نتناول في هذه المقالة بإيجاز قصة أشهر مجلة تبشيرية مسيحية وهي مجلة ( العالم الإسلامي The Muslim World)، والمراحل المختلفة التي مرت بها، والتحولات التي طرأت عليها وعلى سياستها ومنهجها.
قبل مائة عام تقريبا كان المسلمون يعيشون سنوات حالكات، فقد وقع ثلثا أراضي المسلمين في أيدي المستعمرين فإندنوسيا( وهي أكبر البلدان الإسلامية نفوسا) كانت محتلة من قبل هولندة (التي كان نفوسها يزيد بقليل على المليون نسمة)، وكانت الهند ( التي كانت تضم آنذاك باكستان وبنغلاديش) تحت الاستعمار البريطاني، وكان المسلمون في شمالي أفريقيا يرزحون تحت الاستعمار الفرنسي، كما وقعت أفغانستان وإيران تحت الاحتلال البريطاني. أما الدولة العثمانية فكانت تعيش – بعد وصول جمعية الاتحاد والترقي إلى الحكم – مرحلة السقوط والانهيار، حتى أن أربع دول بلقانية صغيرة – بتحريض من الدول الأوروبية الكبرى وعون منها- اتحدت وأعلنت الحرب عليها بشكل فجائي وانتصرت وقطعت أجزاء منها. أما مسلمو آسيا الوسطى فقد انحشروا بين عملاقين : بين الصين وروسيا.
في هذه السنوات الحالكات التي انتشر فيها اليأس والقنوط بين المسلمين كان الغرب يراقب هذه التطورات بفرح كبير وبسعادة غامرة...لقد آن الأوان للانتقام من هؤلاء المسلمين الذين شكلوا أكبر تحد للغرب منذ ظهور الإسلام. لقد تقهقروا أمام المسلمين في الشام وفي مصر والمغرب وفي آسيا الوسطى وفي إسبانيا وبلاد البلقان حتى وصل المسلمون إلى أسوار فينّا، وخرجوا خاسرين من جميع الحروب الصليبية التي شنوها عليهم سواء في فلسطين أو في آسيا الوسطى ضد الدولة العثمانية.
كان من الضروري إصدار مجلة تسجل انتصارات الغرب المتوقعة في الساحة الدينية كذلك وذلك بتقديم نشاطات المبشرين ونجاحهم المرتقب في تنصير المسلمين، لأنهم اعتقدوا جازمين بأن جو التقهقر والهزيمة واليأس الذي أحاط بالمسلمين، وجو السيطرة العسكرية والإدارية على بلدان المسلمين سيسهل مهمة المبشرين، ويفتح أمامهم آفاقا رحبة لتحويل المسلمين إلى دين الغالبين ...إلى دين الغرب المنتصر والمتحضر، ولن تستطيع هذه المجتمعات الإسلامية الجاهلة الصمود طويلا في الساحة المعنوية مثلما لم يستطيعوا الصمود في الساحة المادية والعسكرية.
صدر العدد الأول من مجلة (العالم الإسلامي The Moslem World) في الشهر الأول من عام 1911م. كان رئيس التحرير فيها أحد الأسماء اللامعة في ميدان التبشير وهو " صموئيل م. زويمر" الذي نذر نفسه للتبشير في العالم العربي. ونجد تلخيصا لأهداف المجلة في العبارة الآتية التي وضعت تحت اسم المجلة مباشرة: " مجلة فصلية أدبية وفكرية تعرض نجاح المبشرين المسيحيين في العالم الإسلامي وحوادث وأخبار المحمديين".من هذا الاسم والعنوان يدرك الإنسان الموقف غير الموضوعي لهذه المجلة من المسلمين فهي تستعمل كلمة Moslem بدلا من Muslim، وتستعمل كلمة " المحمديين" بدلا من "المسلمين"، فالمسلمون لا ينتسبون إلى الرسول محمد (ص) مثلما ينسب المسيحيون إلى المسيح (ع) بعد أن قاموا بتأليهه. فمثل هذا التأليه غير موجود في الدين الإسلامي الذي يتميز بطابع التوحيد الخالص. ثم ما الداعي للعجلة والقول بأنها ستعرض " نجاح المبشرين المسيحيين في بلاد الإسلام"؟ ومن أين لها أن تعلم بأن نشاط المبشرين سيتكلل بالنجاح هناك؟.
أظهرت المقالة الافتتاحية للعدد الأول الطابع التبشيري للمجلة، فالمقالة تتساءل أولا:
" أكانت هناك حاجة إلى إصدار مثل هذه المجلة حول العالم الإسلامي في الوقت الذي توجد هناك مجلات أخرى حول هذا الموضوع مثل المجلة الفرنسية Revuedo Monde Musluman( بدأت بالصدور عام 1900م) والمجلة الألمانية Der Islam( بدأت بالصدور عام 1903)، وكذلك مع وجود دائرة المعارف الإسلامية Encyclopadia of Islam ؟". وتجيب المقالة بالإيجاب على هذا السؤال لأنها ترى أن الطابع الغالب على هاتين المجلتين وعلى دائرة المعارف الإسلامية طابع أكاديمي، وهي لا تهتم كثيرا بالتبشير، ولا تستطيع حل " المشكلة الإسلامية!!" أو " مشكلة المسلمين !!". وهذه المجلة ترى أن أنه ما من حل لهذه المشكلة إلا القيام بتنصير المسلمين، بينما لا تستطيع تلك المجلتان الفرنسية والألمانية ولا دائرة المعارف الإسلامية القيام بهذه المهمة الكبيرة، لذا أخذت هذه المجلة على عاتقها تنفيذ هذه المهمة، وأداء هذه الوظيفة.
