سلمتَ من الحبرِ يا صاحبي
وأمَّا أنا فأبتليتُ به
كتبتُ/كُتِبتُ
وها أنا أندَمُ..
أني تعلَّمتُ يوماً
وأني قرأتُ كتاباً
فكم أتعبتني دروبُ المدارسِ؟.. أتعبني أصدقاءُ الطريقْ
فعدتُ بنعلينِ مخصوفَتينِ
وثوبٍ ترقعُهُ الحادثاتُ
وعدتُ لذاكرةٍ لم تجد نفسها
بين أنقاضِ بيتٍ وبيتِ
*****
سلمتَ من الشعر يا صاحبي
فهو علَّمنا أن ندخِّنَ
حتى تجيء القصيدة
وإذ لا تجيء فنسعُلُ مُختَنقينَ بأحزاننا
أعيدوا لي الآن أميِّتي
أعيدوا لي الآن بدويْ
وماشيتي والصحارىْ
وفزاعتيْ والحقولْ
أعيدوا لي الآن ما تشتهونَ من الضائعاتِ
سأقبل!!
على أن يكون الذي سيعود إلى حوزتي أولاً...
كلُّ أميِّتي ثم ما تشتهون
وتبَّاً لكلِّ المعارف
ترجزُ مابين أنياب من ظفروا بالحروبْ
وتبَّاً لكل الأناشيدِ
تنشدُ عند وقوف الملوك على موتنا
وعند وقوف الذي لا يراهن، أي الأناشيد أجملْ
وتباً لكل القصائد
إذ لا تباع كلوحةِ رسَّامنا في المعارضْ..
ويبقى على الشاعر الفذِّ أن لا يمدّ يداً ويعيشْ
وتباً لكلِّ الذين يظنون أنفسهم مؤمنين بنجمٍ بعيدٍ
يعودُ يطببُ أحزانهم
ويحني البيوتَ بحنّائِهِ
وحناؤه من رماد
وتباً لمن قد أفاضَ على همِّنا
بالكلامِ النبيلِ
*******
سلمتَ من الشعرِ يا صاحبي
وأما أنا فتعبتُ
وآمنتُ بالخوفِ بالصمتِ بالخرسِ الأبدي
وتبتُ
ولستُ الذي يحتمي بصديقٍ ولستُ..
تعبتُ وكنت أظنُّ الكتابةَ خيراً
إلى أن كتبتُ
وكنتُ أظنُّ القصيدةَ ربَّاً
ولم يرزق الربُ عبداً
وها قد كفرتُ
رعيتُ الكلام وقطعان ماشيةٍ في حقولِ المعاني
وبددتُ كلَّ الأغاني
وكانت خرافي تُرافقني
وتسترقُ السمعَ حين أقولُ القصيدةْ
وكانت خرافي سمينةْ
دخلتُ المدينةْ
وصلتُ إلى القصرِ
عند الأميرِ
وفي حضرةٍ من جلالٍ بهيٍّ وقفتُ
لأمدحَ مولايَ
كان أبو الطيب المتنبي
على طرفٍ من لسانيْ
وكان حبيبٌ يلقنني بالمعاني
فكم بيتَ شعرٍ حفظتُ؟؟
وإذ بالخراف التي كنتُ أطربها في الطريقْ
غدت شعراءْ
وألقت بأصوافها والجلودْ
وإذ بالأمير استدارَ بسحنتهِ نحوها
وأصغى لها
فصرختُ:
-أنا يا أميري!! أنا الشاعر العربيُّ وهذي...!!
وأومأ لي ظلُّ سبابةٍ .. فصمتُّ
وباشرتِ المدحَ كلُّ الخراف
وكان الأميرُ بها طرباً
والقصائد شعري الذي قد نظمتُ
*******
سلمتَ من الشعر يا صاحبي
وأما أنا ما سلمتُ
ألم تشهد الحزن في مقلتي؟
ألم يشهد الآخرون علي؟
وأعلم أن ليس منهم يدٌ قادرةْ
وأعلم أنهم الآن لا يملكونَ رجوعَ الزمانِ
ومثلي يُطالبهم أن يُعيدوا له المستحيلْ
******
سلمتَ من العلم يا صاحبي
أباركُ أمَّكَ إذ أنجبتكَ بريفٍ قصيٍّ
ولم تسع يوماً إلى المدرسةْ
فما نفعُ أن يغرقَ المرءُ بين الحروفِ
وبين كثير من الأسئلةْ
وتمضي السنونُ عليه
تعلَّمْ... تعلَّمْ... تعلَّمْ!!!
فسوف تكون كسحليةٍ
تصعدُ الآن سلمَ دائرةٍ للحكومةِ بائسةٍ..
تعلَّمْ..!
وسوف تجوعُ من العلم والشعر
سوف تُساقُ لكي تتظاهرَ
تشجب مستنكراً والجماهيرُ تشجبُ
تصرخُ تصرخُ!!
تحمل لافتةً لا تعي ما يرادُ بمضمونها
وصورةَ من حكموكْ
سترفعها فوق رأسكْ
لماذا تردُّ لهم دينهمْ؟
فهم علَّموكَ وهم ألَّفوا قلبَكَ الصلدَ
ولم تحفظ العهدَ أنكرتَ كلَّ المكارم والفيءْ
وأنكرت تقبيلَ كفِّ المبجلِ... أنكرتَ... أنكرتْ
وها أنت دوماً تجرُّ إلى المعركةْ
فأنتَ الذي ستكون الشهيدَ على جهلهِ
ماتَ من أ جلِ أنهم علموهْ
********
سلمتَ من الحبِّ يا صاحبي
فحمداً لقلبك حين تزوجت بامرأة من قُراك
وباركَ ربُّك، لم يكن الحبَّ مفتاحها
فلا امرأةٌ في زمانكَ
إذ ما أحبَّتْ أصيبت بداءِ الوفاءْ
ولا الحزنُ حزنُكَ حين تُحبُّ
وتبكي وأنت تظنُّ الحبيبة قد شاركتك البكاءْ
سلمتَ من الحبِّ أنت على الأرضِ أرضٌ
وأمَّا أنا..
فنصفي أرضٌ ونصفي سماءْ
تقاسمني الحبرُ والحبُّ
ضاع اتجاهُ السحابة
تمطر حبراً وتمطرُ ماءْ
*****
سلمتَ من البيع يا صاحبي فاحمد الله
فإن الذين يباعون في عصرنا من عبيدٍ
هم من تملّكهم حرفهمْ
سلمتَ من الحبرِ والشعرِ والحبِّ والبيع يا صاحبي
سلمت قليلاً سلمتَ كثيراً
سلمتَ سلمتَ ولم أسلم
عثرتُ على الندم المستحيل
فلا ندمٌ بعد لم أندمِ |