس بقصير بيد أنها باتت ضنينة في إعطاء عراقي من أصول تركمانية الجنسية التركية وذلك لكي لا تساعد على الهجرة وبالتالي لضمان بقاء التركمانيين في أماكنهم ومنذ سنوات قليلة أخذت القضية التركمانية زخماً أكبر يزيد بالتوازي مع زيادة مخاوف تركيا من قيام البر زاني الطالباني بعمل يتجاهل الوضع الديموجرافيا للتر كمان وهو ما بات يحدث بالفعل ! من جانب ثالث وهو الأضعف في الجهود الدبلوماسية التركية يتمثل في العراق مرحلة ما بعد صدام حسين وهنا يتجسد القلق التركي! فصدام حسين ورغم عدم سيطرته عمليا على شمال بلاده اعتبارا من 1991 إلا أن هذا كان يوفر في حد ذاته غطاء يعطي شرعية ومبرراً لدخول القوات التركية بين الحين والآخر في شمال العراق لمطاردة فلول عناصر منظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية مع ملاحظة أن التدخل كان يتم بمساعدة وبتنسيق مع الفصائل الكردية في المنطقة وبشكل خاص قوات مسعود البر زاني وتفسير ذلك بسيط: فمن ناحية تمثل المنظمة الانفصالية وزعيمها عبد الله أوجلان المعتقل حاليا في السجون التركية والمحكوم عليه بالإعدام مع وقف التنفيذ منافسا قوياً لسلطة البر زاني· من ناحية ثانية لم يكن واضحا وبصورة كاملة ما إذا كانت أميركا جادة في إقصاء النظام العراقي آنذاك (1991 - 1997) وهي الفترة التي كانت تشهد دخولاً مكثفاً للقوات التركية أما وأن المنظمة لم تعد منافساً ومع وضوح الرؤية الأميركية بشأن صدام حسين هنا انقلب البر زاني على أنقرة وهو ما يفسر انتقاداته العنيفة وإعلانه رسميا أن الشمال سيكون مقبرة للجنود الأتراك! على الصعيد العسكري كان طبيعيا إزاء هذا الموقف أن تنطلق السهام من تركيا قوية ففي صوت واحد أكد وزير الخارجية التركي ومعه رئيس هيئة الأركان أن القوات المسلحة التركية مستعدة· وخلال أيام ستحشد تركيا المزيد من القوات على الحدود مع الدولة العراقية تمهيدا للحظة التي تقررها أنقرة· ويبدو أن البر زاني لم يأخذ بمحمل الجــد قول الأتراك: أن تركيا لا ترد بالكلام وانما بالأفعال· كما أنه نسى وربما تناسى عن عمد أن تركيا بكل أزماتها وتضررها من الحصار المفروض على العراق يمكنها أن تعيش ألف عام في حرب كي لا تكون هناك دولة كردية في شمال العراق !! ورغم أن العراق أصبح لا حول له ولا قوة إلا أنه يبارك الخطوات التركية ليثبتوا أن شمال العراق جزء لا يتجزأ من الأراضي العراقية !! |