منذُ اشهر عديدة وحكومة المالكي تعاني من صراعات عميقة، وتمزق بين إطرافها، فهذه الحكومة التي أطلق عليها حكومة الوحدة الوطنية، والتي لا تعدو عن كونها حكومة محاصصة طائفية بين قوى وأحزاب لا يجمعها أية أهداف وبرامج وطنية مشتركة، وجل هم هذه الجهات هو تحقيق المكاسب والمغانم لحسابها الخاص، دون الالتفات للمصالح الوطنية العليا، ودون الاهتمام بما يعانيه الشعب العراقي من أوضاع كارثية في كافة المجالات الأمنية والاجتماعية والصحية والثقافية والخدماتية.
ونتيجة للصراعات المحتدمة بين هذه الأطراف، بسبب اختلاف المصالح واختلاف التوجهات، أخذت الانسحابات من الوزارة تتوالى من الحكومة، فقد انسحب منها حزب الفضيلة منذ بداية تشكيلها، وها قد تبعه انسحاب التيار الصدري، وجبهة التوافق، وجبهة الحوار، وأخيراً القائمة العراقية، ويدور الحديث عن نية حزب الدعوة [تنظيم العراقٍ] بالانسحاب ، وهكذا لم يبقَ في حكومة المالكي سوى طرفين فقط هما الائتلاف الشيعي الذي يضم المجلس الأعلى بزعامة الحكيم وحزب الدعوة بزعامة المالكي، والتحالف الكردستاني الذي يضم الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود البارزاني ، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة السيد جلال الطالباني.
ونتيجة للصراعات المحتدمة بين أطراف التحالف الشيعي بدأت الانسحابات من هذا التحالف تتوالى، فقد كان قد انسحب حزب الفضيلة من قبل، وها قد لحق به التيار الصدري الذي سبق له أن انسحب من الوزارة، وتدور التكهنات عن قرب انسحاب كتلة إبراهيم الجعفري، وكتلة الرساليين، وهكذا يصبح مصير حكومة المالكي في مهب الريح، ولن يجدي نفعاً كل محاولات المالكي لترقيع الوزارة.
فمنذ اشهر عديدة والسيد نوري المالكي يصرح كل يوم عن قرب إملاء الشواغر في الوزارة بعد استقالة 17 وزيراً تارة ، وعن النية في تأليف وزارة تنكوقراط مصغرة من نفس القوى السياسية تارة أخرى. ويستمر المالكي بالتشبث بالسلطة رغم انفراط اغلب أطراف الحكومة. ودون أن يستطيع حتى ترقيع الوزارة .
ومما زاد في الطين بله الوضع المأساوي لما يسمى بالبرلمان العراقي الذي عجز رئيسه السيد محمود المشهداني أن يجمع أعضائه لإكمال النصاب، فمعظم أعضاء المجلس يتواجدون خارج العراق، والبرلمان مشلول تماماً، شأنه شأن حكومة المالكي، وأوضاع العراق الأمنية تسير من سيئ إلى أسوأ ، والخدمات الضرورية لحياة المواطنين في أسوأ أحوالها، فلا كهرباء ولا ماء الشرب ولا وقود بمختلف أنواعه، حيث تسيطر عليه الميلشيات المعروفة، وتتحكم بأسعاره، ولا العناية بصحة المواطنين، بعد أن غادر أغلبية الأطباء الاختصاصيين والألوف من الأطباء الآخرين إلى خارج العراق هرباً من الموت ، بالإضافة إلى شحة الدواء، وصعوبة حصول المواطنين عليه، بعد الفساد الذي استشرى في كافة مرافق الدولة ، وصارت الأدوية تجارة رابحة خارج المستثفيات.
كما تتصاعد كل يوم ارقام العراقيين المغادرين للعراق هرباً من الحرب الطائفية التي يدعي السيد المالكي بأنه استطاع وقفها، لكن جثث الضحايا تستمر دون انقطاع ، وتستمر العصابات الميلشياوية باحتلال مساكن المواطنين بما فيها من أثاث دون أن تستطيع الحكومة أعادتها إلى أصحابها، ويعاني المهجرون داخل وخارج العراق ظروفا قاسية جداً دون أن تلقى أوضاعهم أي اهتمام.
إن حكومة هذه تركيبتها، وهذه توجهاتها وإجراءاتها لا يمكن أن تحل المليشيات، وتسحب منها السلاح، وتعيد الأمن والسلام في ربوع العراق، وتتوجه نحو معالجة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية، وإعادة بناء البنية التحية المخربة، وإعادة المهجرين والمهاجرين إلى الوطن، واستعادة رؤوس الأموال الهاربة خارج الحدود، وتشجيع الاستثمار الأجنبي لإقامة مختلف المشاريع الصناعية والزراعية، ومعالجة مشكلة البطالة، المفرخة الأساسية لقوى الإرهاب، وهذا يتطلب قيام حكومة تنكوقراط مركزية قوية، من العناصر الوطنية النظيفة، بعيداً عن هيمنة القوى الطائفية والعرقية، ووقف العمل بالدستور، وحل البرلمان، ووقف العمل بالمجالس المحلية التي تتحكم فيها القوى الطائفية وميلشياتها المسلحة، ومنح الحكومة صلاحيات واسعة لمدة زمنية محددة لا تتجاوز ثلاث سنوات، ريثما يعود الأمن والسلام في البلاد، وتزول الميلشيات، وتتهيأ الظروف الطبيعية لإجراء انتخابات برلمانية جديدة، بعد سن قانون جديد للأحزاب لقيام حياة حزبية تؤمن بالديمقراطية بعيداً عن الطائفية الدينية والعرقية، وتشكيل لجنة من كبار أساتذة القانون الدستوري لوضع مسودة دستور علماني جديد للبلاد، يكرس الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية بين المواطنين بمختلف قومياتهم وأديانهم وطوائفهم.
أن أي طريق أخر لن يفضِ إلى السلام المنشود، وسيستمر الصراع والتناحر بين القوى الطائفية وميليشاتها، ويستمر نزيف الدم، ويستمر الخراب والدمار في كافة مرافق البلاد وتتدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، وتستمر الهجرة الاضطرارية، وتفريغ العراق من كوادره العلمية بمختلف اختصاصاتها، ويستمر تحكم قوى الظلام والفاشية الدينية في حياة المواطنين الذين يسعون لإقامة نظام طالباني جديد في العراق. |