لم يدر في خلد هذا الرجل العراقي حدّ اللعنة والحكواتي الفكه الماجن، أن يدور الدهر يوما ليجد نفسه على قارعة ، وما أدراك ماالقارعة ، قارعة لا تنازعها فاجعة.. يوم يصحو الانسان من نومه ويجد نفسه مطاردا من أهله وذويه، وظلم ذوي القربي أشد مضاضة كما نعلم.
علي السوداني او " علي كاظم علي" صاحب الجسد النحيل، اذ تكاد الريح تخلعه من الارض اذا اشتد صريرها ، صاحب اللحية التي تذكرنا بفراشات " والت وايتمان".. وصاحب الخمرة التي لم يفارقها وإنْ تشمّع الكبد وتفرق الصحب والخلان.
كان هذا " القصخون" والكاتب الضّحاك .. الجنوبي الأصل والبغدادي الهوى ، من أوائل الذين غادروا العراق أبان موجة الهجرة التسعينية للمبدعين العراقيين، يوم شهد العراق بشكل عام والمشهد الابداعي بشكل خاص مواسم هجرات نوعية وجديدة، ابتدأت منذ بداية العهد البعثي الثاني في العراق عام 1968 حتى9 نيسان 2003 .
هاجر علي السوداني بحثا عن الحرية والحياة والجمال.. اذ لم يكن الرجل يوما سياسيا بالمعنى العقائدي، كان كاتبا لم يُدجنه النظام الديكتاتوري السابق. ووصل عمان وعاش فيها ُمعارضا يكتب ويعري ممارسات النظام البعثي القسرية بحق العراقيين ، تارة بأسم مستعار وهو " حبزبوز" في جريدة بغداد واخر معلن في عمود له في صحيفة الزمان الصادرة في لندن.. ومن مصادفات الدهر ان يظهر أسم علي السوداني في لائحة المرتدين والخونة من الادباء والفنانيين والمثقفين عموما ، اصدرتها احد جرائد عدي صدام حسين قبل عشر سنوات، وكان مجرد وجود اسم ما على هذه اللائحة يعني الموت الحقيقي والنهاية السوداء لصاحبة والخزي والعار لاهله وأقاربه من الدرجة الخامسة ..،و يومها كان مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في عمان يفتح ذراعيه وبسخاء لكل العراقيين ومنهم الادباء والفنانيين الذين غضب النظام السابق عليهم ، وكان علي السوداني واحدا منهم ، ولكن لم يدر في بال السوداني ان يكون احد الطارقين ، ليس تكّبرا ولا تعّففا ، وانما لأن العراقي علي كاظم علي كان يحلم بشدة بسقوط وشيك وقريب للنظام والعودة الى الوطن .. العراق!
وربما صار هذا الامل الذي يحمله مثاردهشة وعتاب أخوييّن من أغلب اصدقائه الذين عبروا الى برّ الامان عن طريق مكتب المفوضية في عمان!!
لكن الرجل لم ييأس من حلمه ، وسقط النظام الصدامي حقا ،ـ وكان السوداني من الأوائل الذين التحقوا بالمشهد الجديد في عراق ما بعد الدكتاتور.. ، ولانه أبن الحياة والحرية .. لم تمهله ولم تستوعبه السياسية وألاعيبها الاعلامية ، ودخل معها في حيص بيص وصل الى أن يهدده رئيس كتلة لها وزنها في البرلمان العراقي لجرأته في الطرح ، وانتصاره للعراق بعيدا عن كل طائفية وحزبية !َ!
وهكذا عاد الرجل الحليم الى عادته، وفرّ من بغداد الى عمان ثانية.. يجرّ خفّيه بحنين جارح الى وطن كان يشتهيه فوجده وكرا سريا لمؤامرات لايقوى السير على حبالها، وطن تسوّره العمائم واللحى .!
بعدها بدأ رحلة الهروب الثانية من الوطن، وما كاد هذا الرجل ان يدمل جراحه، ويأتلف مع النزيف الجديد للحياة في عمان حتى داهمته السلطات العراقية، بورد اسمه في قائمة سُربت لجهات اعلامية وصحفية ، ونشرتها احد الصحف الاردنية وعلى ذمة مستشار الأمن العراقي الدكتور موفق الربيعي ، كونه مطلوبا للسلطات العراقية ، هذه القائمة السوداء " ياللمفارقة" تًشبه سابقتها في العهد البائد والتي تصف المبدع العراقي الشفيف بالخائن والمرتد وتساويه هذه المرّة مع كل من رغد صدام حسين والكثير ممن يشار اليهم بريبة في اشاعة الفوضى في العراق عبر مساندتهم المادية للعصابات والقتلة !!
فكيف يُحشر اسم علي السوداني مع هؤلاء وبأي جرم مشهود أقاموا عليه الحجة ..!!؟
لقد كان علي السوداني ولم يزل كاتبا عراقيا مخلصا لوطنه ولفنه .. لا يملك من دنياه غير قلم باشط وقلب كبير يحتضن العراق .. نحن نعتقد ان حياة هذا الرجل اصبحت في خطر حقيقي وعلى كل من يستطيع المساعدة ان ينقذ هذا المبدع العراقي من تخرصات القائمين على اصدار هذه الوثائق التجريمية والتي تذكرنا بصفحات سوداء من تاريخ العراق القريب ، حيث كان العراقي مشروع موت دائم ولاتفه الأسباب ، فما بالنا بمبدع عراقي تشكل حياته وحريته في العبير رأس مال وطني لايقل اهمية عن النفط والكبريت .
ارجو ان لا يداهمنا الوقت ونجد العراق خال من قلم باشط ورائه قلب نزيه محمّل بجراحات البلاد ومآسي العباد .. ارجو ان لا نتأخر جميعا لنصرة المبدع العراقي اياً كان أسمه وجنسه ومعتقده..
هي دعوة وصرخة للأستيقاظ قبل فوات الاوان .. علي السوداني أمانة في أعناق الذين يمتلكون القرار والقدرة على حمايته وحمايته اسرته من المصير المجهول الذي يتهددهم |