ابحث عن “الكتائب” الاسبانية: “الفالانج”، وعندها ستعرف ان “تراجيديا غرناطة”، ليست سوى صفحة من دفتر لا نهاية له في القتل.
لوركا، هو الشاهد.
ولكن من هو الآلة البشرية القاتلة: “با لويس جوثمان”، بملابسه المدنية، أم الضابط “رامون رويث الفونسو”، الذي اعتقل لوركا، في غرناطة؟
في الثالث والعشرين من يوليو/ تموز ،1936 استولى “الكتائبيون” على غرناطة، وباشروا حملة اعتقالات وتصفيات جسدية، بين صفوف الجمهوريين، وبحق كل من يختلف معهم في الفكر.
هكذا هي الفاشية دوماً.
الفاشية، هنا، ليست الفرانكوية وحدها.
والفاشي، كذلك، ليس ذلك الذي يرتدي اللباس غير العسكري، أو رفيقه الذي بزي عسكري. هذا جناحا طائر القتل، الذي يحوّم الآن على رؤوسنا جميعاً، من بغداد، إلى غرناطة، الى القدس، الى مزار الشريف، الى هناك وهناك، حيث يتوقف العقل، وتندفع الغرائز المتوحشة، وتنطلق القوى الكونية العمياء من قيودها، ويحصل القتل على الهوية.
ما حدث في غرناطة، في التاسع والعشرين من يوليو/ تموز سنة ،1936 عنوان فصل في جريمة “الكتائب” المتعددة الأعراق، والثقافات، والوجوه، والهتافات، والشعارات.
ذلك اليوم الغادر، ميلاد جديد لكل القتلة على امتداد تاريخ الكلمة، وبداية جديدة لضحايا الكلمة وشهدائها غير أنه، إذ يحدث في غرناطة، يتضمن قتلاً مزدوجاً، شاعرية المسيحية، ونبل العرب.
قبل ذلك اليوم بقرون، وفي مكان عربي له مهابته وهيبته، أقدمت “الفالانج” العربية، تحت هيمنة ثقافة إلغاء المعارضة بالقتل، على صلب أحد أصحاب الرأي، بعد شق صدره وبطنه، وتجويفهما من أحشائهما، وجزّ لسانه، وفقء عينيه، وإبقائه هناك، على تلك الخشبة، سنتين متتاليتين، حتى بنى طائر الفاخت عشه ما بين عظام ساقيه.
أيها المغدور في المحراب.
أيها الشاعر الخائف من السوط، والنطع، والسيف، والسحل، والسمل ، والتحريق، ان “تراجيديا غرناطة”، كما هي فاشية أوروبا وعنصريتها، هي ذروة الفوضى المتوحشة، بسجونها السرية، ومثقفيها القتلة.
غرناطة هي تراجيديا المدن الأخرى.
اثنان فقط، “با لويس جوثمان”، و”رامون الفونسو”، عنوان القتلة من القطب الى القطب، ومن الماء الى اليابسة، ومن الصحراء الى الغابة. |