إذن فقد صدرت هذه المجلة لهذه الغاية وللوصول إلى هذا الهدف، وهو تنصير المسلمين، لأنه دون تحقيق هذا الهدف فلا علاج لما سمته بـ" المشكلة الإسلامية!!" حسب رأيها ، فما دام المسلمون باقين على دينهم فهناك مشكلة، ويجب حلها.
ولم يخل هذا العدد من مقالات أكاديمية والحق يقال، ولكن أهم ما ورد فيها تفاصيل دقيقة عن مؤتمرين تبشيريين عقدا عام 1910م في ألمانيا وإنكلترا. كما نطالع في هذا العدد مقالة تقول بأن جميع الشروط والظروف أصبحت الآن مواتية لتنصير العالم الإسلامي. ولكنها تتعجب أشد العجب أمام ظاهرة لا تستطيع تفسيرها وهي ظاهرة انتشار الإسلام في قارة أفريقيا مع وجود جميع عوامل الضعف والانهيار في البلدان الإسلامية. ولكن المقالة تستمر فتقول بأن هدف المسيحيين لا يقتصر على إيقاف انتشار الإسلام في أفريقيا، لأن الهدف المرسوم أكبر من هذا بكثير وهو القيام بكسب قلوب المسلمين وتنصيرهم، ولن يتم هذا إلا بهز قواعد الإسلام في شمالي أفريقيا ولا سيما في المغرب وفي مصر حتى يتم انهيارها. كما توقعت المقالة هجوم الإسلام على المسيحية التي ستنتشر في أفريقيا.
ولكن كيف يمكن تنصير المسلمين؟...وماذا تقترح المجلة من طرق واقتراحات ليتم هذا التنصير؟
أهم الاقتراحات التي تقدمت بها المجلة هي:
1- تدجين الإسلام.
2- تحديث الإسلام.
3- تهيئة قائمة بأسماء المسلمين الذين تنصروا،والاستفادة منها في شن حملة نفسية منظمة على المسلمين.
4- فتح المدارس والمستشفيات في البلدان الإسلامية والاستعانة بها في كسب عقول وقلوب المسلمين.
كما نقرأ في هذا العدد الدعاء الذي كتبه رئيس أساقفة دورهايم من أجل المبشرين المسيحيين العاملين في العالم الإسلامي...يدعو من الله أن يهدي المسلمين – الذين أعمت الخطايا أعينهم كما يزعم- إلى المسيحية.
إذن فهدف هذه المجلة كان واضحا منذ صدور العدد الأول منها...إما تنصير المسلمين بشكل مباشر، أو تحويل الإسلام في الأقل إلى دين يشبه النصرانية.
في العدد الثاني نرى النهج نفسه في جميع المقالات. ولكن المقالة الافتتاحية تجلب النظر بشكل خاص، فهي تذكر جميع الأديان الأخرى غير المسيحية، ولكنها تميز الإسلام عن باقي الأديان. فبينما تصف الأديان الأخرى بأنها" أديان غير مسيحية" تصف الإسلام وحده بأنه "الدين المعارض والمناقض الوحيد للمسيحية!!". ويكفي هذا لفهم مدى العداء والتعصب الموجود في هذه المجلة تجاه الإسلام مع أنه الدين الوحيد خارج المسيحية الذي يؤمن بالمسيح (ع) نبيا ورسولا كريما ويؤمن بعذرية والدته، وبميلاده المعجز. وتستطرد المقالة فتقول بأن من الضروري حدوث تجديد في الإسلام كما حدث في المسيحية لكي يقترب الإسلام من الثقافة ومن المدنية المسيحية.
في العدد نفسه نطالع مقالة أخرى بقلم " كارل مين هوف" يقول فيها:
" بينما نرى انحسار الإسلام عن قارة أوروبا وفقده لقوته وتأثيره فيها نراه يسجل تقدما كبيرا في أفريقيا، إذن فليس من السهل الصراع مع الإسلام". ويستطرد قائلا بأن المبشرين المسيحيين في العالم الإسلامي يجدون صعوبة كبيرة جدا ويقعون في اليأس. ثم يقول:
"تكاد القناعة العامة لدى هؤلاء المبشرين هي استحالة تحويل المسلمين إلى المسيحية، لذا نراهم يتهربون من إقامة علاقات وثيقة معهم". ولكنه يوصيهم بطرح اليأس جانبا، ليقول في الختام:" يجب تهيئة مبشرين يعرفون دقائق القرآن والحديث والتاريخ الإسلامي، فإذا نجحنا في هذا فقد نستطيع الوصول إلى الهدف".
