جلسة أخرى أقامها اتحاد أدباء وكتّاب نينوى 400 كيلومتر شمال بغداد ضمن حلقة التواصل الثقافي والاجتماعي خصصت للقاص فارس الغلب بحضور جمع غفير من المثقفين. وقال الناقد جاسم خلف في تقديمه للقاص (الغلب من مواليد 1952، أكمل دراسته في الاعدادية الشرقية في الموصل، وتخرج من كلية الادارة والاقتصاد من جامعة المستنصرية عام 1977، عرفناه كاتب قصة قصيرة نهاية عام 1989، اصدر على حسابه الخاص مجموعته القصصية (مصطبة لزوارق الوداع)، صدر له عن دار الشؤون الثقافية مجموعته الثانية (خربشات سعيد بن هدالج) التي احتوت المجموعة السابقة مع اضافة ثلاث قصص قصيرة اليها. فاز بالجائزة الاولى عن قصة (الخبرا) في المسابقة التي أجرتها جريدة نينوى عام 2000. وفاز بالجائزة الاولى في مسابقة التضامن العربي للقصة القصيرة التي اجرتها منتديات حماه الثقافية عام 2007. طرح الناقد عدة تساؤلات بدأها بهل مازال القاص يدّعي قطيعة في الفلاة بعيداً عن حقول الآخرين وهل ما زال مع القصدية المشاكسة بالاغماض لا مع التجريد المتخم بالغموض؟ وهل مازال في صحرائه يدجن حروفه لكي يبقى بعيداً عن فيضانات الدانوب؟ واذا كانت القصة القصيرة مساحة صغيرة لاعادة الحياة او نوعا قصصيا يعبر عن جوهره بشكله او شكلا من اشكال التعبير والتغيير أو اكذوبة يخلقها الراوي..أو..أو...
وأضاف الناقد فاين هو فارس الغلب بوصفه قاصاً على حد تعبير نورثروب فراي (قد يمتلك بعض المقدرة النقدية الخاصة به بحيث يكون قادرا على الحديث عن قصته.. واذا كان ثمة اهمية خاصة كما يقول ولكن له سلطة خاصة). وهل تجاوز الغلب مرحلة التجريب الى البحث عن اطار نظري يضبط اعماله ليصل الى مرحلة التفرد؟ واذا كانت القصة حكاية اولاً واخيراً فهل في غياب هذه الحكاية تتحول القصة الى حكاية لهذه اللاحكاية نفسها؟ وختاماً كما قال الناقد أين يقف القاص فارس الغلب في خضم هذه التسؤلات وغيرها؟
ثم تطرق القاص الغلب الى ما أسماها شهادة قصصية حيث قال "اعترف إمامكم أنني غالبا ما اقرأ شرودي على الورق ربما بفعل إرهاصات هذه الحياة المشحونة بالفوضى، أو مازلت ذلك البدوي الذي يرتب نقاط روحه، عندما يصيخ إلى إيقاع حكايات المكان.. ذاك الذي استدرجني إلى اقتراف الكتابة أول مرة، في وقت لم ارتض له أن يندرس على صفحات مجلة التراث الشعبي، كذلك ومن باب رد السوء عنه حين يستقي كتّابنا رموز الغرب.. يبتاعونها كمالية من الدكاكين الغريبة، ويتشدقون بها على الورق. فيصبح البدوي بأقلامهم رمزاً لذلك الغليظ قاطع الطريق، والجمل رمزاً للبله والغباء، والصحراء للخواء، ولا ادري لماذا يعصبون أعينهم ويسدون أذانهم ويعقلون أرجلهم عن مربع الاصالة، الذي قصده الأنبياء، ونهلوا من فيض فصاحته، واحسب أنني في قصتي الأولى (البكارة) أنصفت المكان عندما ازعم انني أشبعت مترا مربعا من الصحراء، بجملة تجاوزت نصف الصفحة وصفا وترميزا". واضاف الغلب (انا مع القصدية المشاكسة بالإغماض لا مع التجريد المتخم بالغموض، وأنا في صحرائي أدجن حروفي لكي أبقى بعيدا عن فيضانات الدانوب).
