بغداد يا زهرة الرياحينِ….وروضة المنِّ والبساتينِ
وقبلة العشق إن نما طرباً….تذكِرهُ أحرفُ الدواوينِ
وليلة الألف ليلةٍ وعلى…سفحك لحنٌ بغير تلحينِ
بَسَطتُّ شوقي إليكِ قافلةً….تمتد في زحفها إلى الصينِ
عَرَجتُ فيها إلى ذرى كندا....وما نهتني قرى الفلبينِ
تحمل آلام كل مغتربٍ....إليك يا حلوتي ومشجوني
بغداد مالي أراكِ تائهةً....ما بين زيفٍ وطيشِ مجنونِ
يُحَزّبُ الدين سيفُ يصقلهُ....ويصعد العدّ للثلاثينِ
فمقتدى الصدرِ مدَّ خنجره....مُقتَطِفاً أعينَ المساكينِ
وحارث (الضارِ) ضَرَّ مخلبه....سَيَّسَ إسلامَ للملاعينِ
أنصافهُ بَعثُ من به عوجٌ....وما تبقى فمُ المواعينِ
وطارق الهاشمي يقاسمه...رَخْيَ السواقي وكَسْرَ تنوينِ
وآية الفقهِ قلْ بلا حرجٍ....يبَتكِرُ الشأنَ كفّ هارونِ
وللحكيم النهار مطرقةٌ....تُلْوى عليها يد الملايينِ
وفي الدُلَيْمي نَدتْ خوارجه....حُنَيْن تصطادُ قبر حطينِ
(ومالك الحكم) نزَّ دعوته....وَرَّقَ في خندق الشياطينِ
الحمد لله لا نديم له...الحمد لله في القوانينِ
الحمد لله في وصايتهِ...وفي معاني صحيحِ تخمينِ
كرَّ بلاها لها بلاءُ إذا....رَفَضتُ ثوب السواد يمحيني
مدينةٌ تذبحُ الحسين ولنْ....يُعيدَ رأساً بكاءُ في الدينِ
إذا نسيتُ الحداد وا كبدي....وجدتُ وجهي يلجّ بالطينِ
وإن رميت الحبيب نظرته....هَوَتْ عليه صفادُ مسجونِ
وإنْ تزاورتُ عند قبر أبي....حَمَلتُ كنْزاً معي لمديوني
وإن كتبت القصيد منشرحاً....قايَضتُ حرفي بحرفِ يؤذيني
فالحرُّ حرٌ إذا جوانحه.....تغنتْ المدح للسلاطينِ
والعبدُ عبدٌ وفي إجازته....يحصد يأساً بحقل مسكينِ
والذنب ذنبٌ بلا جنايته....يُكَوَّر العنق بالطواحينِ
والعدلُ عدلٌ إذا رسا حَكَمًا....سالَ عليهِ رذاذ فرعونِ
آذانُ فجرٍ وصبحه إِثِمٌ....وليله قطفُ رأس مأمونِ
وآثر الحقِّ حقهُ كذبٌ....وناكر الصدقِ كأس مضمونِ
وسارق القوتِ أمره مَيعٌ....وطالب البغيّ كالعناوينِ
وسارِيَ الجارِ ما خيانته....وسالب العرضِ ورد نسرينِ
وسالك القتل ما جنايته....وناهِيَ الشر في الكواوينِ
بغداد يا معتلاً أعانقه....يا قمراً كالدواء يشفيني
يا قدح الليل لو أفارقه....تُثنى ركابي لغصنِ زيتونِ
لو غاب عني الهوى وساقيه…صباك ظلَّ الحنين يسقيني
وإن خلوت النمير أكرهه....طيفكِ عند الجوى يُسليني
وإن يدور الزمان دورته…بغداد في مقلتيك إرميني
وفوق نهريك يا شذى وطني… كالطفل وقت المنام ضميني
وإن رميت السلام رقِّ به…نخلك في زهوه يحييني
من غيرك الحب لا هيام له….جميلَهُ شجو قلبِ محزونِ
وطيب النطق لا حديث له...إلا إذا قد رواك في اللِينِ
فتشت صافي المياه أجمعها....نبعاً فنبعاً وكاد يلهيني
فما وجدت البديل في عطشٍ....عن دجلة الخير ماء يرويني
من غيرك الحب كيف أعشقه…. لو عاود الحب لي إحبيني
بغداد يا قلعة الرجال إذا...قد استفاقتْ رياح تشرينِ
تلوي الذراع الذي يهبُّ أذاًً....تجعله معطف المجانينِ
فما أباحتْ لليلها شهباً...إلا وكانتْ نجوم تكوينِ
أحببت فيك العراق منتصراً....يمشي على الشوك والثعابينِ
فالشمس أحلى هناك يا شجني....والليل في غربتي يواسيني
وهاجسٌ منكِ كالرماد إذا...ذرى عيوني أساً يناديني
أشدُّ رحلي إليكِ زحفتهُ....هناك فوق النخيل خليني
ألتحف السعف ليَتهُ كفني....أموت والموت سوف يرضيني
أموت والنفس عنك راضية....وحينها الموت سوف يحييني
لديَّ شوقٌ جرى ألوذ به.....يفرشُ لي حَيفهُ يواريني
ما فارق القلب لحظةً أبداً...ولا طوال السنين ينسيني
فكلما أسأل الصباح ولي....إلى المساء الدموع تعنيني
إليكِ وصلاً ضَنَتْ بدايته....ألقى ثقيل الوصاد تعييني
اخترته الدار أستَظِلُّ به....نسيت أنَّ الكؤوس تغنيني
حتى تماديت في تودده....ولاح لي مطرب التلاحينِ
وانشقَّ فيَّ المراح يذهلني....كالريح يخبو على الأفانينِ
زاورته مهجتي وكنت له.....مرقد من ساقِيَ التحاسينِ
يحسن لي شوقه الأسير كما...يسيء لي دفءُ ثلجِ كانونِ
وعندما قلتُ سوف أتركه....هبَّ بصدري زفيرُ تنينِ
يا صحوة الذات يا مرابعنا....يا وجعاً كالخريفِ يرميني
لا تحسبي البعد عنك يطربني....فالبعد كالسيف سوف يمحيني
فتشت عنك الديار أجملها....فلم أجد عنك دارَ تؤويني
أرضى عذابي وبحر أنته...إن كان فيه دجاكِ يطويني
فسارق القلب ما له قدَمٌ...مَشيتَهُ العُمْرَ كيف يمشيني |