تتناول المقالة الرئيسية في العدد الثالث من المجلة المدن الثلاث المهمة في العالم المحمدي حسب تعبيرها وهي: مكة ، القاهرة واسطنبول وتقول:
" إن مكة هي قلبه، والقاهرة دماغه واسطنبول يداه، فإذا سقطت هذه المدن الثلاث فلن يستطيع العالم الإسلامي القيام بمزيد من المقاومة. ولكن يستحيل التسلل إلى مكة لأن دخول غير المسلمين إليها ممنوع. لذا كان على المبشرين تكثيف جهودهم واهتمامهم في القاهرة واسطنبول".
وفي مقالة أخرى بقلم " هنري و.دويت" نرى الكاتب وهو يعرب عن أمله وعن تفاؤله في ان تنقلب اسطنبول في المستقبل إلى مدينة مسيحية. كما تقوم المجلة في هذا العدد بإعطاء معلومات جيدة عن نشاط المبشرين في مدينة اسطنبول.
في العدد الرابع منها ، اي في أواخر سنة 1911م نقرأ مقالة طويلة جدا بقلم رئيس التحرير صموئيل زويمر تحت عنوان ( نظرة عامة على أحوال العالم الإسلامي) تناول فيها بالتقيين جميع البلدان الإسلامية تقريبا من المغرب إلى إيران ، ومن مصر إلى الصين، ومن أواسط أفريقيا إلى الهند وجاوا. والشيء المشترك الوحيد بين هذه البلدان هو طابع التقهقر والتراجع والفقر والجهل، والحل الوحيد أمام العالم الإسلامي – في رأي الكاتب- هو التحول إلى النصرانية، فلا يوجد حل آخر.
ولكننا نقرأ في مقالة أخرى في العدد نفسه تذكر بأن " أصعب مهمة للكنيسة المسيحية هي تأمين قبول المحمديين عيسى كرب وكمخلص لهم". كما نجد في العدد نفسه خبرا وتعليقا حول زيادة عدد المسلمين على الرغم من جميع الظروف السيئة المحيطة بهم، وعلى الرغم من جميع مؤشرات التراجع والسقوط في مختلف الميادين في هذه البلدان الإسلامية، حيث نقرأ أن قبيلة " منسا" الحبشية التي كان جميع أفرادها مسيحيين في عام 1860م فقد تحول ثلثا القبيلة اليوم ( أي عام 1911) إلى الإسلام. كما أن عدد المسلمين في قبيلة "بوغوس" كان قليلا جدا قبل خمسين عاما أما الآن ( أي في 1911)فنصف القبيلة من المسلمين. كما تحولت قبيلة "بت كوك"كلها إلى الإسلام بينما كانت نسبة المسلمين فيها قبل خمسين عاما يقارب النصف.
الآمال التي خابت
مرت السنوات على هذا المنوال على هذه المجلة التبشيرية...تضع آمالا كبيرة، وتسرح في أحلام وردية ثم تصدمها الحقائق في أرض الواقع، حتى نصل إلى سنة 1917م حيث تتغير الجهة الممولة لها حيث تنتقل إلى حماية وتمويل جمعية تبشيرية أمريكية. غير أن هذا التغيير لا يؤدي لا إلى تغيير في كادر رئاسة التحرير ولا إلى تغيير في سياستها وأهدافها.
كانت المصائب تتوالى على العالم الإسلامي، ففي هذه السنة خسرت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى وانهارت وتبعثرت أشلاؤها وهرب القادة الاتحاديون خارج البلاد بعد أن مزقوا الدولة العثمانية بعدما أدخلوها بحماقة منقطعة النظير في أتون حرب عالمية وهي غير مستعدة لها لا من الناحية العسكرية ولا من الناحية المالية. أي لم يعد هناك أي بلد مسلم خارج الاحتلال الأجنبي.
كان إلى جانب جنود الاحتلال الذين غزوا العالم الإسلامي جيش من المبشرين الذين انتعشت آمالهم بعد هزيمة دولة الخلافة التي كانت رمزا لوحدة المسلمين. ولكن على الرغم من هذه الصورة القاتمة للعالم الإسلامي وعلى الرغم من جيوش المبشرين العاملين تحت حماية السلاح، وعلى الرغم من الأموال الكبيرة التي انهالت على الجمعيات التبشيرية العاملة في العالم الإسلامي فإنهم لم يحققوا أي نجاح يذكر مع أنه بدا لهم بأنهم أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من هدفهم. لقد لمسوا مناعة قوية في العالم الإسلامي أدهشتهم، وعجزوا عن معرفة أسبابها ودواعيها.
ولكنهم لم ييأسوا، بل إن إلغاء الخلافة في 1923 وتأسيس الجمهورية التركية على أنقاضها أعطى لهم أملا جديدا. لذا نجد في عدد شهر نيسان 1924م مقالة بقلم " بول نلسون" بعنوان :" تركيا التي أراها من طرسوس"جاء فيها :
" لقد أصبح مصطفى كمال باشا رئيسا لدولة تركيا، لذا لم نعد نحن المبشرين تحت سلطة حكومة خلافة مستبدة".