وقال الغلب ( تكلمت في قصتي البكارة باكورة أعمالي عن انتهاك بكارة الكثيب، الهلال والنجمة، الحاضر في الوطن الكبير وفي قصصي الاخرى مرايا الطوطم، العتل، بلهان، السد، مصطبة لزوارق الوداع، وخربشات سعيد بن هدالج، كلها أتوسل فيها العودة إلى البدء للخلاص من عقد هذا العالم المجنون، الساعي إلى حتفه، هذا ما أراه في سويداء الحدث واليات القص الاخرى أو حين احكم نصوصي بسلطة متلقي عندما لا أجد سلطة يتوفر عليها الكاتب) مضيفاً إنني أؤمن بسلطة الحكي على النص مادمنا نلبس قميص الراوي ونبتعد عن ترديد الحكاية عينها بآليات وأشكال تلهج بالجدة، يقول الكاتب الكبير غونتر غراس(اعتقد أن اصل الأدب هو الحكاية الشفهية) ولا اظنه عنى الحكاية الببغاوية، او هذا ما يفعله العديد من كتاب القصة على كثرة. ورأى القاص ان (الإشكالية هنا ليست في اغتراب الحكاية أو موات عودها بقدر ما هي إشكالية تسارع التسميات، واجتراح التجنيسات والمصطلحات في فورتها الكبرى، فهل نحن نكتب قصة أو قصيدة، أو هو تماهي الأجناس الأدبية ببعضها البعض في عالم تماهت فيه الأشياء؟ وأصبح من الصغر حدا وصف بقرية كونية حدودها شاشة حاسوب. أما قصة نبعان والكلام للغلب فقد استقيت منها قرائتين الأولى مجلس القبيلة حيث يجري الحديث العذب على لسان محدثين، ترشّق جملهم الوجازة والتكثيف والتلميح، وتبل شفاههم ورشفة فنجان قهوة، يصبغ على بياض الفنجان بخيط مرارة، او هو شح الصحراء يجذب التقتير قي الكلام ليقابلها بترف القيم، او هكذا هو كلام البادية في ابتعاده الدؤوب والازلي عن المباشرة. والثانية معاقرتي قراءات عشوائية لجل ما يقع بين يدي من كتب، وهنا لابد أن اذكر كتابين أثّرا في صحبتي للكتاب وولعي اللامحدود باقتفائه، الكتاب الأول (اعترف أنني عشت) للشاعر التشيلي بابلو نيرودا يتحدث في مقدمته عن جبال وسهول، هضاب ووديان، انهار وبحيرات، ينابيع وشلالات، أطيار وأوابد، أشجار وثمار، أزهار وفراشات، كنت حينها أتساءل إلى أين سيوصلني، أو أنني ابحث عن تبرير يلمس قناعتي، عما يجول في خلد شاعر كبير كبابلو نيرودا، وهو ينحدر إلى ذلك الإسهاب المخل، وفي النهاية وجدته يميط اللثام عن قصدية رائعة، يختم بها ذلك الوصف الجميل بقيمة تفوقه، حيث ختمها بكلمتين لا اكثر (هنا ولدت). احسب والكلام للقاص انني أسير على هَديهِ عندما ازعم انني ابحث لنهايات نصوصي عن مثل هذه الخاتمة الرائعة. والكتاب الثاني (أعمدة الحكمة السبعة) للورنس العرب الذي آنسني وأخجلني في الوقت عينه، فكيف تسنى لذلك الإنكليزي أن يصادر عشق ووردز وورث للطبيعة ويسيله في وصف الصحراء بهذا الجمال الشفيف، الذي لم يسبقه إليه كاتب عربي.
وأسهب القاص قائلاً كثيرا ما نصحني بعض الأصدقاء أن أضع هامشا لبعض مفرداتي، تلك مشكلة اختصم معها على طاولة الكتابة، وتأكل من جهدي وأوراقي، لأنني لا استسيغ التسليم بالهوامش في القصة، حتى الحوار أجريه بالفصحى اضطرارا، كي أتحاشى الركون الى الهامش ولو فعلت غير هذا لكانت الهوامش بحجم المتن، وهذا ما أراه يفسد النص، وكثيرا ما وأدت العديد من الجمل الجيدة، وشيعتها بنواجد ندم لعلمي بجهل المتلقين لثقافة الصحراء، إهمال يحز في روحي، يقول بطل الشطرنج العالمي كاسباروف(تبقى النقلات التي نفكر بها ولا ننفذها على الرقعة جيدة) او هكذا اقارب المسألة إذا جاز التعبير.. إنني احرص على ذائقة المتلقي بلا خدوش، ذلك المتلقي الذي أحاول الإمساك بتلابيبه للخلود الى قراءة محيره، فأنا أؤمن بقدرة الكثيرين في الحفر عميقا في جسد النص لمصادفة مبتغاهم في الفهم، إن الذي يتبحر في المثل الحكاية يجدها عنواناً أطلقه متلقي نابه، غيب الراوي والحكاية.
وتضمنت الجلسة العديد من المناقشات من قبل بعض الحاضرين حول كتابات الغلب.
|