ما دام أن النفط مادة اقتصادية قابلة للنضوب ، فإن الضرورة الوطنية ، توجب على القيادة السياسية ، استثمار عوائده المالية ، لإقامة البنى التحتية وباقي المرتكزات والمفاصل الحيوية ، التي من شأنها إيجاد بدائل اقتصادية مستقبلية متنوعة ، ـ وبخاصة ما يتعلق منها بالزراعة والصناعة ـ لضمان الحياة الكريمة للأجيال القادمة ، ولتخليص الاقتصاد الوطني من مرضه باعتباره إقتصادا أحادي المصدر .
وإذا كان نظام صدام حسين قد تسبب في تدمير الحاضر العراقي ، عبر حروبه الخارجية والداخلية ، وما نجم عنها من دمار للبنى التحتية وهدر للثروات ـ فإن مشروع قانون النفط المقترح عرضه على البرلمان ، سيؤدي إلى تدمير المستقبل العراقي اقتصاديا وسياسيا معا ، بارتهانه احتياطي العراق النفطي لكبريات شركات الاحتكار العالمية ـ والامريكية منها خاصة .
لقد قامر صدام حسين بالثروة النفطية عام 1985 عندما واجه صعوبات كبيرة فيما يتعلق بجدولة الديون الخارجية المتراكمة على نظامه منذ عام 1982 عندما أوقفت سوريا مرور النفط العراقي عبر ميناء " بانياس " على الساحل الشرقي من البحر الابيض المتوسط ، وتمثلت تلك المقامرة ، بعقده صفقات كبيرة غير متكافئة مع كبريات الشركات الاحتكارية الفرنسية ـ وهما شركتا " توتال " و" إلف " لاستثمار حقول نفط " مجنون " و" نهر عمر " وقد تضمن الاتفاق امتيازا غريبا ، نصَّ على ان تقوم الشركتان باستثمار تلك الحقول لمدة ثلاثين عاما لقاء مبلغ مقداره ستون مليار دولار ، يدفع نصفه عند بدء العمل ، على ان يكون النصف الثاني لتسديد الديون المتراكمة ولتسديد مشتروات مستقبلية من فرنسا فقط ... والامر نفسه مع روسيا التي نجحت بعقد اتفاق مع النظام لاستثمار نفط حقل " القرنة الغربي " والذي يعد من بين أكبر الحقول العراقية غير المستثمرة ... ( هاتان الاتفاقيتان ، كانتا السبب في دعوات فرنسا وروسيا لرفع الحظر الاقتصادي عن العراق قبل احتلاله ، وهو ذات السبب الذي جعلهما ترفضان الحرب ـ لا حرصا منهما على أرواح العراقيين ، إنما ، خشية أن يؤدي الإحتلال الى عرقلة استثماراتهما ... فالنفط بالنسبة للشركات الاحتكارية ، أكثر قيمة وثمنا من الدم العراقي .
والسؤال : ما الذي سيتبقى للأجيال القادمة ، إذا نجحت الولايات المتحدة الامريكية في الهيمنة على ما تبقى من حليب " بقرة النفط العراقية " ؟
صحيح ان للولايات المتحدة الامريكية فضلا كبيرا على هذا السياسي العراقي ، أو ذلك الحزب النافذ ... لكن الصحيح أيضا ، ان الثروة النفطية ليست ميراثا شخصيا أو حزبيا ، لتتم التضحية به ردّا ً للفضل ..
لقد إثيرت علامات استفهام كثيرة حول مشروع قانون النفط ، واحتجاجات وطنية ضده ، الأمر الذي يفرض على الجهة المسؤولة ، تإجيل النظر به ـ إن كانت غير قادرة على إلغائه في الظروف الراهنة ( هذه الظروف التي لا يحق فيها للحكومة العراقية تطبيق قوانينها على المرتزقة الامريكيين الذين يرتكبون جرائم القتل في بغداد وليس في تكساس أو نيويورك ، كالجرائم التي ارتكبها المرتزقة العاملون في شركة بلاك ووتر) . |