كان العدد الأول لعام 1924م مشحونا أيضا بالآمال الكبيرة التي انعكست على مقالتها الافتتاحية، كما كانت هناك مقالة حول فعاليات " الهيئة التعليمية الأمريكية The American Board" الموجودة في تركيا، لأن الآمال كانت معقودة على فعاليات التعليم في تنصير المسلمين. ومع أن المقالة كانت تقول:"لم يتم الحصول على أي شيء ذي بال طوال مائة سنة" وتعترف بهذه الحقيقة إلا أنها كانت تستطرد وتقول:" على الرغم من هذا الفشل الواضح في الماضي، إلا أن المبشرين الأبطال الذين لا يتملكهم اليأس أبدا لا يزالون يأملون في قيام الأتراك بقبول النصرانية".
كانت هناك إشارات مشجعة لهم في تركيا، فقد طرد الخليفة وجميع أفراد وأمراء آل عثمان، وألغيت الخلافة، ودعي البروفيسور الأمريكي " جون دوي" من جامعة كولومبيا إلى تركيا من قبل الحكومة التركية لكي يقوم ببناء التعليم في تركيا ووضع أسس ومناهج علمانية له. كانت المقالة تشير إلى هذا وتقول:" إن هذا تغيير أساسي وعميق جدا، وهو يشكل فرصة ثمينة للمبشرين المسيحيين لكي ينفذوا إلى عقول وقلوب الجماهير التركية. يجب ترك الطرق القديمة وهجرها والاستفادة من هذه الفرصة المهمة وعدم تضييعها أو إهمالها".
ولنأت إلى عام 1927م...أي إلى ما بعد ثلاث سنوات لنتصفح أعداد هذه المجلة .
في عدد شهر نيسان من هذا العام نقرا مقالة بعنوان:" فكر المسلم الحالي في تركيا" بقلم " دبليو.م.ساك وول وورث...."جاء فيها:
"إن المسلم الذي يحاول حاليا متابعة وقراءة القرآن أو السنة يواجه صعوبات كبيرة في تركيا". وذلك إشارة إلى قلة وندرة الكتب الإسلامية ، وإلى جو الإرهاب السائد في تركيا ضد التعليم الديني بعد غلق جميع الطرق الصوفية وجميع الزوايا والتكايا، وإلى منع تدريس الدين في المدارس. وقد اعتبر الكاتب هذه الصعاب التي وضعت أمام الإسلام آنذاك فرصة وبارقة أمل أمام المبشرين المسيحيين. إذن فالأتراك – في رأي الكاتب- يبحثون عن أمل وعن شيء جديد، والمسيحية هي هذا الشيء الجديد الذي يبحث عنه الأتراك.ولم يفهم كاتب المقالة أن ما حدث في تركيا لم يكن يعكس فكر ولا مطالب الجماهير التركية.
في السنة التالية، أي في سنة 1928م تذكر المجلة وقوع مصيبة كبيرة في تركيا وهي: "منع تدريس الدين في المدارس ومنع الدعاية الدينية فيها". وتشير المجلة إلى هذا المنع بأنه مثال على " عدم التسامح الديني". ولا يخطرن ببال أحد بأن هذه المجلة التبشيرية ذرفت الدموع على منع تدريس الدين الإسلامي في المدارس، لأنها سبق وأن سجلت فرحتها الغامرة وسعادتها الكبيرة عندما زفت إلى قرائها نبأ منع تدريس الدين الإسلامي في المدارس في تركيا. المنع المذكور أعلاه كان منع الدعاية النصرانية أيضا في المدارس. وقصة هذا المنع هي ورود نبأ عن تنصر أربع طالبات في إحدى المدارس الثانوية المدارة من قبل مؤسسة تبشيرية أمريكية في مدينة بورصة، وأن هذا النبأ احدث ضجة كبيرة بين السكان. وعندما وصل الخبر إلى المسؤولين في أنقرة قاموا بإغلاق هذه المدرسة واستجواب هيئتها التدريسية. هذه هي الحادثة التي سجلتها هذه المجلة إشارة إلى التعصب وعدم المسامحة الموجودة لدى الأتراك.
نقرأ في العدد نفسه مقالة أخرى تحت عنوان:" الثمن المدفوع لتنصير المسلمين" بقلم "ه.ج.لاين سميث H.J.Lane Smith"جاء فيها:
" ليس تنصير المسلمين مجرد كلام سهل يطلق هكذا جزافا" و" إن الإسلام أكبر دين ظهر بعد المسيحية ".
وكاتب المقالة مبشر يقوم بالتبشير في الهند، وهو يبدي دهشته لأنه في مقابل سهولة تنصير غير المسلمين من الهنود فإنه يصطدم بصعوبة غير متوقعة عند محاولة تنصير المسلمين. وأمام هذا الأمر يقوم بنقد ذاتي وبتقديم مقترحات جديدة. والشيء الذي ادهش هذا المبشر هو قيام المسلمين بأداء الصلاة خمس مرات في اليوم فهو مذهول من هذا الأمر ومعجب به غاية الإعجاب، ويعتبره مقياسا لقوة ارتباط المسلمين بدينهم وتوقيرهم له، وهو يقارن هذا بحال المسيحيين فيقول بأسى:
" كم مسيحي يؤدي عبادته مثل المسلمين؟...اي مسيحي يقوم بالعبادة لا خمس مرات في اليوم بل ثلاث مرات؟...لا بل كم مسيحي يؤدي العبادة مرة واحدة فقط كل يوم؟...إذن؟ ...أنا أرى بأن على المسيحيين أداء عبادة ولو قصيرة في النهار بين الساعة الثانية عشرة صباحا والساعة الثانية ظهرا، ففي هذا فائدة كبيرة من ناحية النشاط التبشيري". ولا يرى هذا كافيا بل يشير إلى أهمية شكل العبادة وكيفية أداء الصلاة ولعله أعجب بحركات الصلاة في الإسلام وكيف تشير إلى عبودية الإنسان وتواضعه وركوعه وسجوده أمام خالقه. ويقول بأن على المبشرين تشجيع المسيحيين على أداء هذه العبادة بالخشوع والصدق الذي يبدو في صلاة المسلمين.
