اقرأ في الاونة الاخيرة الكثير من الطروحات التي تخص المثقف او الثقافة العراقية في الصحف والمجلات ومواقع الانترنيت، حتى ظننت في احيان كثيرة بان الكتابة في هموم الثقافة والمثقفين هي من اصول الصنعة الثقافية، بيد اني وجدت ان كل الطروحات التي يتناولها الكتاب تجري في مجاري تبدو للوهلة الاولى بانها تمس العصب الحساس في الالم الثقافي العراقي ولكنها بالحقيقة متشابهة مكررة ليس لها فضل سوى انها ربما تحمل شعار (كثر الدق يفك.........) والغريب في هذه الطروحات بانها لاتحمل روح الفعل ولا تؤسس لشي ما وانما هي في الغالب شكوى من اقصاء او تهميش يمارس ضدها، والحقيقة وبشيء من التدقيق فهي تحمل دعوة مضمرة تتناقض مع طروحاتها، وهي تتلبس الافعال التي ترفضها وتعتبرها ممارسة تعسفية تجاهها، حيث اني ومعي الكثير من مثقفي العراق (حسبما اظن) لم نرى في الاعوام السابقة اي ممارسة ثقافية ممكن ان نعتبرها تاسيسا جديدا للثقافة العراقية التي اصابها الدمار في زمن الدكتاتورية، او هي رد فعل تجاه من يحاول تهميشها ، اي اننا لم نرى اي فعل ثقافي حقيقي يمكن ان يخرج الثقافة والمثقف العراقي من محنته، بل انها قد وقعت في ما تهرب منه، ففي دعواتها الى ان المثقف مهمش او مقصي من الساحة العراقية هي دعوات تحمل في باطنها العجز الذي يتآكلها فهي بانتظار السياسي او غيره ان يفسح لها المجال لان تلعب دورها، وان يؤسس لها ملعبا ذو ابعاد مضبوطة تتناسب مع الدور الذي يجب ان تلعبه وعلى شرط ان يكون الملعب على ضواحي المنطقة الخضراء بعيدا عن ازيز الرصاص او المفخخات، فبيد تهاجمها وباليد الاخرى تريد منها، وهذا ليس دفاعا عن السياسي الذي يحاول بكل السبل ان يفرض هيمنته على الثقافي المتخبط، وانما هي الحقيقة المرة التي تخفيها طروحات الصنعة الثقافية ، فهي طروحات لم يتجذر فيها الهم الثقافي الحقيقي، او هي لم تعي حقيقة المرحلة التاريخية التي تمر بها الذات الثقافية، التي هي بالتأكيد متواشجة بصيرورتين، صيرورة ثقافية تحمل معنى الهوية والاصالة، وصيرورة اخرى زمنية كونية تمدها بأسباب البقاء، المشكلة ان الكثير من الطروحات التي ربما تسعى الى تاسيس مفاهيم ثقافية خاصة بالمرحلة تنطلق من فهم خطي يرتبط بالتغيير السياسي الذي حدث في العراق، اي انها تفقد شخصيتها الثقافية في الفعل تجاه السياسي( السياسي كفعل وليس كايدلوجيا)، مما يبعدها عن الحقيقة الثقافية، التي يجب ان تجلى وترى النور بعد ما اصابها وما تراكم فوقها من تراكمات تقيدها بالفعل السياسي ، الذي افقدها هويتها الثقافية.
فلو اخذنا احد الواجهات الثقافية العريقة في العراق وهي اتحاد الادباء مثلا، فلست مغاليا أن اتحدى اي مثقف عراقي يدعي بأن اتحاد الادباء المركز العام او فروع المحافظات قد اسس لفعل ثقافي او خدم الثقافة باي صورة تذكر، فلو (لا سامح الله) الغينا هذا الاتحاد وفروعه من المحافظات، فهل سيختل الميزان الثقافي في البلاد؟ وهل سيترك ثغرة لا تنفع كل محاولات السياسي لردمها؟ ان السياسة الثقافية التي يمارسها الاتحاد او اي مؤسسة اخرى لها نفس الاغراض في العراق هي ممارسة بعيدة كل البعد عن الفعل الثقافي الذي يتناسب مع المرحلة الراهنة ،حيث ان هذا الرضوخ للأسلبة التي يمارسها السياسي تجاه هذه المؤسسات، يدفعها الى ان تحاول اثبات وجودها السياسي، وهذا خلل (حسبما اعتقد) في عملها كواجهات ثقافية معنية بالدرجة الاساس بالهم الثقافي، حيث ان المفهوم الثقافي في بعض الاحيان يبدو غائما، عندما يختلط بالاجواء التي تثيرها الاداة الغير ثقافية، فهي دعوة لكتاب الصنعة الثقافية الى ان لا يتهمو الغير وينسوا انفسهم، فالثقافة العراقية بحاجة لمراجعة شاملة لأكتشاف نقاط الارتكاز الحقيقية وليس ما زرعته وتأصل فينا المؤسسة السياسية البائدة.
ان الشاهد الحقيقي على ان الضعف هو في داخل الجسد الثقافي العراقي وليس خارجه، هي المهرجانات والملتقيات التي اقيمت (المربد، السياب، الحبوبي، الجواهري، مصطفى جمال الدين) فما هي الحصيلة التي خرجت بها هذه المهرجانات والملتقيات، وهل تساءل احد المثقفين في الجلسات البحثية التي لايحضرها احد، هل ان الحصيلة التي خرجت بها تساوي الاموال التي صرفت عليها؟ وهل تسائل هؤلاء الذين يكتبون عن الهم الثقافي العراقي المستعصي عن دور المثقف العراقي الحقيقي؟ وهل ان المثقف العراقي يدرك ماهي محنته الحقيقية؟ اسف فأنا لا املك اجوبة لهذه الاسئلة او غيرها، فأنا امارس اصول الصنعة الثقافية فقط.... |