كم مئة مليار دولار ، ستحصدها اسرائيل من الولايات المتحدة الامريكية ، لو أن ضحايا قنبلتي البنتاغون على هيروشيما وناكازاكي ، كانوا يهودا وليسوا يابانيين ؟ وما عدد مليارات الدولارات التي سيتحتم على حكومتي روسيا وفرنسا ، دفعها الى حكومة تل ابيب ، لو أن ضحايا الشيشان والجزائر كانوا يهودا وليسوا مسلمين وعربا ؟وما حجم المبالغ التي سيتعين على لبنان دفعها الى اسرائيل ، لو أن ضحايا مجازر" دير ياسين " و " قانا " كانوا يهودا ؟
وهل كانت الادارة الامريكية " ومن خلفها دول القرار السياسي العالمي " ستسمح باستمرار حرب الخليج الاولى ثماني سنوات متواصلة ـ لو أن الحرب كانت بين الارجنتين وبريطانيا ، وليست بين العراق وايران ؟ وهل ستتظاهر دول القرار السياسي العالمي بالعمى حين كان صدام حسين يقيم مقابره الجماعية ويبيد مدنا كاملة ـ لو أن الضحايا كانوا من مواطني النصف الشمالي من سكان الكرة الارضية ـ وليسوا من سكنة أهوار الجنوب أو كردستان العراق ؟
هذه الاسئلة ـ وغيرها الكثير ـ انتصبت أمامي من تلقاء نفسها ، وأنا أقرأ مقالا عن مؤسسة "مركز الوثائق اليهودية " في مدينة " لينز " النمساوية ، والذي أنشأه " سايمون وايزنثال " عام 1947وأخذ على عاتقه مهمة ترسيخ " الهولوكست " في ذاكرة العصر ، وممارسة شتى الضغوط على حكومات وشخصيات سياسية ومالية عديدة ، فنجح في تحصيل مئات مليارات الدولارات لاسرائيل كتعويضات عن اضرار مادية ومعنوية ، بل ، وفي تعقب ومطاردة المتهمين وإلقاء القبض عليهم ، على غرار ماحدث للمتهم الالماني " أنيجمان " الذي قام المركز بشحنه الى تل ابيب في صندوق بعد اختطافه وتخديره ..
لست بصدد التشكيك بالهولوكوست اليهودي ... فالذي أريد قوله ، هو ، إن العرب قد تعرضوا الى اكثر من هولوكوست سواء على أيدي الحكومات الاسرائيلية ، أو على أيدي الاستعمار في عصريه القديم والحديث ـ ومع ذلك ، فلم نجد مؤسسة أو مركزا عربيا يأخذ على عاتقه مهمة تذكير الرأي العام الانساني والدولي بدمائنا التي سُفحت هدرا ، وبثرواتنا التي سُرقت ، كخطوة أولى على طريق التعويض عما لحقنا من أضرار ..
وبقدر تعلق الأمر بالمأساة العراقية ، فإن ما حدث في ظل النظام الديكتاتوري ،وما يحدث منذ الاحتلال وحتى الان ، هو هولوكوست بكل المقاييس يتحمل وزر جريمته المحتل والنظام المقبور معا ـ وعساني لا أجانب الصواب إذا قلت إن النظام الجديد يتحمل هو الاخر ، جانبا من تلك المسؤولية لرضوخه الى مبدأ المحاصصة الطائفية والحزبية والقومية ، وتماهله في استعادة الهاربين من وجه العدالة ، سواء منهم الذين كانوا أدوات بطش بيد الديكتاتور ، أو الذين سرقوا وهدروا مليارات الدولارات قبل فرارهم والاقامة في دول معروفة .
نصت وثيقة الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، على ان الناس متساوون في القيمة لمجرد كونهم أناسا بغض النظر عن العرق واللون والمعتقد .. فلماذا يتحدد سعر الانسان العراقي ، في حوانيت الجيش الامريكي ، ممن يقتـَلُ سهوا ، ببضع مئات من الدولارات ، بينما سعر الانسان الامريكي ، عشرة ملايين دولار بالتمام والكمال ـ وهو المبلغ الذي دفعته خزينة "الجماهيرية الشعبية الاشتراكية الديمقراطية العظمى " لصاحبها معمر القذافي وعائلته ؟
نتمنى عليك سيادة الرئيس جورج بوش ، إعادة النظر في سعر الانسان العراقي في سوق الهولوكوست الجديد ـ أو توصية جنودك بالكف عن القتل العشوائي ، والتمييز بين الطفل النائم في حضن أمه ، وبين الحيوان الإرهابي ـ إذ يبدو أنك لم تقرأ بعد ، رسائل د . صاحب الحكيم رئيس المركز الثائقي العراقي لحقوق الانسان ـ ربما لانشغالك بمتابعة نتائج الاجتماعات السرية التي تعقدها ادارتك مع بقايا حزب البعث العراقي لإعادة تأهيله من جديد في وقت لم يعد فيه العراق يمتلك مزيدا من الدم لتهدره في هولوكوست آخر . |