ومقالة أخرى في العدد نفسه كتبها من القاهرة "س.ا.موريسون" تحت عنوان :" التطورات الحديثة في بلاد المسلمين". وتعد هذه المقالة نقدا ذاتيا فالكاتب يقول بأن المسيحية أصبحت في بلاد المسلمين تذكر مع العالم المسيحي المستعمر، ومع الأقلية المسيحية الموجودة في هذه البلدان التي تتسم بضعف الولاء للوطن، وتذكر كذلك الحروب الصليبية ومع الإدارة الإنجليزية المتسمة بالغرور والعجرفة، ومع أوروبا الغارقة في أوحال المادية والتحلل.ويقول في نهاية المقالة:
"بينما العقائد والمذاهب الأخرى في طور الانقراض والزوال، فإن الإسلام لا يزال منتصبا أمامنا وواقفا على قدميه". ثم يقول:" قد يكون من الصعب حمل الصليب في البلدان المسيحية، ولكنه أصعب بكثير في البلدان الإسلامية".
ومقالة أخرى في هذا العدد تجلب النظر وهي بقلم "أرنست بي Ernest Pye" يقول فيها بأن الإسلام لم يضعف في تركيا، ويقارن بين تدين المسلمين وتدين المسيحيين فيقول:
" في مقابل كنائسنا التي تظل فارغة طوال أسبوع كامل، والتي تكون فارغة أو في أفضل الأحوال تمتلئ حتى النصف في أيام الآحاد، نرى شيئا مناقضا تماما عندما نلقي نظرة على الجوامع. فهذه الجوامع تمتلئ تماما مرة واحدة في الأقل كل يوم. أما في الأعياد فإن المصلين يملئون الشوارع المحيطة بالجوامع بعد امتلائها في الداخل. والمسلمون ينظرون إلى المجتمعات المسيحية كمجتمعات بعيدة عن العبادة. لذا فهل ترون هناك أي احتمال أن يحترم المسلم – الحريص على أداء عباداته- أي مجتمع بعيد عن العبادة، أو يأخذه مأخذ الجد؟".
في تلك السنوات نرى تغيرا في طابع مقالات هذه المجلة التي أسست لتنصير المسلمين. فقد تخلت هذه المجلة عن كتابة المقالات التي ترسم آمالا وردية في موضوع التنصير، وذلك بعد تعاقب الأخبار المثبطة للهمم من العالم الإسلامي، وبدأت المقالات تتجه نحو النقد الذاتي أي البحث عن الفشل في هذا الموضوع.
في ظل هذه الأجواء حلت سنة 1938م وفيها تغيرت مرة أخرى الجهة المسؤولة عن هذه المجلة، حيث انتقلت إلى إشراف وقف Hartford Seminary وهو معهد لاهوتي دولي عريق تأسس سنة 1834م من أجل إعداد الكوادر التبشيرية وإرسالهم إلى شتى أنحاء العالم.
بعد انتقال المجلة إلى هذا المعهد نقرأ في العدد الأول منها مقالة بقلم البروفيسور Duncan B.Macdonald وهو من كبار المسؤولين في هذا المعهد، ويعترف في مقالته بما يأتي:
"علينا أن نعترف بكل صدق بأن الذين تناولوا الإسلام باسم المسيحية لم يكونوا يعرفون عن الإسلام إلا النزر اليسير". ويعطي مثالا على هذا فيقول:
" قبل ثلاثين سنة كان العديد من المبشرين المسيحيين على جهل تام بأن الإسلام يملك أدبا وفكرا لاهوتيا( تصوفيا) غنيا وواسعا يماثل ما تملكه الكنيسة".
لم تكن المجلة قد تخلت عن أهدافها التبشيرية، لذا نرى هذا الكاتب يقول:
" لا يزال الهدف النهائي لهذه المجلة هو تحويل قلوب وعقول أكبر عدد من المسلمين إلى المسيحية"...الهدف لا يزال هو الهدف، ولكن رأوا أن من الصعب أن يصلوا إلى هذا الهدف بأسلوب من التعصب الأعمى والفكر المسبق وجهل بالإسلام، فهذا الأسلوب لن يجدي ولن يفيد. بل يتطلب الأسلوب العصري فهم الإسلام ومعرفته عن قرب، فليس الإسلام دينا ساذجا وبسيطا، بل هو دين عميق وغني، لذا فليس من السهل أبدا الصراع معه بأسلوب بدائي...هذه هي النتيجة التي انتهوا إليها بعد 27 عاما من إصدار المجلة.
