قال "صاحب الدولة" الذي يقف على أنقاض الدولة التي ساهم هو و شركاؤه من أعداء الوطن و البشرية و الديموقراطية بتحطيمها تحت راية الامبريالية الأميركية ليقول ان هذا الخراب الذي أنجزوه و انهيار الدولة و تمزق المجتمع و تشريد الشعب و ضياع آماله و أمواله (نصر للبشرية ونموذج فريد من نوعه في البناء الديمقراطي) على حد قوله . و لو كان "صاحب الدولة" يتحدث عبر فضائية العراقية أو الحرة ( البعيدة عن الحرية ) أو راديو سوا أو غيرهما من قنوات الإعلام المدفوع الثمن , أو في مؤتمر صحفي جمعه له الأسياد في الجزء الأخضر من المستعمرة الأكبر لهان الأمر و لقلنا انها " شنشنة نعرفها من أخزم " أو "عبُّر" لأنه " ليس على الكلام كمرك " كما نقول في العراق , لكنه قال هذا القول في رحاب المنظمة الدولية التي مازالت وكالاتها ترفع النداء تلو النداء تشكو تردي احوال العراقيين الذين احتار المجتمع الدولي في ايجاد تسمية مناسبة لهم, قالوا لاجئين فاحتج الجميع – لعلهم وجدوا في هذه التسمية ما يذكر بمأساة اللاجئين الفلسطينيين, و قالوا نازحين فاحتج آخرون , و قالوا مهجرين فثارت ثائرة العنادل التي تغرد بالديموقراطية و التحرير, و قالوا ضيوفا فاحتج الواقع و ولولت الحقيقة و هم يرون "كرم الضيافة" يتلقاهم من الحدود, لكن هذا الواقع سكت علامة الرضا عندما اقترحوا صفة المشردين.
أعلنت إحدى الوكالات الدولية أن عدد الذين أفرزهم "التحرير" من هؤلاء الذين لم يجدوا لهم وصفا يرضي جميع الأطراف قد تجاوز المليونين و خمسمائة ألف فرد خارج العراق و ما يوازي هذا العدد داخل العراق و قالت ان هذه اكبر عملية نزوح شهدها العالم, و قالت وكالة أخرى ان عدد الضحايا الذين فقدهم العراق منذ العدوان الأمبريالي الأميركي قد جاوز المليون و ربع المليون خارج حسابات الوفيات الاعتيادية, و قالت أخرى ان أكثر من ثلث العراقيين بحاجة الى المساعدة و قالت منظمة رابعة ان أكثر من نصف العراقيين بكثير يعيشون دون خط الفقر (دون ان توضح هل المقصود هم عراقيو الداخل او الخارج) و قالت خامسة ان العراق يحتل المكانة الأدنى عالميا في استفحال الفساد , و منظمة أخرى وجدت دولة واحدة فقط في العالم أسوا حالا في مجمل الأحوال من العراق, كما يقرر جميع المراقبين ان ما جرى في العراق منذ بدء العوان الامبريالي الذي جاء بـ "دولته و شركاه" و ما يجري اليوم هو تطهير عرقي شمل جميع الفئات بدون تمييز ساهمت فيه المليشيات المشاركة في حكومة "دولته". هذا الأمر يدفع جميع المراقبين للتساؤل اين وجد "دولته" هذا النصر و تلك التجربة الفريدة؟
لكننا نجد العذر لـ"دولته" إذا ما تذكرنا مالثوس و نظريته البائسة التي كانت تدعو الى تشجيع الحروب و الترحيب بالأوبئة لأنها تخفف الزحام غير المرغوب فيه في هذا العالم الذي كان يقول انه محدود الامكانات, و لا بد أن "دولته" يؤمن أن استمرار عملية التطهير بالقتل و التهجير سوف يؤدي الى تحسين بالغ في مستوى معيشة "الفئة المختارة" حين تنعم بخيرات هذا البلد و في هذا نصر و أي نصر للبشرية التي يقصدها "دولته" و التي آلى على نفسه أن لا يشاركها "الآخرون" بهذه الخيرات.
أما التجربة الفريدة في البناء الديموقراطي التي انفرد "دولته" باكتشافها بالرغم من قول بوش ان الحالة التي وصلت اليها الأمور في العراق مرعبة و أن المعاناة و المأساة جاوزت الاحتمال و ذلك قبل شهر من اكتشاف "دولته", فلعلها نجاح الاحتلال مع العاملين في ظله من عصبة "دولته و شركاه" في إعادة الاستعمار الى الوجود بعد ستة عقود من إنهائه.
يقولون في الأمثال لكل مقام مقال, و يبدو أن "دولته" قد اختلطت عليه الأمور و ضاعت منه بوصلته أو أن بوش لم يستطع ان يرى ما يراه "رجله" في بغداد, لكن هذه المنظمات و نحن أيضا لم نستطع أن نرى كل ذلك النصر الذي يراه "دولته" والذي يفاخر به على المنبر العالمي, فقد يكون بريق النصر قد خطف أبصارنا, أو لعلنا كما يقول سبحانه ( إنها لا تعمى العيون و لكن تعمى القلوب التي في الصدور ). ندعو الله مخلصين أن يهدي الجميع الى سواء السبيل ( انك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء ). |