أبا الثوار يا بطلاً ينادى...وساند كل من عدلاً أرادا

وظافر عزّ شعبٍ باللآلي ...وواهب خندق الشهداء زادا

وهل تسمو المراجل باسم شهمٍ....إذا ما كان سيفك قد أفادا

وهل زحف الرجاء لنا مجيراً....إذا ما لم تكنْ زحف ابتعادا

ولدْتَ ضياء حقٍ يمتطيه....طريق الفكر والقيم التلادا

ومتَّ ولم يمتْ نفسٌ كريمٌ....تَقَلَّده سواك فما استفادا

على الأعداء كنت عنيد حرٍّ....تنثُّ سيوفه قضباً شدادا

فلم تخذلْ لوطأةِ قيد طاغٍ....ولم تركعْ لمن وَرَدَ الزنادا

وقفتَ عُلاً لحيلة من تداعى...عروبة أمةٍ غوت الحيادا

وما أضحى عليها من رزايا.....يفوق حوافر التتر ازدرادا

فما كان الذي رسم اتحاداً...سوى قرحٍ أراد له الضمادا

فلولا وثبةٌ كبرى أطاحتْ ...هوايته التي كُسِيَتْ سوادا

لكان مصيرنا سُمّاً ذعاقاً...نُذَوِّقهُ لمن ورث المعادا

أبا الأحرار يا قمراً مليئاً...ومأذنةً إن انتقدوا الجهادا

وساحة كبرياءٍ حاملاً فوقَ عزتها العقيدةَ والبلادا

فكم ضمرتْ رؤوسٌ عند سغبٍ...تخور له انتقاصاً واقتيادا

فما رأساً حنوتَ بما استفزوا....فرأسك ملكُ من خلق العبادا

وعشتَ عفيف نفسٍ طرَّزتها.....أمانة من تُسلّمهُ الفؤادا

فلمْ تملكْ سوى دينار واحدْ...وغيرك شاطر الدنيا وسادا

وعاث كأنها دُرجتْ إليه...بتوكيلٍ أباح له الفسادا

وتلتحفُ الحصير وترتديه...ويلتحف النواعم والقتادا

وتعبدُ ربَّ أحمد لا شريكاً...ويعبد نفسه إثماً جعادا

وتُقتَل صائماً بصلاة فجرٍ...ويُصلَب مُكْسر الرأس انقيادا

رمينا عنده الكذب ابتداعاً...فصدقه سبيلاً واعتقادا

فأيّ لذي مقارنةٍ وهذي....إذا جهل الورى احترقوا اتقادا

فمَنْ همْ بين أشداق الضواري... يسامر عظمهمْ لمنْ طرق الرقادا

أكان لديك كنزٌ أو قصورٌ...شواكلها تَكوَّرت احتشادا

وسربٌ من أوانيس العذارى....كما صار الذي ملق الجمادا

وربي لم تكنْ شيئاً كهذا...ولكنْ ذنبك الصدق ارتيادا

تركتَ الصمت ينطقه كليمٌ...إذا كثر الكلام يعضّ ضادا

وأصبحتَ الإله بزيِّ آدمْ....نبيّ قبيلةٍ روت الحدادا

سقتك سمومها من غير ذنبٍ....سوى أحببت موطنك المصادا

رأتكَ عدوَّ آمرها فهمَّتْ....لزانٍ هاجناً فيها الرشادا

فأغفَرَتْ الخوارج لاقتسامٍ...يخيط الرشد فاحتشدوا جرادا

كأنهمُ لقتلك دَيْنُ أمسٍ....مع الأيام تحسبه مبادا

فأيُّ سلالةٍ قتلتْ عليّاً....ولولاه لِما هزَّتْ مهادا

وأيُّ رسالةٍ قادتْ شعوباً....ولَمّا استحلبتْ حلبتْ صفادا

يعانقها من اغتصب الغوالي...وخاذِلُها صديقٌ لا يعادى

أتَعْلَمُ أنَّ من ذبحتْ يداها...إذا عثرتْ يعاودها العتادا

فلم يوماً يبعْها بل شراها...وأسكنها بعينيه وزادا

وزيَّنَ قُبْحها غزل الأغاني...نهاراً يوقد الشمع المبادا

وسامحها بما مطرتْ عليه...من الغدر اجتماعاً وانفرادا

عفا المكروم عن ما قد مضاها....فهل عرفتْ بما جهلتْ مفادا

مضتْ خمسين عاماً في سباتٍ...وهل حصد الذي زرع الرمادا

أتنجب فارساً من أغرمتها....كؤوس اللهو طوعاً واضطهادا

وبات مساءها نزقٌ طريدٌ...أقام لها الفواحش ما أرادا

فكم من ساقطٍ شجوَ اشتهاها...وكم من فاسقٍ ركب الجوادا

فحتى من رياح العفن فيها...نما الإرهاب فاختلق الجهادا

بأرض الرافدين رسا حلوباً...عقيدةَ تذبح الطفل اتئادا

كما فعل ابن سفيان المذكى...وفرعون الذي حضر المزادا

فكم من ليالٍ قد بكينا....لدينا أطيبُ الدنيا ارتيادا

أننكر إنكَ النجم المزكى...مصابيح العراق إذا تفادى

تقلَّدتَ العراق أباً وجاهً...وقبلتَ التراب دماً مدادا

وأوردتَ البساتين اختضاراً...وكحلتَ السواقي والوهادا

ومنذ رحلتَ عنا صال فينا...بساط الغل يقتطف الودادا

فبعدك زارنا طاغٍ وزانٍ....وجاهلُ علمه كان اجتهادا

فحتى إنني قد ضِعتُ صبحاً....نسيتُ بأنَّ في صبحي ارتعادا

وحَيَّرني بما أدري حديثٌ...إذا عرِيَ الصحيح نما اضطرادا

نكرتُ بأنك الاهواء صفواً...وذبتُ بمغرياتٍ ما تهادى

وليت العابرات بأرض قلبي...يخوننَّ الملامة لا الفؤادا

فما وقف الزمان رقيب عندي...بذاكرتي دليلاً أو تمادى

فلا حبٌ لديَّ ولا استطانٌ...لِغريكَ سوف يرويني الوسادا

ولكنْ قد رميتُ هواي جنباً....وحتى الله يمنحني المرادا

بيومٍ قد أرى فيه الأيادي...بَنتْ وكما تمنَّيْتَ البلادا

ويا وطني الجريح كفاك غشاً...تغني واللضى أكل الحصادا

فقد رحل الذي لغدِ انتظرنا ...فمن سكن المدى لا يستعادا

ألا هُوَ كل ماكنا امتلكنا ... متى نذكرْ شهيدَ نقلْ أجادا

يغرد طيف روحه في البوادي....يكحل موطناً خان العهادا