في العدد نفسه نرى مقالة أخرى طويلة كتبها Edwin E.Calverley تحت عنوان(الإسلام: تفسير وتحليل). في هذه المقالة نرى الاتجاه نفسه، فهو يقول بأنه من الصعب جدا أو من المستحيل القيام بسل الإسلام وإخراجه من قلب المسلم في الوقت الذي تغلغل الإسلام في جميع مظاهر الحياة وساحاتها. ثم يقول بأنه آن الأوان لترك المقولات السطحية والجاهلة التي تدعي بأن الإسلام قد انتشر بالسيف، لأنه ما دام الإسلام قد أعطى لليهود وللمسيحيين وضع أهل الذمة ولم يجبرهم على اعتناق الإسلام إذن فمن الضروري إعادة تقييم الإسلام على ضوء الحقائق ، وفي جو هادئ بعيد عن التشنج. وينهي مقالته بالقول:
" إن الإسلام يحيط بجميع شؤون الحياة، وهو يبدو أكثر جاذبية من أي دين آخر، فهو أكثر الأديان جلبا للثقة".
والخلاصة أن القائمين بإصدار المجلة بدءوا يدركون مدى صعوبة التبشير بين المسلمين.
في سنة 1947م حدث تحول أساسي في المجلة، فقد انسحب صموئيل زويمر من رئاسة التحرير بعد أن عمل فيها سبعا وثلاثين سنة، وجاء السيد Edwin E.Calverley إلى رئاسة التحرير.
في العدد الأخير لسنة 1947 أعلنت المجلة أنها ستغير اسم المجلة من The Moslem World إلى The Muslim World. وتغييرا آخر نشهده وهو تركهم استعمال كلمة " المحمديين" ، وهو تراجع عن خطأ قديم ومزمن في تسمية المسلمين. وتغيير ثالث وهو قيامهم بحذف عبارة " عرض نجاح المبشرين المسيحيين في بلدان العالم الإسلامي" التي كانت موجودة تحت اسم المجلة مباشرة. وهي عبارة بقيت في غلاف المجلة مدة 37 عاما. ذلك لأنه لم يكن هناك أي نجاح يذكر في هذا الصدد لكي يتم عرضه.
لم تحدث هذه التغييرات إلا بعد انسحاب صموئيل زويمر من رئاسة التحرير ومن توجيه سياسة المجلة، فقد كان مبشرا متعصبا ضد الإسلام حتى النخاع.
ولم يكن هذا الأمر يعني بالطبع أن المجلة تخلت تماما عن أحلامها القديمة في تنصير المسلمين، لأنها ظلت تنشر مثل هذه المقالات من حين لآخر، وكانت تنشر أيضا المقالات التي تؤكد صعوبة تنصير المسلمين، وأحيانا تحيل هذا الأمر إلى الله تعالى فتنشر من حين لآخر أدعية حارة تتضرع إلى الله تعالى أن يرحم المسلمين ويهديهم إلى المسيح المنقذ. ولكن لم يكن يفوت المرء هنا ملاحظة وقوع تغير مهم في المجلة وهو تحولها من مجلة تبشيرية متعصبة لا ترى الحقيقة إلى مجلة بدأت المقالات الأكاديمية الرصينة تأخذ مكانها في صفحاتها. حتى أن رئيس التحرير الجديد السيد أدوين كتب يقول بأن أبواب هذه المجلة أصبحت موصدة أمام التقييمات والتحليلات الخاطئة حول الإسلام، وأنه لن يسمح بنشر الأكاذيب حول الإسلام، وأنه يرحب بالمقالات وبالبحوث الجامعية والأكاديمية الرصينة حول الإسلام.
اتبعت المجلة فعلا هذه السياسة وهذا النهج في مقالاتها في الخمسينيات والستينيات، فتحولت من مجلة تبشيرية ضيقة الأفق إلى مجلة أكاديمية أصبحا صالحة لتكون مصدرا علميا يستفيد منه الباحثون وتستفيد منه الجامعات التي تقوم بتدريس الإسلام. والشيء الذي شجع هذا الاتجاه هو أنه علاوة على تتابع الأحداث التي أظهرت استحالة تنصير العالم الإسلامي فقد بدت هناك ظاهرة أخرى وهي ميل العديد من المسيحيين في الغرب إلى الإسلام واعتناقهم له.
في سنة 1970 نلاحظ تحولا آخر فيها، وأفضل إشارة لهذا التحول هي العبارة التي وضعت تحت اسم المجلة وهي : " مجلة لنشر البحوث الإسلامية والعلاقات المسيحية- الإسلامية في الماضي وفي الحاضر".
أصبح للمجلة أربعة رؤساء تحرير من أشخاص بعيدين عن التعصب ضد الإسلام، وعن نفسية المبشر. والأهم من كل هذا أن المجلة بدأت بفتح صفحاتها للبحوث الإسلامية المكتوبة من قبل المفكرين والباحثين المسلمين. كانت هذه خطوة كبيرة إلى الأمام في تأصيل الطابع العلمي والأكاديمي المحايد للمجلة. وبعد عام 1979م أي بعد وقوع الثورة الإيرانية وتزايد الاهتمام بالإسلام في الغرب اكتسبت هذه المجلة بطابعها الأكاديمي الرصين سمعة جيدة في الغرب وانتشارا أوسع.
في سنة 1990 زال آخر رمز تبشيري لها، وهو علامة الصليب التي كانت موجودة على غلافها، ووضعت مكانها صورة الكرة الأرضية كإشارة واضحة أن هذه المجلة أصبحت مجلة عالمية تخاطب الناس جميعا، وليس مجلة خاصة بالمسيحيين.
ولكن الخطوة الراديكالية في التغيير حدثت في عام 1992عندما أصبح أحد العلماء المسلمين ضمن رئاسة تحرير المجلة وهو السيد إبراهيم أبو ربيعة(وهو فلسطيني متجنس بالجنسية الأمريكية). وكانت رئاسة تحرير المجلة منذ عام 1970 تدار من قبل Willyem A.Bijlefeld و Wadi Z.Haddad و David A.Kerr فأصبح أبو ربيعة هو الشخص الرابع في رئاسة التحرير. بعد سنتين خرج W.Bijlefeld من المجلة وأصبح أبو ربيع رئيسا للتحرير ودافيد كير والحداد معاونين له. وفي عام 1997 عين مسلم آخر كمعاون لرئيس التحرير وهو السيد علوي شهابي من إندونيسيا وكان قد شغل منصب وزير الخارجية مدة في عهد ما بعد سوهارتو.
وأخيرا وفي نهاية القرن الماضي خطت المجلة خطوة أخرى مهمة إلى الأمام عندما قررت تعيين الدكتورة "أنجريد ماتسون Dr.Ingrid Mattson الكندية ضمن رئاسة التحرير، وهي عالمة كندية اعتنقت الإسلام في الثمانينيات وتحجبت، وكانت قد أكملت رسالة الدكتوراه في جامعة شيكاغو /قسم البحوث الإسلامية. أي اصبح هناك ضمن كادر التحرير مهتدية كندية ومحجبة. وحاليا فإن نصف المقالات المنشورة في هذه المجلة الأكاديمية تعود لكتاب مسلمين.
هذه هي بإيجاز قصة هذه المجلة التي ظهرت قبل قرن تقريبا في صورة مجلة تبشيرية متعصبة ثم تطورت تدريجيا إلى وضعها الأكاديمي الحالي.
والآن ماذا يمكن أن نستنتج من قصة هذه المجلة ومن تاريخها والتحولات التي طرأت عليها؟
أنا لا أدري ماذا سيستنتج القراء، ولكني شخصيا أرى في تاريخ هذه المجلة صورة مصغرة للغرب ولموقفه من الإسلام، وماذا سيؤول إليه في المستقبل القريب أو المتوسط القرب.
ولكي نفهم الموقف النفسي للغرب، بل حتى الفكر المنغرز في لاشعوره تجاه الإسلام علينا أن نتذكر بعض الحقائق:
1- المسامحة الدينية من بديهيات الدين الإسلامي، وهو شيء غير قابل للنقاش أو للاجتهاد( لا إكراه في الدين). لذا فلا يحمل المسلمون حقدا تجاه منتسبي الأديان الأخرى لأنهم يرون في تعدد الأديان شيئا طبيعيا وسنة من السنن الإلهية( ولو شاء الله لهداهم أجمعين). وقد عاشت معظم الأديان الموجودة حاليا في ظل الإسلام في سلام وفي أمان مئات الأعوام. ولم يقم المسلمون بإكراه أحد على اعتناق الإسلام.
2- المسامحة الدينية غير معروفة في تاريخ أوروبا المسيحية. بل لا تجد عند المسيحيين مسامحة مذهبية. فبينما كان الطلاب يدرسون مختلف المذاهب في جامع واحد في العالم الإسلامي، لن تجد في كل تاريخ أوروبا كنيسة واحدة قامت بتدريس مذهبين مسيحيين جنبا إلى جنب.والأزهر وهو أقدم جامعة في العالم تقوم منذ مئات الأعوام بتدريس مختلف المذاهب الإسلامية السنية، وأضافت قبل عقود تدريس المذهب الجعفري أيضا.
ومع أن المسلمين لم يكرهوا المسيحيين على الإسلام عندما كانت نصف أوروبا تحت حكمهم (الأندلس، اليونان، ألبانيا ، البوصنة والهرسك،الجبل السود، بلغاريا، أجزاء من النمسا والمجر وإيطاليا، وجزر رودس وصقلية وقبرص...الخ)، وأجزاء كبيرة من روسيا الحالية، إلا أن المسيحيين ما أن استرجعوا هذه البلدان من المسلمين حتى قاموا بمذابح رهيبة للمسلمين. وقصة محاكم التفتيش معروفة ولا حاجة لذكرها وتكرارها هنا. ولكن ما لا يعرفه معظم القراء هو المذابح العديدة التي حدثت في أعقاب الحرب البلقانية والحرب العالمية الأولى ضد المسلمين في أوروبا وفي روسيا. حتى أن جميع الجوامع في المدن الكبرى والوسطى في تركيا مثل اسطنبول وأدرنة وقارص وغيرها من المدن التركية امتلأت بمئات الآلاف من المسلمين الذين استطاعوا الهرب من هذه المجازر. ولولا هذه المجازر لكان عدد المسلمين في أوروبا وفي روسيا أضعاف عددهم الحالي
3- لم تدخل أوروبا المسيحية في تاريخها منذ ظهور الإسلام وانتشاره في حرب دينية مع أي دين آخر سوى الإسلام، ولم يظهر هناك منافس للدين المسيحي سوى الدين الإسلامي. لذا فهي تحمل ضد الإسلام عقدة نفسية غائرة في أعماق لاشعورها، نابعة من تاريخها الطويل في الصراع ضد الإسلام وضد المسلمين. بينما تعامل الإسلام بعد ظهوره مع جميع الأديان الأخرى ...مع اليهودية ومع المسيحية ومع المجوسية ومع أديان الهند والصين. أي لا يحمل المسلمون عقدة معينة وخاصة ضد الدين المسيحي، فلم تكن المسيحية المنافسة الوحيدة للإسلام.
4- بعد انتشار ظاهرة العولمة حاليا لا يجد الغرب أي منافس أو أي بديل للحضارة الغربية، ولطراز الحياة الغربية الحالية ولنظرته إلى الكون والحياة والمجتمع والفرد غير الإسلام. فلا تجد الآن فكرا منافسا ونظرة بديلة للحضارة الغربية لا في اليابان( التي اصطبغت تماما بالصبغة وبالقيم الغربية في حياتها) ولا في شيوعية الصين، لأن الشيوعية أصلا نتاج للفكر الغربي. وكلما تقدمت الصين اضطرت للتخلي عن بعض المسلمات والأسس الشيوعية. وبقايا الشيوعية آيلة للسقوط، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة فلا تشكل بديلا للحضارة الغربية. لذا نرى أن الإسلام وحده كان هو المستهدف الوحيد لما أطلق عليه " صراع الحضارات". وكلنا نتذكر تصريح كبار المسؤولين العسكريين في حلف الناتو – بعد سقوط الاتحاد السوفيتي- بأن الخطر الأحمر قد زال، وأن سبب بقاء هذا الحلف واستمراره هو لمواجهة ما سمي ب" الخطر الأخضر" والمقصود به الخطر الإسلامي على حد زعمهم.لذا أكاد أن أجزم بأن المخابرات ( الموساد والمخابرات المركزية الأمريكية وغيرها من المخابرات الغربية) عملت على إقامة منظمات إرهابية تنتسب للإسلام وتقوم بأعمال إرهابية وبتفجيرات تقتل المدنيين والأطفال هنا وهناك لكي تكون هناك ذريعة لمحاربة الإسلام وإظهاره كدين وحشي ومتعطش للدماء، وذريعة للتدخل السياسي في البلدان الإسلامية بحجة محاربة الإرهاب. كما كانت هذه الأعمال الإرهابية وسيلة لتشويه سمعة الإسلام ووضع العراقيل أمام انتشاره السريع في أمريكا وفي أوروبا وروسيا ، وحجة لقطع المعونات المالية عن الجمعيات الإسلامية العاملة في شتى البلدان.
أمام جميع هذه الحقائق- وأخرى لم نذكرها لضيق المجال- فليس من الغريب وجود عقدة نفسية عدائية ضد الإسلام غائرة في أعماق الفكر الشعوري واللاشعوري لدى الغربيين. ولو لم يحدث هذا، أي لو كان الأمر خلاف هذا لكان شيئا غير طبيعي ولا يتماشى مع القوانين السارية في الإنسان والمجتمع.
ولكن إلى متى سيبقى هذا الوهم وهذه العقدة تشغل نفوس وقلوب الغربيين؟
جواب هذا السؤال مرتبط بمدى نشاط المسلمين ونجاحهم في الاتصال بالجماهير الغربية وبوسائل الإعلام وبمراكز البحوث الاجتماعية والفكرية التي تؤثر في توجيه الرأي العام هناك، وما يملكونه ( أو ما سيملكونه في المستقبل) من أدوات ووسائل الاتصال هذه، وبمدى كفاءة المسلمين في توظيف هذه الوسائل. فمثلا سمعنا بأن اتحاد الجمعيات الإسلامية في أمريكا (كير) ستؤسس قناة تلفزيونية في الولايات المتحدة الأمريكية لمخاطبة الأمريكيين لإيضاح الحقائق ودفع الشبهات المثارة ضد الإسلام. فهل يستطيع المسلمون في أوروبا فعل الشيء نفسه؟
عندما تكون هناك أرضية لصراع شريف للمبادئ وعندما تتيسر سبل إيضاح الحقائق في ساحة الفكر والتبليغ، والوسائل التي تمكن من هذا فلا مهرب أمام الغرب وأمام جميع شعوب العالم من الإسلام. وإذا نجح المسلمون في القيام بالتبليغ بكفاءة وبلسان العصر وبمستواه فلن تستطيع أي دعوة أخرى منافسته، ولن يستطيع اي فكر آخر الوقوف أمامه( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق). وقصة هذه المجلة أفضل دليل على ما نقول. |